الصراع على البحر.. الموانئ الخمسة الكبرى في الإمارات والسعودية

الأحد 26 أغسطس 2018 03:08 ص

تمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أول وثاني أكبر الاقتصادات في الخليج العربي، على التوالي، بفضل احتياطياتهما النفطية الضخمة. لكن كلا البلدين يتطلعان إلى المستقبل، متوقعين انخفاض قيمة النفط على المدى البعيد.

وقد شرعا في خطط تنويع اقتصادي طموحة كجزء من جهود أكبر للتحديث الاجتماعي، ونظرا لموقع كل منهما على طول الطرق التجارية، يتفوق البلدان في مجال الموانئ، ولكن على الرغم من أن مجال الشحن من الموانئ والمرافق يظل رهانا آمنا من الناحية المالية، لا يزال يمكن لحكومتي السعودية والإمارات استغلال الموانئ لممارسة النفوذ الاجتماعي والسياسي في تناقض مع الممارسات التجارية السليمة.

مصدر جيد للربح

يقع البلدان في شبه الجزيرة العربية في موقع ملائم للتجارة بين أوروبا والصين، حيث كانتا بمثابة محطات أساسية على الطرق العالمية الرئيسية بين الشرق والغرب لقرون. وبذلك فإن التركيز على تنمية صناعات الشحن كوسيلة لتوليد الثروة من قطاعات أخرى غير النفط يعد خطوة طبيعية - وسليمة اقتصاديا - بالنسبة لهذه البلدان.

وفي الموانئ وحولها، تظهر العشرات من الأعمال المرتبطة بالشحن. وعلى عكس الصناعات الأخرى غير النفطية، مثل السياحة والبناء، فإن صناعة النقل البحري تعد عملا مستقرا على مدار العام، يتطلب مديرين وموظفين من ذوي الياقات البيضاء، وليس فقط العمال الذين يعتمدون على العمل البدني.

وتعد أكبر 5 موانئ في السعودية والإمارات محاور نقل للركاب والبضائع، وتوفر تلك المحاور المزيد من الفرص الاقتصادية، ليس فقط في تفريغ المنتجات أو تصديرها، لكنها تسمح أيضا بتنمية الشركات التي تقدم خدمات التأمين، وشركات الاستيراد والتصدير، وجمع الرسوم، وأكثر من ذلك.

الموانئ الـ ٥ الأكبر

في الإمارات، يعد "جبل علي" في دبي، وميناء "خليفة" في أبوظبي، أكبر المرافيء الإماراتية. ويعد مركز الشحن في "جبل علي" ميناء من الوزن الثقيل إقليميا، حيث تبلغ طاقته 22.1 مليون حاوية. ويرتبط "جبل علي" بأكبر مركزين للنقل الجوي في المنطقة، مطار دبي الدولي، ومطار آل مكتوم الدولي. وهو ميناء حديث يحتوي على تكنولوجيات جديدة مثل الرافعات الآلية وتقنيات "البلوك تشين"، وتقوم الشركات الخاصة، بدعم من التمويل الحكومي، بتطوير خطة لشبكة تنقلات تربط "جبل علي" بميناء "خليفة".

وبدأ ميناء خليفة العمل عام 2012، وتبلغ سعته فقط 2.5 مليون حاوية. ويوفر السلع إلى أبوظبي في المقام الأول، ولكنه مصمم لاستقبال أكبر السفن في العالم، ولدى الحكومة خطط طموحة لتصبح مركزا للنقل العابر للحدود بطاقة تصل إلى 35 مليون حاوية بحلول عام 2030.

وفي السعودية، تركز المملكة أيضا على توسيع أكبر موانئها. ويعد ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام في الخليج العربي المركز الرئيسي للصادرات السعودية من المنتجات الصناعية والنفط والغاز. وطالما بقي النفط ذا قيمة، لا تعتزم الحكومة تغييره إلى مركز للشحن. ومع ذلك، من أجل تلبية احتياجات الشحن السعودية بشكل أفضل في المنطقة الشرقية ووسط المملكة، قامت سلطات الميناء بتوسيع قدرة الميناء إلى 1.5 مليون حاوية.

