"السيسي" يلجأ لـ"الكلابشات".. والمعارضة تتحدى بـ"المبادرات" 

الثلاثاء 28 أغسطس 2018 09:08 ص

يبدو أن المعارضة المصرية قررت أن تعارض فعليا على أرض الواقع، بعد سنوات تعرضت خلالها للخداع من نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، ظنا منها أن المعركة كانت ضد جماعة "الإخوان" فقط التي أطيح بها من الحكم عبر انقلاب عسكري منتصف العام 2013. 

خلال أشهر قليلة، زج النظام الحاكم في مصر بالعشرات من رموز وقيادات التيارات الليبرالية واليسارية، والرموز الصحفية والحقوقية، غير المحسوبة على جماعة "الإخوان"، وكثير منها، كان من أبرز مؤيدي حراك 30 يونيو/حزيران 2013، الذي مهد الأرض للإطاحة بنظام الرئيس "محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.

حملة "الكلابشات" التي نفذتها أجهزة الأمن، قبل أيام، ربما تجاوزت من وجة نظر بعض المعارضين خطوطا حمراء، إذ طالت صاحب مبادرة الاستفتاء على شعبية الرئيس "السيسي"، مساعد وزير الخارجية السابق "معصوم مرزوق"، والاقتصادي البارز، "رائد سلامة"، وعضو "حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات"، الأكاديمي "يحيى القزاز"، والناشط السياسي "سامح سعودي"، والصحفية "نرمين حسين".

الحملة لم تكن جديدة من نوعها، سبقتها قبل أسابيع اعتقالات طالت الكاتب الصحفي "عادل صبري" رئيس تحرير "مصر العربية"، والمدون والناشط "وائل عباس"، والقيادي السابق بحزب الدستور "شادي الغزالي حرب"، والناشط بحركة الاشتراكيين الثوريين "هيثم محمدين"، والناشطة بحركة 6 أبريل وعضو المفوضية المصرية للحقوق والحريات "أمل فتحي"، والناشط "حازم عبدالعظيم"، المسؤول السابق بحملة "السيسي" الانتخابية عام 2014. 

قائمة الاعتقالات، لم تطل فقط رموزا معادية لـ"الإخوان"، بل طالت قيادات عسكرية (رئيس الأركان الأسبق سامي عنان نموذجا)، ومسؤولين بارزين (الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينية نموذجا)، ورؤساء أحزاب (رئيس حزب مصر القوية عبدالمنعم أبوالفتوح نموذجا).

مبادرة "مرزوق"

ويرى البعض أن "مرزوق" المعتقل حاليا، حرك الماء الراكد على المسرح المصري، بمبادرة لإجراء استفتاء على النظام الحالي، وتشكيل مجلس مدني لـ3 سنوات تمهيدا لانتخابات رئاسية وبرلمانية.

لكن الأخطر والأبرز الذي اعتبر تجاوزا للخطوط الحمراء من قبل النظام، دعوة "مرزوق" في مبادرته، لعقد مؤتمر شعبي في ميدان التحرير، بوسط القاهرة، 31 أغسطس/آب الجاري؛ لدراسة الخطوات التالية حال رفض السلطة الحاكمة إجراء الاستفتاء على رئيس البلاد، في حضور المؤيدين للمبادرة، وتنسيق المؤتمر من خلال لجنة مشكلة من أحزاب المعارضة.

بدا للنظام أن هناك تحركا جديا من قلب المعارضة المحصنة بشخصية دبلوماسية كان من أبطال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، مع الأخذ في الاعتبار أن ميدان التحرير (أيقونة ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011)، بات ممنوعا على القوى السياسية منذ نحو 5 سنوات، خشية توظيفه لإحداث حراك مماثل يسحب البساط من تحت أقدام "السيسي". 

أفق مسدود

لكن تسارع وتيرة الاعتقالات في صفوف المعارضة، التي كانت في وقت ما أحد أبرز مؤيدي نظام "السيسي"، وإهانة رموزها، والاعتداء عليها (تخريب إفطار الحركة المدنية الديمقراطية بالنادي السويسري نموذجا)، بالإضافة إلى التضييق الإعلامي والملاحقة القضائية، يعني فقدان "السيسي" حلفاء الأمس.

القيادي العمالي "كمال خليل" خاطب "السيسي"، في تدوينة نشرها على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك" قائلا: "تستطيع أن تعتقل من تشاء، لكن مع كل معتقل جديد يقترب يوم النهاية لنظامك.. ولا بد من يوم معلوم تُرَدُّ فيه المظالم.. أبيض على كل مظلوم.. وأسود على كل ظالم.. الحرية لكل سجناء الرأي.. الحرية لشعب مصر".

واكتفى المرشح الرئاسي السابق، ومؤسس "التيار الشعبي" (تجمع سياسي ناصري)، "حمدين صباحي"، بنشر 3 تدوينات كتب فيها على خلفية سوداء: "الحرية ليحيى القزاز"، و"الحرية لرائد سلامة"، و"الحرية لمعصوم مرزوق".

يزيد المشهد السياسي في مصر تأزما، طبيعة التهم الموجهة للمعارضين أيا كانت انتماءاتهم، بشكل يضع الجميع في سلة واحدة، وتهمة واحدة هي "السعي لقلب نظام الحكم، والانضمام لجماعة إرهابية".

في فبراير/شباط الماضي، حذر "السيسي"  من أن ما حدث في مصر قبل 7 سنوات، في إشارة إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، لن يتكرر مرة أخرى.

ومرئيات المشهد القائم، تؤكد أن النظام المصري يخشى أي حراك، سواء على أرضية مواقع التواصل (قانون تنظيم الصحافة والإعلام نموذجا)، أو على ميدان التحرير (مبادرة معصوم مرزوق نموذجا)، أو على ملاعب الكرة (منع الجماهير من حضور المباريات)، بل صار يضيق ذرعا بأي انتقاد حتى ولو من مؤيديه (منع إعلاميين موالين له من الظهور).

يمكن القول أن المعارضة المصرية تجرعت رشفة من كأس الجرأة، وباتت تقدم على إطلاق مبادرات أو تصريحات تسبب قلقا للنظام، وتدفعه إلى الرد الجنوني بحملات اعتقال من المؤكد أنها ستثير غضب الحلفاء في الغرب، فضلا عن كونها تحشد نحو اصطفاف الداخل، وسط دعوات لتجاوز الخلافات، واستعادة روح التحرير.

لاحقا، ربما يتبلور حراك أكثر فاعلية، مع تزايد السخط الشعبي من سياسات النظام الحاكم، وغلق الأفق السياسي في البلاد، بشكل قد يدفع إلى تخليق تيارات ثورية تحت الأرض، تترقب لحظة انفجار الأوضاع، على غرار المثل المصري القائل "إذا وقعت البقرة كثرت سكاكينها".

  كلمات مفتاحية

عبدالفتاح السيسي معصوم مرزوق عبد المنعم أبوالفتوح التحرير الإخوان اعتقالات