"معهد الشرق الأوسط": هل تكرر إيران نموذج لبنان بجنوب سوريا؟

الاثنين 20 أغسطس 2018 04:08 ص

أعلنت روسيا أوائل أغسطس/آب أنها أقنعت القوات الإيرانية في سوريا بالابتعاد عن الحدود الإسرائيلية بنحو 85 كيلومترا. وجاءت الوساطة الروسية على خلفية تصاعد الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد القوات التي تقودها إيران في سوريا.

وقال المفاوض الروسي "ألكسندر لافرنتييف"، في حديث مع "سبوتنيك"، في الأول من أغسطس/آب، إن روسيا أخذت في الاعتبار المخاوف الإسرائيلية. وأضاف: "لقد نجحنا في سحب الوحدات الإيرانية إلى ما بعد 85 كيلومترا من الحدود الإسرائيلية".

مناورة تكتيكية

وانخرطت تل أبيب وطهران في مواجهة تصعيد متبادل في سوريا، حيث ضربت (إسرائيل) أهدافا عسكرية داخل سوريا أكثر من 150 مرة منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011.

ومع ذلك، إذا كان التاريخ اللبناني قد علمنا أي شيء، فهو أن التراجع الإيراني من جنوب غرب سوريا سوف يكون قصير الأمد. وسوف تكون مناورة تكتيكية من قبل فيالق "الحرس الثوري الإيراني" لتخفيف التوتر وتعزيز مكاسبها بدلا من التراجع الدائم.

وأشار الخبير في شؤون حزب الله "نيكولاس بلانفورد"، فإن "إيران تلعب لعبة طويلة في جنوب غرب سوريا، بالاعتماد إما على حزب الله أو الجماعات المسلحة العراقية هناك". وفي حين أن جنوب غرب سوريا قد لا يكون مصدر قلق فوري بالنسبة لإيران، فمن غير المرجح أن تتخلى عن مثل هذه الورقة الأساسية.

وقال مصدر مقرب من مقاتلي حزب الله المنتشرين في سوريا، في مقابلة سابقة لـ "ذا ريبورتر"، إن قادة "حزب الله" قادوا عمليات في جنوب غرب سوريا، على الرغم من الرفض الروسي. وبالإضافة إلى ذلك، كان المصدر قد أشار ضمنا إلى أن "حزب الله" قد يستجيب لمطالب موسكو، ولكن يمكنه أن يتسلل دائما بين القوات السورية لإعادة الانتشار في جنوب سوريا، عبر وجود أعضاء يرتدون زي جنود سوريين داخل القوات النظامية.

ويقول الخبير في شؤون حزب الله، "إبراهيم بيهرام"، إن المنظمة لا تعلق على الاتفاق الروسي الإسرائيلي الأخير، مضيفا أنه من غير المحتمل أن تلتزم روسيا بالاتفاق على المدى الطويل.

تجربة لبنان

وتتشابه الأحداث في سوريا مع الوضع اللبناني في مرحلة ما بعد حرب عام 2006 بين (إسرائيل) و"حزب الله". وانتهى صراع يوليو/تموز، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص، بقرار رقم 1701 من مجلس الأمن الدولي دعا إلى ترسيم الحدود الدولية للبنان، خاصة في المناطق التي كانت فيها الحدود محل نزاع أو غير مؤكدة، كما استبعد القرار وجود أي قوات أجنبية غير قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان، والجيش اللبناني جنوبي نهر "الليطاني". وفي ذلك الوقت، دعت الأمم المتحدة أيضا إلى تطبيق جميع بنود اتفاق الطائف، لا سيما نزع سلاح جميع الميليشيات، بما في ذلك "حزب الله"، وحلها.

وفي حين تم الحفاظ على السلام إلى حد كبير على الحدود الجنوبية منذ عام 2006، فلم يتم احترام سوى القليل من شروط القرار الأممي. ويحافظ حزب الله على وجود كبير وبنية تحتية تحت الأرض، ويقوم بأعمال استطلاع منتظمة على الحدود اللبنانية.

وأنشأ الحرس الثوري الإيراني "اللجنة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان" بعد حرب 2006، لإعادة بناء المناطق التي يسيطر عليها حزب الله في جنوب لبنان.

