لماذا يجب ألا تضغط واشنطن على عمان لقطع علاقاتها بإيران؟

الاثنين 27 أغسطس 2018 10:08 ص

تجعل جغرافيا عمان، وهويتها الإسلامية، وتحالفاتها، من مواجهة خطر "الأصولية العنيفة" أولوية قصوى بالنسبة لمسقط.

وبالنظر إلى قرب السلطنة من مجموعة من البلدان التي مزقتها الحروب في شبه الجزيرة العربية وغرب آسيا وأفريقيا، فإن ذلك يعرضها لتهديدات إرهابية خطيرة عابرة للحدود.

وبفضل سياسة خارجية مستقلة، تمكنت عُمان من الدخول في شراكة مع دول الخليج العربية الأخرى الشقيقة حول قضايا الدفاع، بالإضافة إلى علاقاتها الجيدة مع إيران وباكستان والهند والقوى الغربية والصين.

ومن بين جميع تحالفات السلطنة، فإن علاقة عُمان بالولايات المتحدة مهمة بشكل خاص.

ومنذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، شاركت مسقط الولايات المتحدة في "الحرب على الإرهاب"، ودعمت عمان بشكل كامل الحملة العسكرية الأمريكية ضد "طالبان" و"القاعدة"، وسمحت للولايات المتحدة باستخدام منشآت في السلطنة لعملياتها في أفغانستان.

وعلى نحو مماثل، وعلى الرغم من معارضة عُمان علنا لقرار إدارة "جورج دبليو بوش" بالإطاحة بنظام "صدام حسين" عام 2003، فإن السلطنة "قدمت بهدوء بعض الدعم العسكري اللوجستي" إلى الولايات المتحدة خلال تلك الحرب.

وبعد أن صعد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى السلطة في بلاد الشام في العام 2013/ 2014، انضمت عمان إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمته، وإن كان ذلك من دون المشاركة المباشرة في أي عمليات عسكرية في العراق أو سوريا.

دبلوماسية عمان

وبعيدا عن المجال العسكري، ربما تكون أكبر مساهمة من قبل عُمان في النضال الدولي ضد "التطرف" في معركة الأفكار والخطاب الإسلامي.

وأشار السلطان "قابوس بن سعيد آل سعيد" حاكم سلطنة عمان، بحسب بعض المصادر، إلى أن غالبية مواطني السلطنة يتبعون فرع الإسلام المعروف باسم "الإباضية"، والتي تتسم، بحسب قوله، بالتسامح والاعتدال، وهما من السمات الرئيسية التي تؤثر على علاقات عمان الخارجية.

وكانت عمان أول حكومة عربية في الخليج تقوم بحل النزاعات الحدودية مع جميع جيرانها، ولم تقطع مسقط علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة في العالم منذ تسلم السلطان "قابوس" السلطة عام 1970، موضحا إلى حد كبير مدى تقدير السلطنة للدبلوماسية المبنية على الحوار في المسرح الدولي.

وقبل عقود، كان السلطان "قابوس" متقدما عن الكثيرين في التحذير من تهديد الأصولية العنيفة، وفي خطابه بمناسبة العيد الوطني لعام 1994، قال العاهل العماني: "إن الخطأ في الفهم الديني يؤدي إلى تخلف المسلمين، وانتشار العنف والتعصب، وهذا، في واقع الأمر، بعيد كل البعد عن الإسلام الذي يرفض الغلو والتطرف، لأنه دين الحرية".

وتدرك رؤية السلطنة للسلام والاعتدال في العالم الإسلامي الأوسع الحاجة إلى معالجة مصادر الظلم والإهانة التي توجه المسلمين المهمشين إلى التطرف.

ويعد حل الصراع العربي الإسرائيلي، وغيره من أسباب عدم الاستقرار، أمرا ضروريا لتحقيق مثل هذه الأهداف في نظر السلطان "قابوس" وغيره من العمانيين.

وطوال الأزمة السورية، اختلف المسؤولون العمانيون مع نظرائهم السعوديين والقطريين، ويرون دعم الرياض والدوحة للإسلاميين السنة، الذين يقاتلون النظام في دمشق، قد أدى إلى تفاقم العنف الطائفي في العالم العربي.

وبحكمة، تجنبت عمان الانضمام إلى الحملة التي تقودها السعودية في اليمن عام 2015، على أساس مبادئها وأيضا على أساس تقييم واقعي مفاده أن التدخل العسكري ضد التمرد الحوثي سيفيد المتطرفين، بينما سيفشل على الأرجح في استعادة أي مظهر من مظاهر الأمن أو السلام في اليمن.

وبوصفها الدولة العربية الخليجية الوحيدة التي تجنبت أي تدخل عسكري مباشر في أزمة اليمن المستمرة، استخدمت عمان علاقاتها الودية مع الفصائل المتحاربة في اليمن كأساس لاستضافة محادثات السلام في مسقط بعد فترة قصيرة من بدء التدخل بقيادة السعودية.

