"جيوبوليتيكال فيوتشرز": هل يشهد عام 2018 أزمة عملة عالمية؟

الخميس 16 أغسطس 2018 11:08 ص

ما الذي تشترك فيه الليرة التركية، والريال الإيراني، والروبل الروسي، والروبية الهندية، والبيزو الأرجنتيني، والبيزو التشيلي، واليوان الصيني، والراند الجنوب أفريقي؟

حسنا، لقد انخفضت جميعها بشكل مطرد هذا العام، وانخفض بعضها بشكل كبير خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

لكن هذه ليست القصة كلها، وتكمن القصة هي أن كل من هذه الدول يجلس على قنبلة موقوتة من الديون المقومة بالدولار الأمريكي.

وقد استغرقت هذه الأزمة وقتا طويلا في صنعها، وفي تسعينات القرن الماضي، بدأت العديد من الدول في تجميع كميات كبيرة من الديون بالدولار الأمريكي.

وكانت تلك طريقة فعالة لبدء النشاط الاقتصادي، وطالما بقيت عملاتها قوية نسبيا مقابل الدولار، كان الأمر خاليا من المخاطر إلى حد ما.

ومنذ عام 1990 إلى عام 2000، تضاعف الدين المقوم بالدولار 3 أضعاف، من 642 مليار دولار إلى 2.17 تريليون دولار.

وقد وصلت المشكلة الآن إلى ذروتها حيث تضخم الدين المقوم بالدولار، وفي أحدث تقرير ربع سنوي، وجد بنك التسويات الدولية أن الديون المقومة بالدولار للمقترضين غير المصرفيين بلغت 11.5 تريليون دولار في مارس/آذار 2018، وهو أعلى رقم مسجل في 55 عاما في سجلات البنك.

وفي غضون ذلك، تعزز الدولار وسط انتعاش عالمي فاتر منذ الأزمة المالية عام 2008.

ومع ضعف عملات البلدان المدينة مقابل الدولار، أصبح من الصعب على بعض البلدان سداد ديونها، وربما تكون هذه فقاعة تنتظر الانفجار​​، خاصة إذا كانت الدول الضعيفة لا تملك خيارات السياسة النقدية اللازمة لحماية نفسها.

تركيا ليست وحدها

وكان هذا هو الحال بالنسبة لتركيا، التي تعد عرضة بشكل خاص لتقلبات قيمة العملة، وكانت قيمة الليرة تتراجع لبعض الوقت، لكنها انخفضت بشكل كبير أواخر الأسبوع الماضي.

وتبلغ ديون تركيا الدولارية حوالي 200 مليار دولار، وهي نصف ديون تركيا الخارجية تقريبا، وأصبح الوضع أكثر قابلية للتداعي من خلال مزيج من عدم اليقين السياسي، والسياسة النقدية غير التقليدية، والأهم من ذلك، التعارض مع مصلحة الولايات المتحدة.

وتقترب ديون تركيا المقومة بالدولار الآن من ضعف احتياطياتها الأجنبية الإجمالية تقريبا.

لكن تركيا ليست وحدها، وانخفضت عدد من عملات الأسواق الناشئة التي كانت قد تراجعت بالفعل في هذا العام مع انتشار أنباء انهيار الليرة، وكان أكبر انخفاض من نصيب البيزو الأرجنتيني، الذي انخفضت قيمته مقابل الدولار بنسبة 9.5% خلال أسبوع واحد، والراند الجنوب أفريقي، الذي انخفض بنسبة 8% تقريبا.

كما تأثرت عملات أخرى أيضا، فقد انخفض البيزو التشيلي، على سبيل المثال، بنسبة 3.4% الأسبوع الماضي، في حين وصلت الروبية الهندية إلى مستوى قياسي من الانخفاض مقابل الدولار خلال تعاملات يوم 14 أغسطس/آب.

