«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: شباب المغرب الغاضبون يهدوون استقرارها الهش

السبت 25 أغسطس 2018 12:08 م

في وقت سابق من هذا الصيف، كانت هناك قصة غير عادية من المغرب، ففي 1 مايو/أيار، قطعت الحكومة العلاقات السياسية مع إيران واستدعت سفيرها، ولا يعد هذا التصرف مستغربا مع العداء طويل الأمد بين البلدين، حيث قطعت حكومة الرباط العلاقات الدبلوماسية مع طهران عام 2009 (أعيدت عام 2014) كما اتهمت إيران بنشر المذهب الشيعي في البلاد.

لكن الجزء غير المعتاد هو أن الرباط قالت إن لديها أدلة على أن إيران كانت تستخدم حزب الله لدعم جبهة البوليساريو، وهي الجماعة الانفصالية التي تناضل من أجل استقلال الصحراء الغربية عن المغرب منذ السبعينيات، وقالت إن حزب الله كان يقدم التدريب العسكري والأسلحة لجبهة البوليساريو، مما يقوض مصالح المغرب ويشكل "هجوماً على وحدة أراضي البلاد"، على حد تعبير الرباط.

وبالنظر إلى التطورات في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، والشؤون الإيرانية الداخلية، وعلاقات إيران بالجماعات التي تحارب بالوكالة نيابة عنها، فإن ما كان في يوم من الأيام مشاحنة دبلوماسية مألوفة أصبح الآن مثيراً للاهتمام أكثر.

حليف مرشح

توسطت الأمم المتحدة في وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو عام 1991، وخفضت الأعمال العدائية لكنها فشلت في إقامة سلام دائم، ويدير المغرب معظم البلاد، بما في ذلك كل خط الساحل الأطلسي تقريبا، في حين ترى الأمم المتحدة أن استقلال الصحراء الغربية - أو الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وفق التسمية التي يفضلها بعض الصحراويين الذين يعارضون السيطرة المغربية – ترى أن استقلالها يجب الاعتراف به، لكن المغرب ترى الأمور بشكل مختلف.

ومن المفترض أن تجرى جولة جديدة من المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في وقت ما قبل عام 2019، وتدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا هذه المحادثات بشكل عام، ولكل منهم رؤيته الخاصة حول ما يريدونه من ثمار المفاوضات.

ويثير هذا الخلاف الدبلوماسي اهتمام الولايات المتحدة خاصة مع حساسيتها لأي تنام لنفوذ إيران في الخارج.

وفي أواخر يوليو/تموز، التقى مساعد وزير الدفاع الأمريكي "روبرت كارم" بوزير الدفاع المغربي لتعزيز التعاون العسكري والأمني ​​الثنائي. ووفقاً لصحيفة الصباح المحلية، المملوكة لشركة إعلامية يملكها العاهل المغربي، فإن الولايات المتحدة تعتبر المغرب عضوا في تحالف استراتيجي مع الدول السنية لاحتواء إيران الشيعية.

أظهر المغرب دعمه لجهود واشنطن المناهضة لإيران من خلال دعم العقوبات الأمريكية وتحذير المؤسسات المالية والشركات التجارية من عدم الانخراط في التجارة مع إيران، وقالت مصادر دبلوماسية لصحيفة "الصباح" إن هذه الكتلة المناهضة لإيران ستشمل أيضا دول الخليج والأردن ومصر، مما يجعلها تصل إلى ما وراء الشرق الأوسط وإلى شمال أفريقيا.

عدم الاستقرار

وتعد هذه استراتيجية منطقية بالنسبة للولايات المتحدة، لكنها إشكالية أيضا، لأن التطورات الأخيرة في المغرب وضعت استقرار ذلك البلد موضع شك، وسيجعل عدم استقرار المغرب شريكاً أضعف وأقل موثوقية للأمريكيين.

ووافق المجلس الوزاري المغربي مؤخرا على مشروع قانون يعيد الخدمة العسكرية الإلزامية (للرجال والنساء على حد سواء) ، والتي كانت قد انتهت عام 2006، وكان السبب المعلن لهذا التغيير هو استعادة "روح الوطنية بين الشباب".

ولكن السبب غير المعلن هو أنه يمنح شباب البلد شيئاً يفعلونه.

