جرائم العيد بمصر.. أزمة الاقتصاد تنذر بمزيد من العنف

السبت 25 أغسطس 2018 06:08 ص

أب يقتل طفليه ويلقيهما في مياه النهر، وأم تلقي ابنيها في ترعة، وعامل ينهي حياته منتحرا عبر إلقاء نفسه من شرفة الطابق الرابع، وزوجة تدفع حياتها ثمنا لـ "كوب شاي"، وزوج يدفع حياته ثمنا لإصرار "متحرش" على "معاكسة" زوجته.

5 جرائم مروعة لا تمثل حصيلة سنوات، بل شهدتها 4 محافظات مصرية فقط في أيام عيد الأضحى، وبلغت في بشاعتها ليس حد تجاوز الحس الإنساني فقط، بل تجاوزت الغريزة الحيوانية، حيث يقبل آباء وأمهات على قتل أبنائهم بدم بارد.

ففي قرية ميت سلسيل بمحافظة الدقهلية (شمال) أمرت النيابة العامة المصرية بحبس أب اعترف بقتل طفليه وإلقائهما في مياه النيل بدعوى الخوف على مستقبلهما، في قضية باتت تعرف إعلاميا بـ"عصافير الجنة".

أنفق "محمود نظمي السيد" كل أمواله، وبات مفلسا، وخوفا عليهما من الفاقة وحياة الفقر المدقع تخلص من ابنيه (ريان ومحمد) بإلقائهما في مياه النيل، وبذلك ضمن لهما "نعيم الجنة" على الأقل، كما قال في تحقيقات النيابة.

البحر اليوسفي

وفي قرية صفط الخمار بمحافظة المنيا (جنوب)، كررت أم الواقعة ذاتها، لكن في ترعة، إذ قامت سيدة تدعى "الشيماء" بإلقاء طفليها (محمد وهاني)، داخل ترعة البحر اليوسفي.

لم يكن "هاني" قد تجاوز 6 أشهر من عمره بعد، بينما بلغ محمد 5 سنوات، لكن تشاء إرادة الله أن يلقى الأخير حتفه غرقا، وتتمكن قوات الإنقاذ النهري من إنقاذ الرضيع.

وأفادت التحريات الأولية بأن "خلافات عائلية" تقف وراء محاولة الأم الانتقام من زوجها حيث يرفض أن تذهب لزيارة أسرتها.

الحياة ثمن الشاي

وفي محافظة القليوبية، دفعت زوجة مصرية حياتها بثالث أيام العيد ثمنا لكوب من الشاي لا يحتوي على كمية السكر المفضلة لدي زوجها الثلاثيني.

وجه الزوج السباب للزوجة، فنشبت بينهما مشاجرة، انتهت بتسديده طعنة لها في رقبتها بـ"سكين المطبخ"، ما أودى بحياتها في الحال.

انتحار وتحرش

أما غربي محافظة الأسكندرية فشهد جريمتين في رابع أيام العيد، إحداهما حالة انتحار لعامل ضاقت به سبل العيش، وعجز عن دفع إيجار شقته التي يسكنها وسط مطالبة المالك بقيمة الإيجار، ليلقي بنفسه من شرفة الطابق الرابع بمنطقة عبدالقادر (غرب الأسكندرية)، والأخرى جريمة قتل دفع فيها شخص حياته ثمن الدفاع عن زوجته بشاطئ أبو يوسف، بعدما ضايقها عاطل، لتنشب مشاجرة ويقتل على إثرها.

أثارت بشاعة الجرائم وتقاربها الزمني التساؤل حول كيفية وصول معدل الجريمة الاجتماعية ونوعيتها في مصر.. كيف وصل إلى هذا الحد؟ وما هي الأسباب التي تقف وراءه؟ وإلى أي مدى يؤشر إلى مستقبل أمني هش؟

جميعها أسئلة طرحها المراقبون وناشطو شبكات التواصل الاجتماعي تعليقا على سيل الأخبار التي نشرتها الصحف المحلية بمصر، ومثل "العامل الاقتصادي" قاسما مشتركا في الإجابة عليها.