وعلى البحر الأحمر، يوجد ميناء جدة، الذي يتعامل مع 4.15 مليون حاوية، وهو المحور اللوجستي الرئيسي في المملكة. ويوفر الواردات والصادرات من المحافظات الغربية المأهولة في المملكة من الحجاز وجازان، وكذلك العاصمة الرياض. ولكنه متصل أيضا بمرفق الشحن الذي تبلغ مساحته 35 ألف متر مربع في مطار الملك عبد العزيز القريب، وبدعم من الحكومة السعودية، تعتزم سلطة الميناء أن تجعل ميناء جدة مركزا قيما للنقل العابر. ورغم ذلك لا يملك الميناء سككا حديدية في الوقت الراهن. ولا توجد خطط لإحياء سكة حديد الحجاز المهجورة منذ فترة طويلة، ولا يزال مشروع السكك الحديدية التي تمتد من الرياض إلى البحر الأحمر في مرحلة المناقشة.

وأخيرا، هناك ميناء الملك عبدالله، الميناء الأحدث والأكبر طموحا في البلاد. وهو ملحق بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية، التي لا تزال تحت الإنشاء وتخلفت كثيرا عن الجدول الزمني. والميناء عبارة عن مركز نقل حديث يحتوي على سعة تقدر بنحو 1.7 ملايين حاوية، وتخطط الحكومة لزيادة هذه القدرة إلى 5 ملايين في الأعوام القليلة المقبلة.

الموانئ والمخاطر التجارية

وتمتلك جميع هذه الموانئ الخمسة ـوهي الأكبر في المنطقةـ إمكانية النمو الهائل، خاصة إذا كانت مدعومة بمزيج من الاستثمارات الحكومية والخاصة من مصادر محلية وأجنبية. وتنوي الحكومتان، السعودية والإماراتية، أن تعمل موانئهما على تعزيز نمو الوظائف للمواطنين، وهي نقطة مهمة خاصة بالنسبة للسعودية التي لديها معدل بطالة يبلغ 12.9%. كما تعتمدان على توسيع الموانئ لجلب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر، وبالتالي توليد المزيد من رأس المال للبلاد. وفي حين أن هذه الاستراتيجية منطقية، إلا أن تحقيق هذه الأهداف أسهل من التخطيط لها.

وتحاول السعودية والإمارات الابتعاد ببطء عن نظامهما الحالي، الذي يولد معظم الثروة من المواد الهيدروكربونية، بينما تشرف الحكومة على توزيع تلك الثروة لمواطنيها مقابل الخضوع الاجتماعي والسياسي. وتريد الدولتان التحرك نحو نظام جديد من خلال اقتصادات متنوعة قادرة على توفير الثروة للمواطنين بشكل مستقل عن الدولة، الأمر الذي يسمح للحكومات بأن تصبح وصية على القيم الاجتماعية والسياسية فقط وليس الاستقرار الاقتصادي. لكنهم حافظوا على الهيكل السابق لفترة طويلة، بحيث سيكون من الصعب على الحكومات التخلي عن السيطرة، حتى وهم يسعون جاهدين لتنفيذ خطط تتطلب منهم القيام بذلك.

وعلى الرغم من أن الموانئ السعودية والإماراتية الرئيسية تدار بشكل مستقل ظاهريا، إلا أنها تعتمد على مجموعة من الاستثمارات الخاصة والحكومية من أجل العمل والنمو، مما يعني أنها كلها في مستوى معين من خطر التعرض للتضخم الوظيفي الحكومي أو المراسيم الحكومية المفاجئة.

