وجه الخليج بين الأصالة والحداثة.. لغة تغيرت وملامح تبدلت

الأحد 19 أغسطس 2018 12:08 م

قبل نصف قرن، تحولت مجتمعات الخليج بسبب النفط تحولا جذريا أثر في كل نواحي الحياة. حيث وفر النفط الخليجي لإنسان هذه المنطقة ثروة طائلة استغلها لإحداث تغيرات ليست فقط في نمط حياته وأسلوب معيشته بل في قيمه وأخلاقياته ونظرته للآخر، بل وحتى في مظهره وملامح وجهه ولغته الأصلية التي يفكر ويتواصل بها مع الآخرين.

وبعد أن حل الترف وتغيرت هيئة الدول الصحراوية، إلى شوارع وأبراج مبنية على الطرز الأوروبية، أصبحت مجتمعات الخليج فجأة تصنف في قائمة المجتمعات العالمية الحديثة بكل ما يحمله هذا التصنيف من إيجابيات وسلبيات ومظاهر جديدة وتحديات يأتي على رأسها غربة الفرد في محيطه وبيئته.

وصاحب هذا التحول أعراض جديدة تسمى عادة بأعراض الحداثة، وهي الرغبة في التأقلم مع الجديد والتمسك الى حد الهوس بالقديم، والمزج بين الاثنين.

تأثيرات هذا التحول ظهرت بشكل جلي على الإنسان الخليجي، الذي أصبح رغم بيئة الخاصة والمحافظة، يضاهي الإنسان الأوروبي بانفتاحه وحداثته.

ومن بين المظاهر الأكثر بروزا في الاختلافات التي طرأت على الإنسان في المنطقة الخليجية، عامل اللغة، الذي تأثر بالإنجليزية بشكل بالغ بسبب الانفتاح على العالم الأجنبي، وأعداد العمالة الوافدة الهائلة في البلاد. 

والدليل أن الخليجيين تبنوا اليوم اللغة الإنجليزية كلغة اتصال بينهم وبين مجتمع الوافدين من شتى أنحاء العالم، أصبحت الإنجليزية بالفعل، أي من حيث الوظيفة السوسيولوجية التي تؤديها، هي اللغة "الوطنية" الفعلية في البلاد. ومن النادر التواصل في الفضاء العام مع الآخرين، بما في ذلك بين العرب أنفسهم، إذا لم تكن تتحدث الإنجليزية.

ومن لا يتحدثها يظهر بالضرورة وكأنه عديم الثقافة والعلم أو التعليم في تلك الدول في الآونة الأخيرة. وفي هذا السياق وتأكيدا له، لم تعد الإنجليزية لغة التواصل داخل الفضاء العام المدني فحسب ولكنها أصبحت أيضا لغة الإدارة، وهي إلى حد كبير لغة التعليم في أكثر المدارس والجامعات الوطنية والأجنبية.

وفي دراسة نشرتها إحدى الصحف قبل سنوات، جاء أن 74% من طلاب المدارس الابتدائية في الدولة الخليجية لا يحسنون التحدث بالعربية الصحيحة، في صالح اللغة الإنجليزية.

أظهرت بيانات رسمية حديثة أن أكثر من ثلثي العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي (69.3%) حتى نهاية العام 2016 هي عمالة أجنبية وافدة، تضطر بشكل أو بآخر، إلى استخدام الإنجليزية للتواصل مع المواطنين.

الثراء "السهل" كما يقول بعض المراقبون، أدى إلى تطلع الإنسان الخليجي بشكل متواصل لكل ما هو جديد في العالم الحديث لمواكبته، وجاء ذلك بالنسبة للمظهر العام سواء في هيئة المبان ونمط المتاحف والمؤسسات الهامة، وحتى البنايات السكنية على جانبي الطرقات في العواصم الخليجية، وصولا إلى هيئة الملبس والمأكل للشخص الخليجي، وربما أحيانا ملامح الوجه نفسها. 

وبداية من الأبراج المبنية على الطرز الأوروبية، وصولا إلى أسواق المكياج وعيادات التجميل التي تحظى بإقبال واسع من سيدات المنطقة الخليجية، بشكل جعلها تتصدر قوائم الأكثر إنفاقا عليها على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية. لتحقيق مظهر متداول عالميا في صفحات الموضة والأزياء، وتهيمن عليها أمريكا ودول أوروبية.

وأفادت دراسة إماراتية حديثة أن كلفة عمليات التجميل في دول الخليج تناهز 4 مليارات درهم سنويا، أي بأكثر من مليار دولار أمريكي، ربعهم تقريبا في الإمارات وحدها، وسط إقبال كبير من الجنسين، خاصة من فئة الشباب.

وأصبحت عمليات التجميل بمثابة وجاهة اجتماعية لطبقات المجتمع الخليجي العليا، لتتجاوز إقبال السيدات وتصل إلى الرجال أيضا، وكشف مركز تجميلي أن 87.7% من عمليات التجميل في دول الخليج لعام 2016 تجرى للنساء، بينما بلغت نسبة الرجال 12.2%.

ورغم تغير المظهر الخليجي العام للأماكن والأشخاص على حد سواء، اعتمدت دول الخليج على "التقاليد المُخترَعَة" مثل هندسة التراث بحسب الباحثة المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط بجامعة ديوك الأمريكية "ميريام كوك"، والذي برز بشكل واضح في الأنشطة الثقافية المرتبطة بهُوية الدولة؛ كالزي القومي والعادات الفلكلورية، والشعر والأدب، وكذلك المتاحف العالمية، وإعادة التركيز والاهتمام بالأسواق مثل سوق واقف في الدوحة، إلى جانب الاهتمام الكبير بالمساجد الإسلامية وتصميماتها الزخرفية التي تضفي طابعاً يجمع بين التراث القديم والتصميمات المعاصرة في آن واحد.

وعلى الرغم من وجود إرث لغوي، وعقائدي، وعرقي، وثقافي، وتاريخي يجمع شعوب المنطقة الخليجية، إلا أن التغير المفروض على الأشخاص بسبب العولمة والانفتاح من جهة، والنزعة الفردية لدى الفرد والمجتمع في "المواكبة" من جهة أخرى؛ حال دون بقاء السمت الخليجي الأصيل متمسكا بفرديته دون تأثر بالغ بالثقافة الأوروبية، في شتى مجالات الحياة اليومية.

ساهمت الطبيعة الحركية الدائمة للعولمة من ناحية، مع القبائلية من ناحية أخرى، في تكوين ملامح هذا النموذج الجديد للدول التي تختلط فيها الطبيعة القبلية بالطبيعة الحداثية؛ بحيث أصبح من الطبيعي أن ترى المواطن الخليجي يرتدي الزي القبلي الرسمي القديم، وفي نفس الوقت يركب سيارة فارهة ومن أحدث الموديلات، وكذلك ترى الشعر العربي القديم يُروَى في المجالس الشعرية، وفي نفس الوقت ترى تنظيم حفلات صيد الصقور.

واستطاعت دول الخليج أن تخلق هُوية وطنية جديدة لمواطنيها، انعكست في سلوكياتهم وزيهم الرسمي واحتفالاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما كان لقادة وشيوخ القبائل دور في تحويل تلك القبائل البدائية الأولى إلى ذلك النموذج العصري للمجتمع، بما يحمله ذلك من إيجابيات وسلبيات.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج الدول العربية دول الخليج ثقافة هوية الهوية العربية حداثة تمدين مجتمع