 شراكة مع إيران

وفي حين تضغط إدارة "ترامب" على حلفاء واشنطن العرب لدعم سياسات البيت الأبيض العدوانية تجاه إيران، فإن عُمان لا تنضم إلى تلك الجوقة.

وعلى الرغم من أن مسقط تتجنب بشكل عام الإعراب عن الخلافات مع واشنطن، لكن قرار إدارة "ترامب" بسحب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة يزعزع السلطنة بلا شك.

ويفسر الدور الرئيسي للسلطنة في مساعدة الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى على التفاوض حول الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع طهران، من بين عوامل أخرى تتعلق بالمصالح الاقتصادية والأمنية الحيوية لسلطنة عمان، إلى حد كبير مخاوف مسقط من عكس "ترامب" لجهود سلفه لحل الأزمة بشأن برنامج إيران النووي.

وصرح مسؤول أمريكي أنه خلال رئاسة "ترامب" "تضطر دول الخليج بشكل متزايد إلى الانحياز في النزاع السعودي الإيراني، وعُمان ليست استثناء".

ومع ذلك، فإن الضغط على عمان للانتقال إلى الحظيرة السعودية وجعل طهران أكثر عزلة قد يؤذي مصالح الولايات المتحدة.

وقد يكون الحفاظ على قناة خلفية عمانية مع إيران، والتي أثبتت أنها لا تقدر بثمن على مر السنين، من حيث تأمين إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين المحتجزين كرهائن سياسيين في السجون الإيرانية، والتوسط في خطة العمل الشاملة المشتركة، مفتاحا لواشنطن وطهران في نهاية المطاف لحل مشاكلهما معا.

وعلى الرغم من صعوبة تصور توصل إدارة "ترامب" إلى أي اتفاق مع إيران، فإن الولايات المتحدة ستضطر في النهاية إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الإيرانية.

وعندما يصل ذلك اليوم، سيتم اللجوء إلى عُمان للمساعدة في تسهيل العودة إلى هذا الحوار الذي تمس الحاجة إليه، وضمن هذا السياق، سيكون من المؤسف لو غفل البيت الأبيض أهمية عمان كحليف مقرب للولايات المتحدة بسبب العلاقة الدافئة بين مسقط وطهران.

ورغم تصوراتهما المختلفة عن طهران، يجب ألا يؤدي ذلك إلى أي توترات في العلاقات الثنائية بين مسقط وواشنطن.

وعلى الأقل حتى الآن، لم تقوض الشراكة العمانية مع إيران تحالف السلطنة القوي مع واشنطن.

وقد تجلى ذلك مؤخرا عندما زار الوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية، "يوسف بن علوي"، واشنطن في أواخر يوليو/تموز 2018، للاجتماع بوزير الخارجية "مايك بومبيو"، ووزير الدفاع "جيمس ماتيس"، وعشرات من المشرعين، وغيرهم من المسؤولين الأمريكيين.

وجاء في قراءة وزارة الخارجية للزيارة أن "علوي" ومسؤولي الولايات المتحدة تناولوا ملف اليمن، مشددين على "أهمية استمرار الدعم لجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث، وضرورة أن تحافظ جميع الأطراف على ضبط النفس لتجنب المزيد من التصعيد والأعمال العدائية".

ويتطلب الحفاظ على تحالف وثيق من إدارة "ترامب" أن تتقبل مصالح عُمان الوطنية، خاصة الطاقة والأمن في مضيق هرمز، وكذلك علاقاتها التاريخية مع إيران، وكون مخاوفها المشروعة بشأن أهداف السعودية للهيمنة على شبه الجزيرة العربية تعد حافزا للحفاظ على شراكة صحية مع طهران.

وإذا ضغطت إدارة "ترامب" على السلطنة للانضمام إلى تحالف في مواجهة صفرية ضد إيران، بينما تتجاهل المآزق المعقدة التي تواجهها عُمان، فسوف تشعر مسقط أن الولايات المتحدة قد تخلت عنها، في وقت يحتاج فيه البيت الأبيض إلى السلطنة للمساعدة في تعزيز السلام، والوساطة في حلول الأزمات الإقليمية، بما في ذلك اليمن وغزة وسوريا، وكذلك حصار قطر.

وفي نهاية المطاف، فإن قدرة عُمان على الاعتدال في ملف إيران، عبر علاقة ودية مع جارتها الفارسية، بدلا من أسلوب المواجهة الذي تنتهجه الدول الأخرى تجاه طهران، قد تكون أكثر فائدة في الجهود الرامية إلى تخفيف لهجة إيران وتغيير سلوكها الإقليمي.

وسيكون من الأفضل للبيت الأبيض استيعاب علاقة مسقط مع طهران، بدلا من رؤية عُمان كحلقة ضعيفة في سلسة دول الخليج العربي التي تريد منها إدارة "ترامب" التوحد ضد الجمهورية الإسلامية.

المصدر | جورجيو كافييرو - لوب لوج

  كلمات مفتاحية

العلاقات الأمريكية العمانية السلطان قابوس إدارة ترامب الوساطة العمانية إيران