وقود اقتصادي

فالأثر الاجتماعي للأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها مصر، منذ إعلان تعويم عملتها المحلية (الجنيه)، منذ بداية 2018 حتى أغسطس/آب الجاري، يعود بالأساس إلى عجز كثير من المواطنين عن تحمل تكاليف الحياة لأسرهم، في ظل سوق يعتمد بالأساس على سلع مستوردة كليا أو جزئيا.

وبعدما وصل الدولار إلى ما يقارب الثمانية عشر جنيها، أصبحت القيمة الشرائية لنسبة كبيرة من رواتب أبناء الطبقة المتوسطة تحت خط الفقر، إذ شهدت جميع السلع تقريبا زيادة أسعار جنونية، ما أدى إلى زيادة غير مسبوقة في نسبة الفقر ومزيد من التآكل للطبقة التي يعتبرها خبراء علم الاجتماع "رمانة ميزان" أي مجتمع.

ولم يحتج الدافع الاقتصادي الكثير من الوقت كي تتحول ترجمته الاجتماعية إلى واقع على الأرض، إذ أصبحت مصر، في عامين فقط، بالمرتبة الثالثة عربيا، والرابعة والعشرين عالميا في معدلات الجريمة، وفقا لتصنيف قاعدة البيانات العالمية (نامبيو).

القتل العائلي

وبحسب تقرير نشره ملتقى الحوار للحرية وحقوق الإنسان فإن 2.73 جريمة ترتكب في مصر يوميا بسبب الفقر، أبرزها جرائم السرقة بنسبة 59.67%، يليها القتل بنسبة 31.25%، ثم الشروع في القتل بنسبة 4.43%، والانتحار بنسبة 2.62%.

وبإسقاط الخلاصة السابقة على الجرائم التي شهدتها المحافظات المصرية خلال أيام عيد الأضحى يمكن استنتاج انتشار نمط جرائم "التحرش" و"الانتحار"، فضلا عن "القتل العائلي" الذي بات يمثل نحو ثلث إجمالي جرائم القتل المسجلة في مصر، بحسب دراسة نشرتها مؤخرا أستاذ علم الاجتماع الجنائي بجامعة عين شمس، الدكتورة "حنان سالم"، بعنوان "الدوافع الاجتماعية والاقتصادية لجرائم القتل في الأسرة المصرية".

وتشير الدراسة إلى أن العوامل الاقتصادية تلعب دورا مؤثرا في التحول الاجتماعي الخطير الذي تشهده مصر، ومنها الفقر وبطالة رب الأسرة وانخفاض مستوى الدخل وارتفاع الأسعار.

تعنيف المواطن

ففي الوقت الذي تزداد فيه جرائم التحرش لعجز الشباب عن تدبير تكاليف الزواج، تزداد نسبة تشغيل الأطفال وتسريبهم من التعليم للمساعدة في موارد الأسرة، ويلجأ المزيد من الشباب للإدمان كوسيلة للتغيب عن الواقع المؤلم، وكلها عوامل تصب باتجاه ارتكاب المزيد من الجرائم الأسرية والمجتمعية وانهيار الأمن داخل المجتمع.

ولما كان العنف الأسري استجابة للضغوط والإحباطات، يصبح من المنطقي تخيل أن الزوج، أو رب الأسرة العاجز عن مواجهة أعباء أسرته وسد احتياجاتها، أكثر عنفا تجاه أفراد أسرته للتنفيس عن غضبه، بحسب الدراسة.

وفي ظل هيمنة هكذا واقع، تراكمت عمليات "التعنيف" للفرد في المجتمع المصري، حسبما يرى الكاتب الصحفي "أسامة الصياد"، ما أنتج في النهاية "قنبلة موقوتة تهدد من حوله بالانفجار في أي وقت، تحت أثر ضغوط اقتصادية أو أخرى اجتماعية"، حسب تعبيره.

وإزاء ذلك، فإن توقعات الخبراء بشأن مستقبل اقتصادي يغلب عليه مزيد من المعاناة يعني توقع المزيد من جرائم العنف الاجتماعي في مصر، الأمر الذي ينذر بتحول الأزمة الاقتصادية إلى كارثة اجتماعية ذات مردود أمني تعجز أجهزة "الضبط" عن مجاراته.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الإسكندرية القليوبية الدقهلية عصافير الجنة المنيا البحر اليوسفي عيد الأضحى القتل العائلي