وبعد ذلك بعامين، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية اللجنة كمنظمة إرهابية، لأنها "مولت وسهّلت" أنشطة حزب الله، المصنف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. وترأس "حسن شاطري"، القائد بفيلق القدس الإيراني، اللجنة الدولية، تحت اسم مستعار وهو "حسام"، حتى قُتل في سوريا في فبراير/شباط عام 2013. كما كانت اللجنة هي التي بنت شبكة الألياف الضوئية التابعة لحزب الله، والتي أثارت أزمة سياسية وعسكرية في لبنان عام 2008.

علاوة على ذلك، انفجر مخزن أسلحة غير قانوني لحزب الله جنوب لبنان عام 2009. وصرح رئيس لجنة حفظ السلام في الأمم، "آلان لو روي"، في ذلك الوقت، بأن أعضاء من حزب الله يرتدون ملابس مدنية حاولوا منع قوات حفظ السلام من التحقيق في الحادث.

في عام 2015، أفادت صحيفة السفير اللبنانية أن حزب الله زاد من جاهزيته للمعارك في جنوب لبنان. وأوضح المقال بالتفصيل المخابئ والأنفاق التي صنعها حزب الله في جنوب لبنان والتي كانت مكدسة بقاذفات الصواريخ، وأكدت أن المنظمة كانت تراقب الحدود ليلًا ونهارًا وتحركات العدو باستمرار.

في العام الماضي، اتهمت (إسرائيل) حزب الله بإنشاء مراكز مراقبة تحت ستار منظمة غير حكومية تسمى "أخضر بلا حدود" بالقرب من حدود الخط الأزرق بين لبنان و(إسرائيل) على ما يبدو لجمع المعلومات الاستخبارية. 

وتشير تقارير عديدة إلى أن حزب الله لا يزال يركز على الجبهة مع (إسرائيل) "مع وجود العديد من كبار مقاتليه، وخاصة فرق القذائف المضادة للدبابات ووحدات الصواريخ. على مدى شهرين، كانت وحدات حزب الله، بملابس مدنية، تجري مسحا شاملا، ولكن بسيطا، للحدود الإسرائيلية.

كما امتد نشاط حزب الله شمال "الليطاني"، حيث أخبرت بعض المصادر أنه بنى خطا دفاعيا واسعا ضم صواريخ متوسطة وطويلة المدى. وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال حزب الله يجري تدريبات عسكرية في مخيمات بسهل البقاع، شرق لبنان، تتراوح بين التدريبات الأساسية على الأسلحة، إلى تكتيكات الوحدات الصغيرة.

وهكذا، فشل القرار الأممي في كبح قوة حزب الله، ونجحت المنظمة في تنمية ترسانتها العسكرية وقوتها البشرية، حتى وصلت إلى أكثر من 25 ألف مقاتل مدرّب بالكامل، وأكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة. وفي عام 2017، ذكرت مجلة "الإيكونوميست" أن مسؤولين إسرائيليين قالوا إن حزب الله لديه 17 ضعف عدد الصواريخ التي كان يملكها قبل عقد من الزمان، كما أصبحت أسلحته أكثر تطورا، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات.

ومن المحتمل أنه في ضوء النجاح في لبنان، ستطبق إيران خطة مماثلة في سوريا. وسوف ترغب طهران أيضا في توسيع نطاق ما يمتلكه حزب الله على حدود لبنان مع (إسرائيل) والاستفادة من جنوب غرب سوريا في مواجهتها مع الدولة العبرية على المدى الطويل، حيث تحاول إيران تشكيل مصالحها الاستراتيجية في سوريا مع مرور الوقت، للحفاظ على جسر بري جديد يمكن استخدامه ضد تل أبيب.

ولدى إيران مصلحة راسخة في الجنوب الغربي، وستواصل توسيع نفوذها هناك، وقد تفعل ذلك إما سرا أو باستخدام الصبر الاستراتيجي إلى أن تتحسن الظروف. وأصبح جنوب سوريا، مثله مثل جنوب لبنان، بطاقة استراتيجية مفيدة في لعبة طهران الإقليمية.

  كلمات مفتاحية

نهر الليطاني جنوب سوريا حزب الله جنوب لبنان إيران (إسرائيل)