وما تشترك فيه هذه الدول هو أنها موجودة في قائمة تضم 13 دولة تم ذكرها في التقرير الذي صدر عن بنك التسويات الدولية، وتشكل مجتمعة 62% من جميع الديون المقومة بالدولارات التي تحتفظ بها اقتصادات الأسواق الناشئة.

وكانت تركيا واحدة من أكثر الدول ضعفا في القائمة، ولكن هناك 4 بلدان أخرى تواجه تحديات مماثلة، وهي الأرجنتين والمكسيك وتشيلي وإندونيسيا.

وقد دخل البيزو الأرجنتيني بالفعل في حالة سقوط حر، وأعلنت الحكومة يوم الثلاثاء أنها ستبيع احتياطيات بقيمة 500 مليون دولار، وترفع أسعار الفائدة لوقف هبوط البيزو.

ثم هناك المكسيك، التي تتحمل ديونا مقومة بالدولار أكثر من أي دولة أخرى في القائمة باستثناء الصين بمقدار 271 مليار دولار، ويتجاوز هذا بكثير احتياطيات المكسيك الرسمية.

وكما هو الحال في تركيا، فإن الديون المقومة بالدولار تمثل حصة كبيرة بشكل غير متناسب من الدين الخارجي الإجمالي للمكسيك، أي بنسبة تقترب من 60%. (من منظور آخر، تبلغ نسبة إجمالي الدين الخارجي للمكسيك إلى الناتج المحلي الإجمالي 39%، وبالتالي يعد نفوذ الدولار على المكسيك قويا بشكل خاص).

وحتى الآن، بقي البيزو المكسيكي ثابتا وانخفض بنسبة 0.3% فقط في الأسبوع الماضي، ولكن إذا بدأ البيزو المكسيكي يضعف، على خلفية مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا"، أو على خلفية عدم الاستقرار السياسي المحيط بالرئيس الجديد، أو أي طارئ آخر، فقد يسوء وضع المكسيك كما هو حال تركيا الآن.

والقصة مشابهة في إندونيسيا وتشيلي رغم أن الأولى تتمتع بوضع أفضل قليلا، ويبلغ إجمالي دينها الخارجي 35% من الناتج المحلي الإجمالي، و47% من الدين مقوم بالدولار، لكن إندونيسيا ليس لديها الكثير من الاحتياطيات، وتظهر عملتها علامات ضعف بشكل مستمر، بانخفاض 10% تقريبا مقابل الدولار هذا العام.

وتعتبر النسبة المئوية للديون المقومة بالدولار في تشيلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي هي الأعلى في جميع البلدان الواردة في التقرير، بنسبة كبيرة تصل إلى 36%، ويبلغ إجمالي نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي في تشيلي 66%.

غير أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن احتياطي تشيلي النقدي بلغ 37 مليار دولار فقط في يونيو/حزيران 2018، أي ما يعادل نحو ثلث إجمالي ديونها المقومة بالدولار، والبالغة 100 مليار دولار.

مشاكل مختلفة

وعلى الرغم من أن هذه البلدان هي الأكثر عرضة لتبعات ارتفاع الدولار، فإن هناك 6 بلدان أخرى، وهي البرازيل والهند وكوريا الجنوبية وماليزيا وروسيا وجنوب أفريقيا، تواجه مشاكل مختلفة ولكنها ذات صلة.

فجنوب أفريقيا، على سبيل المثال، لا تتعلق مشاكلها بالديون بشكل خاص، وتصر الحكومة على أنها لن تتدخل لوقف تراجع "الراند"، ولكن ذلك فقط لأنها لا تملك احتياطيات كافية لتغطية ما لديها من دين.

وتعد البلدان الـ 5 الأخرى في وضع أفضل فيما يتعلق بالاحتياطيات، وعلى الرغم من أنهم يمتلكون كميات أكبر من الديون المقومة بالدولار، لكنهم يمتلكون الكثير من الاحتياطيات.