وعلى سبيل المثال، على الرغم من أن الموانئ، وخاصة مراكز الشحن العابر، تولد فرص عمل كبيرة، فغالبا ما تذهب الوظائف الفنية إلى عمال أجانب، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى عدم التوافق بين مستويات تعليم العمال المحليين والمهارات المطلوبة للعمل في النقل البحري والصناعات ذات الصلة. لذا فإن المال الذي يولد من الموانئ الناجحة ماليا من المرجح أن ينتهي به المطاف في جيوب العمال الأجانب والمستثمرين الأجانب والنخب المحلية، بدلا من المواطنين السعوديين والإماراتيين العاديين. وقد يدفع ذلك الواقع الرياض وأبوظبي إلى فرض قيود على توظيف العمال الأجانب لن يكون بمقدور الشركات العاملة في الموانئ تحديها حتى وإن كانت النتيجة خسارة في الإنتاجية والعائدات.

بالإضافة إلى ذلك، يعتمد النجاح المالي لهذه الموانئ على استمرار تركيز الحكومة على توسيع الميناء، وتحاول الحكومتان السعودية والإماراتية بجد جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لذا فقد طورتا العديد من مشاريع التحديث البارزة، مثل خطة الإمارات لميناء "جبل علي"، وميناء "خليفة"، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية في السعودية. والآن، يتدفق المال وهناك إرادة، لكن هذه المشاريع الضخمة تستغرق أعواما حتى تكتمل. وإذا كانت الأولويات الاقتصادية للحكومة تسير في اتجاه مختلف، فإن المستثمرين في هذه المشاريع غير المكتملة قد يتم تركهم معلقين، كما يتضح من القرار المتبادل الأخير لدول الخليج بتجميد مشروع للسكك الحديدية يهدف إلى ربطها جميعا ببعضها البعض.

ويعد ميناء الملك عبدالله في خطر كبير للغاية، حيث إن الكثير من البنية التحتية المحيطة اللازمة لنجاحه لم يتم بناؤها حتى الآن، أي أنه ميناء بلا مدينة. وإذا تحولت المملكة إلى تطوير مشاريع أخرى، مثل مدينة "نيوم" الاقتصادية، فقد لا يصل ميناء الملك عبدالله أبدا إلى الأهداف التي تم تصميمه للوفاء بها. وبالمثل، فعلى الرغم من أن جدة لديها البنية التحتية للعمل كنقطة استيراد وتصدير، فإن تطويرها إلى مركز وطني وإقليمي يعتمد على بناء خط السكك الحديدية "لاندبريدج".

وفي الإمارات، قد يتوقف النمو الاقتصادي لـ"جبل علي" وميناء "خليفة" بسبب مراسيم التوظيف من الحكومة وعواقب السعة الزائدة. ويعد هدف "جبل علي"، البالغ 55 مليون حاوية بحلول عام 2030، طموحا بالفعل، وإذا كان لدى ميناء خليفة سعة 35 مليون حاوية بحلول العام نفسه، فقد تبدأ الإمارات في إلغاء الخطط (وقتل الوظائف) من أجل البدء في استيعاب كل هذه القدرات. ولقد انخفضت نسبة الإشغال من قدرات البلاد بالفعل، من 84% في عام 2015 إلى 68% في عام 2017.

ومن المحتمل أن يكون الميناء الأكثر أمانا للاستثمار قصير المدى هو ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام بالسعودية، لأنه يمتلك غرضا أساسيا كمركز لصادرات النفط، الأمر الذي من غير المرجح أن يتغير لعدة عقود. لكن الخطر الذي يواجه ميناء الملك عبدالله هو أن خططه التوسعية قد لا تؤتي ثمارها، لكن الميناء سيظل ناجحا ومستقرا ماليا على المدى القصير.

وفي نهاية المطاف، لدى جميع هذه الموانئ القدرة على أن تكون مربحة بشكل لا يصدق بالنسبة لأصحاب المصلحة فيها، وهم العمال والمستثمرين الأجانب ونخبة من السعوديين والإماراتيين. ولكن حتى هذه اللحظة، فهي غير قادرة على تحقيق ربح كبير لضمان أن يتجنب المشروع الخاص التوجيهات الحكومية الأقل مواتاة للأعمال، والتي تكون مدفوعة بالمبادرات الاجتماعية الوطنية.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

موانئ البحر الأحمر ميناء جبل علي ميناء خليفة ميناء الملك عبد العزيز موانئ السعودية موانئ الإمارات