"جيوبوليتيكال فيوتشرز": الخط الأحمر لمصر يتمثل في البحر الأحمر

الثلاثاء 21 أغسطس 2018 04:08 ص

في ظل كافة التقارير، التي تتحدث عن استخدام المملكة العربية السعودية، أسلحة أمريكية في قتل المواطنين في اليمن، من السهل عدم الانتباه إلى مصر، الشريك الأكثر هدوءا إن لم يكن الصامت تماما، للسعودية في النزاع  في الحرب الأهلية اليمنية.

فمعارضة مصر عن القيام بأي مشاركة في اليمن تتجاوز الوضع الحالي، وتأتي من تجربة سابقة حيث فقدت حوالي 25 ألف جندي، عندما أرسلت قوات عسكرية إلى اليمن خلال الحرب الأهلية اليمنية في الستينيات.

وقادت تلك الحملة العسكرية البلاد إلى مواجهة كارثة اقتصادية في الداخل، ومن أجل ذلك حرصت القاهرة على الحد من مشاركتها في العمليات البحرية والدعم الجوي في النزاع الحالي، على الرغم من التوسلات السعودية بالمشاركة بقوات برية.

ومن المنطقي أن يكون هذا هو موقفها الحالي، فلدي مصر مصلحة راسخة في اليمن (وإلا لم تكن لترسل قواتها في الستينيات) لكن بخلاف السعودية، التي تشترك في الحدود مع اليمن، فإن المصالح المصرية ليست على الأرض، ولكن في الماء.

وتحتاج مصر إلى الحفاظ على حرية الملاحة في جميع أنحاء البحر الأحمر، والتي تمتد من قناة السويس المصرية في الشمال، إلى باب المندب في الجنوب، وهو مضيق ضيق تساعه 20 كيلومترا فقط.

ومع ذلك فقد تجبر الأحداث الأخيرة، القاهرة على نشر القوات التي رفضت إرسالها في السابق، ففي  يوليو/تموز، هاجم " الحوثيون" سفينتين سعوديتين، وقالوا إنها سفن حربية، فيما قالت المملكة إنها ناقلات نفط.

وأيا ما كانَت حقيقة السفينتين ناقلات نفط أم حربيتين، فقد ردت الرياض بتعليق صادرات النفط مؤقتا من البحر الأحمر، وفي 6 أغسطس/آب، صرح ضابط متقاعد من "الحرس الثوري" الإيراني لوكالة الأنباء الإيرانية "فارس"، المقربة من الحكومة و"الحرس الثوري"، أن إيران قد أصدرت تعليمات لـ"الحوثيين" بتنفيذ الهجوم، وبينما لم يتم تأكيد الاتهامات، ولكنها تظل في نطاق الاحتمالية.

وتدعم إيران "الحوثيين"، رغم أن الحكومة في طهران تنفي ذلك، وعادة ما يهاجم "الحوثيين" أهدافا سعودية، ومع اقتراب فرض العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني، قالت طهران إنها ستذهب إلى إجراءات أكثر تطرفا لحماية مصالحها، من بينها إغلاق مضيق هرمز.

وفى يوليو/تموز الماضي، أصدر رئيس "الحرس الثوري" الإيراني تهديدا ضمنيا يوحي بأن إيران قد تفعل ما فعله "الحوثيين" بالسفن السعودية.

 

 

https://geopoliticalfutures.com/wp-content/uploads/2018/02/8-20_Red-Sea.jpg

 

هذا التهديد تأخذه مصر على محمل الجد، فبعد أسبوع من تقرير وكالة "فارس"، أدان الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" توط إيران في الهجوم، حتى لو امتنع عن الإشارة بشكل صريح لذلك.

وقال: "نرفض بشكل قاطع أن يتحول اليمن إلى موطئ نفوذ لقوى غير عربية أو منصة لتهديد أمن واستقرار الدول العربية الشقيقة أو حرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب ".

وليس من قبيل المصادفة أنه أصدر البيان أثناء زيارة رسمية قام بها "عبدربه منصور هادي"، الرئيس اليمني المعترف به دوليا.

وغالبا ما تكون مثل هذه العبارات (الإدانات) غير ذات معني لأنها روتينية، ولكن في هذه الحالة، فقد أرسل "السيسي" رسالة واضحة برسم "خط أحمر" على "البحر الأحمر"، الذي يعتبر أمرا حيويا بالنسبة للاقتصاد المصري .

ففى الوقت الراهن، رسوم قناة السويس، تدر نحو 5 مليارات دولار كعائد سنوي،  تمثل 2% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

لكن القاهرة لديها خطط كبيرة لمستقبلها، ففي عام 2015  أكملت عمل توسعة قناة السويس، بقيمة 8 مليارات دولار، حيث فتحت ممرا ثانيا، يسمح بحركة مرور في الاتجاهين، وتمثل الخطوة الأولي نحو هدف القاهرة النهائي المتمثل في جعل مصر مركزا صناعيا وموزعا (محورا) للخدمات اللوجيستية.

وتأمل مصر أن تزيد عائدات القناة إلى أكثر من الضعف بحلول 2023، وأعربت وزيرة الاستثمار عن أملها أن تشكل القناة والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها –خصوصا المنطقة الاقتصادية التي تضم المجمعات الصناعية، والموانئ المطلة على البحر المتوسط والبحر الأحمر–  بحلول في نهاية المطاف ما يصل إلى 30% من الاقتصاد المصري.

وعلاوة على ذلك تعد القناة مصدر تدفق ثابت وكبير للعملة الأجنبية، وبالنسبة لبلد اضطر مؤخرا إلى تعويم عملته، تلبية لشروط الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، فإن المزيد من احتياطات العملات الأجنبية يعني المزيد من الحماية في حالة ضعف الجنية المصري، وبالنظر إلى أزمة العملات المستمرة في تركيا وإيران، فهذه ليست اعتبارات صغيرة، فمصر نفسها تجنبت أزمة العملات الأجنبية قبل 4 سنوات فقط من خلال أخذ قرض من صندوق النقد الدولي.

وبالتالي فإن الحفاظ على البحر الأحمر بعيدا عن الوجود الإيراني العدواني، وإبقاء قناة السويس مليئة بالمرور هو في مصلحة مصر، وقد أثار تعليق السعودية للصادرات النفطية، القاهرة والتي كانت قلقة من أن تعتبر شركات الشحن الخطوة السعودية مؤشرا أن البحر الأحمر لم يعد آمن للاستخدام.

وفيما يعد من السابق لأوانه القول إذا ما كان أي شخص، قد تجاوز خط مصر الأحمر أم لا ، لكن إذا أجبرت التصرفات الأمريكية إيران على اتخاذ موقف أكثر عدائية في البحر الأحمر، قد لا يكون أمام مصر خيار سوي أن تتدخل بمزيد من الشدة في اليمن.

فلا يمكن لمصر أن تسمح لإيران بإغلاق هذه الممرات المائية الحيوية، ولكن الأهم من ذلك، أن القوي التجارية العالمية أيضا لا يمكنها السماح لذلك، فمن مصلحتهم الحفاظ على التجارة الدولية، وفي أسوء الظروف أو الأحوال فإن العبء لن يقع على مصر وحدها.

  كلمات مفتاحية

مصر السعودية اليمن إيران باب المندب البحر الأحمر الملاحة العالمية