والقضية بالنسبة لهذه البلدان هي الديون الخارجية الأكبر، ولن يشل الدولار الأمريكي القوي هذه الاقتصادات، ولكنه قد يضع ضغطا كافيا عليها لإجبارها على التدخل النقدي.

ومن الدول المعزولة بشكل خاص بعيدا عن أزمة العملة في الأسواق الناشئة، الصين والمملكة العربية السعودية، وقد تعرضت العملة الصينية للضغط في الأسابيع الأخيرة، لكن الصين اختارت حتى الآن ألا تدع اليوان ينزلق بعيدا.

وتملك الصين 548 مليار دولار من الديون المقومة بالدولار، لكن هذا يمثل فقط 4% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، ويبلغ إجمالي الدين الخارجي للصين إلى الناتج المحلي الإجمالي 14%، وهي النسبة الأقل في بلدان هذه القائمة، كما أن لدى الصين صندوق حرب بقيمة 3.2 تريليون دولار من الاحتياطيات الأجنبية التي يمكنها الاستعانة بها.

وتتمتع المملكة العربية السعودية بميزة الاحتياطيات الأجنبية الوافرة أيضا، وسيكون عليها بالتأكيد أن تستخدمها، والريال السعودي مربوط بالدولار، ويوفر هذا الاستقرار، لكنه يأتي بتكلفة؛ فعلى المملكة أن تشتري وتبيع الاحتياطيات للحفاظ على الارتباط.

وعلى الرغم من أن المملكة لديها أكثر من ما يكفي من المال لإدارة الأمر، فإنه أصبح أقل مما كان عليه في السابق.

وفي الواقع، فقد تم حرق جزء كبير من احتياطياتها في الأعوام الأخيرة -ما يقرب من 233 مليار دولار منذ عام 2014- لتمويل مغامراتها في الخارج وعجزها الحكومي، وليس لدى الرياض نقص في المشاكل التي تحتاج إلى حل، لكن أزمة العملة على الأرجح ليست واحدة منها.

ولا تعد هذه القائمة شاملة، وتشكل الاقتصادات التي شملتها الدراسة 37% فقط من إجمالي الديون المقومة بالدولار في جميع أنحاء العالم، ويعني هذا أن هناك 7.2 تريليون دولار أخرى من هذا الدين في النظام العالمي.

وما بدأ في تركيا قد ينتشر إلى بلدان أخرى مستبعدة من تقرير بنك التسويات الدولية.

ومرة أخرى، كانت تركيا عرضة بشكل فريد لهذا النوع من الأشياء، فلدى البلاد معدلات ادخار منخفضة، ومعدلات تضخم مرتفعة، لكنها رفضت في كل مرة اتخاذ قرار برفع أسعار الفائدة قبل فوات الأوان.

وسوف نحقق فيما إذا كانت البلدان الأخرى التي تم تحديدها في التقرير تعاني من مشكلات هيكلية مماثلة قد تؤدي إلى تفاقم تعرض عملاتها لانهيار مماثل أمام الدولار الأمريكي.

أما بالنسبة لتركيا، فإن معظم السياسات التي خلقت مشاكلها الاقتصادية لا تزال قائمة، على الرغم من تشجيع المستثمرين إلى حد ما من خلال وعد البنك المركزي بضخ أكبر قدر ممكن من السيولة في النظام عند الضرورة، وسوف يزداد الاقتصاد التركي سوءا قبل أن يتحسن.

والسؤال الأكثر أهمية الآن هو ما إذا كان ذلك سينتشر إلى بلدان أخرى ضعيفة، والدول الأكثر إثارة للقلق في هذه المرحلة هي الأرجنتين والمكسيك وإندونيسيا وشيلي.

ومن السابق لأوانه وصف الوضع بالأزمة المالية العالمية الكاملة، ولكن ليس من السابق لأوانه التفكير في ما إذا كان ما يحدث في تركيا قد يتحول إلى أزمة عالمية شاملة بالفعل.

  كلمات مفتاحية

أزمة الليرة التركية الديون الدولارية أزمة مالية