تبلغ نسبة البطالة بين الشباب في المغرب حوالي 18%، وفقاً للبنك الدولي، ورغم أن هذا الرقم لا يعد ارتفاعاً مروعًا بالمعايير العالمية - فالرقم في تونس يساوي ضعفه على سبيل المثال - لكن المغرب واحد من أكثر بلدان أفريقيا استقرارًا، وتضاعفت نسبة البطالة بين خريجي الجامعات في السنوات الخمس الماضية، وتصل الآن إلى 22% ، وفقا للحكومة.

علاوة على ذلك، قالت المفوضية السامية المغربية للتخطيط إن التعليم العالي لا يترجم إلى فرص عمل أفضل: فحوالي 52% من الأشخاص العاملين في البلاد يفتقرون إلى درجة علمية، مقارنة بنسبة 34% من الموظفين الذين لديهم درجة علمية، ومع انخفاض الثقة تأثير التعليم على فرص العمل بعد التخرج، بدأ الطلاب في التسرب من التعليم بمعدلات أعلى.

 ووفقاً لدراسة حديثة أجراها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، فإن معظم الشباب العاملين في المغرب يعملون في سوق العمل غير الرسمي ويكسبون أجوراً منخفضة، كما يقول المجلس إن النمو الاقتصادي المغربي - الذي يبلغ حوالي 3% سنوياً فقط - لا يفيد السكان الشباب، كما أن حوالي ثلاثة أرباع الشباب المغربي يفتقرون إلى التأمين الصحي.

ولا تعد البطالة أمرا جيدا من منظور اقتصادي، ولكن من منظور أمني وسياسي، فإن بطالة الشباب تثير القلق بشكل خاص.

بيئة مهيئة للتشدد

وبدأ الشباب الساخطون بالمغرب في قيادة الاحتجاجات والمسيرات في المناطق المهمشة اقتصادياً، مثل الريف وجرادة، واندلعت الاحتجاجات العام الماضي في الريف وتكرر ظهورها عدة مرات هذا العام.

ولاحظت الدراسة التي أجراها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب أن هناك نزعة قوية لدى الشباب المعاصر نحو مزيد من التدين.

في الماضي، كان المغرب معروفًا بمجتمعه العلماني والمؤيد للغرب، إلى درجة أنه تم حظر صناعة البرقع وبيعه في أوائل عام 2017، لكن المشاعر المعادية للغرب والحماس الديني كليهما في ازدياد، مما يثير مخاوف في الرباط وأماكن أخرى حول احتمال أن يتطور إلى شكل من أشكال التشدد.

ولا يعد هذا مجرد خوف مجرد.

فخلال احتجاجات الرباط في يوليو/ تموز التي شملت حوالي 30 ألف شخص، اختلط الشباب الآلاف من أعضاء حركة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة، التي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية صوفيّة في المغرب ذي الغالبية السنية.

وفي يوم الأربعاء، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، أصدر الملك عفواً عن بعض السجناء السياسيين المرتبطين بحركات الاحتجاج، ربما كانت هذه محاولة لتهدئة الاضطراب الاجتماعي واستعادة بعض الدعم الشعبي.

وبالإضافة إلى إعادة التجنيد العسكري، هناك إجماع داخل الحكومة المغربية على الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي، وخاصة تعزيز التعليم والتدريب المهني وتنمية الوظائف العامة.

وتم استبدال وزير الاقتصاد مؤخراً، بناء على طلب رئيس الوزراء، كما أعلن الملك عن إجراء مراجعة شاملة للآليات والبرامج العامة لتوظيف الشباب وتدريبهم، وكذا برامج معالجة التسرب وتوفير التدريب للطلاب السابقين.

ويراهن العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين على المغرب في الوقت الحالي.

فقدرتها على الوصول إلى البحر المتوسط ​​وسمعتها كجزيرة استقرار يعطيها قيمة استراتيجية، كما ترى الولايات المتحدة في المغرب حليفاً يمكن أن يساعد في احتواء إيران، ويعول الاتحاد الأوروبي على الشراكة مع المغرب لوقف تدفق الهجرة من شمال أفريقيا، أما روسيا، التي تربطها علاقات قوية بالجزائر المجاورة (الداعمة لاستقلال الصحراء)، فإن لديها أحلام متصاعدة بزيادة وجودها البحري في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لكن الصورة الكاملة تصبح أكثر تعقيدًا إذا لم يستطع المغرب استيعاب شبابه المضطرب ومعالجة مشكلة التشدد الكامنة.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

المغرب حراك الريف الصحراء الغربية إيران البطالة