"بحر الشمال" يهدد "قناة السويس" المصرية.. كيف ومتى؟

الثلاثاء 28 أغسطس 2018 03:08 ص

5 سنوات كانت كفيلة بتغيير وجهة نظر شركة "ميرسك لاين" الدنماركية -أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم- ودفعها إلى استخدام طريق البحر القطبي الشمالي "أركتيك"، في خطوة تهدد مستقبلا الدور الذي تلعبه قناة السويس المصرية كممر ملاحي عالمي يربط بين آسيا وأوروبا.

في 2013، قال الرئيس التنفيذي السابق للشركة العالمية، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن القطب الشمالي لن يصبح خيارا تجاريا لطرق الشحن قبل مرور عقدين على الأقل.

لكن يبدو أن شيئا ما تغير بعد تسارع وتيرة ذوبان الثلج هناك؛ ما دفع "ميرسك لاين"، مؤخرا، لتسيير أول سفينة حاويات عبر طريق البحر القطبي الشمالي المار بروسيا؛ ليصبح بديلا حقيقيا لقناة السويس في مصر.

وخلال السنوات المقبلة، من المتوقع ذوبان مساحات شاسعة من جليد البحر القطبي الشمالي، في ظل الارتفاع المتواصل في درجة حرارة الكوكب؛ ما يجعل الطريق أكثر جذبا لحركة الملاحة العالمية.

هذا الخط البحري سيغير مباشرة من طرق النقل البحري في العالم، وسيكون له أثر بالغ على التجارة الدولية والاقتصاد العالمي وتدفق رأس المال واستغلال الموارد، حسب ما تخطط له روسيا والصين على الأقل في الوقت الراهن، وفق "رويترز".

رحلة استكشافية

السفينة "فينتا ميرسك"، التي انطلقت الجمعة الماضي، وبلغت حمولتها 3600 حاوية من الأسماك المجمدة وغيرها من البضائع المبردة والعامة، حققت نبوءة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، خلال مؤتمر خاص بالقطب الشمالي في 2011، وقال إن "هذا الطريق أقصر بنسبة الثلث من الطريق الجنوبي المعتاد" (يقصد قناة السويس).

وحينها، أكد "بوتين" -الذي كان رئيسا للحكومة الروسية- أهمية طريق البحر القطبي الشمالي "كشريان نقل دولي سينافس طرق التجارة التقليدية في رسوم الخدمة واﻷمان والجودة".

وخلال الرحلة، المقرر أن تصل إلى ميناء سان بطرسبرغ الروسي في سبتمبر/أيلول المقبل، ستقوم "فينتا ميرسك" بجمع البيانات عن طريق البحر القطبي الشمالي؛ لمعرفة ما إذا كان ذوبان جليده جعل هذا الممر قابلا للتطبيق اقتصاديا من عدمه.

وتختصر ممرات البحر القطبي الشمالي مسافة كبيرة فيما يتعلق بحركة نقل البضائع.

على سبيل المثال، تبلغ المسافة بين مينائي يوكوهاما الياباني وروتردام الهولندي، وهو أحد المسارات التجارية بين أوروبا وآسيا، أكثر من 20 ألف كم عند استخدام طريق قناة السويس، لكن هذه المسافة تنخفض إلى 12 ألف كم فقط عند استخدام البحر القطبي الشمالي.

وتعليقا على ذلك، قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" إنه يمكن لطريق البحر القطبي الشمالي أن يجعل مدة الرحلة بين آسيا وأوروبا تتراوح بين أسبوع وأسبوعين حسب الوجهة، لكنه أكثر تكلفة، ولا يزال يحتاج إلى كاسحات ثلجية لمرافقة السفن، ولا يمكن أن يأخذ سوى سفن أصغر من السفن التي تعبر قناة السويس.

إلا أن متحدثًا باسم شركة "ميرسك لاين" قال لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية: "مع تقلص الجليد البحري، قد يتغير ذلك، نحن نتبع تطور طريق البحر القطبي الشمالي اليوم، لا يمكن للمرور أن يكون مجديا إلا لمدة 3 أشهر تقريبا في السنة، لكن قد يتغير الأمر بمرور الوقت".

في حين قالت الشركة لـ"فاينانشيال تايمز": "في الوقت الراهن لا نعتبر طريق البحر القطبي الشمالي مسارا بديلا لشبكتنا الحالية، وهو ما يحدده طلب عملائنا وأنماط التجارة والمراكز السكانية"، مضيفة: "إلا أن هذا الأمر قد يتغير لاحقا".

تحمس روسي صيني

وتعد روسيا والصين، أكثر الدول تحمسا لهذا الخط البحري؛ حيث شرعتا -خلال السنوات الأخيرة- في البحث عن بدائل للطريق البحري الجنوبي الذي يمر بقناة السويس؛ تحسبا لتصاعد التوتر في بحر جنوب الصين المتنازع عليه بين بكين من جهة وواشنطن من جهة أخرى.

ونجحت شركة "نوفاتيك"، أكبر شركة غاز خاصة في روسيا، الشهر الماضي، في تصدير أول دفعة من الغاز الطبيعي السائل إلى الصين على متن ناقلة غاز طبيعي أخدت طريق البحر القطبي الشمالي، وهي رحلة وصفها مالك الناقلة، "ليونيد ميخلسون"، بأنها "بداية حقبة جديدة لطرق التجارة".

كما تندرج تنمية طريق البحر القطبي الشمالي ضمن خطة استراتيجية لروسيا؛ حيث ضاعفت الأخيرة بشكل متزايد الإنفاق لإعادة فتح القواعد العائمة أو تجديد الأخرى.

كما زادت شركة الشحن الصينية "كوسكو" من استعمالها للطريق في السنوات الأخيرة باستخدام سفن متعددة الأغراض لنقل أجزاء من توربينات الرياح والمكونات الثقيلة الأخرى في خطوة ربما أثارت اهتمام "ميرسك لاين".

وفي أبريل/نيسان 2016، قالت صحيفة "تشاينا ديلي" الصينية إن حكومة بكين تشجع السفن التي ترفع علمها على أن تسلك ممرا بحريا في شمال غرب البلاد عبر المحيط القطبي الشمالي.

وآنذاك، أصدرت إدارة السلامة البحرية في الصين كتيبا إرشاديا باللغة الصينية عن المسارات البحرية من الساحل الشمالي لأمريكا الشمالية وحتى شمال المحيط الهادي.

تحديات

لكن استخدام هذا الطريق بشكل تجاري ما زال يواجه تحديات، تشير إليها ورقة بحثية نشرها معهد القطب الشمالي، (مقره واشنطن)، في يناير/كانون الثاني الماضي، أهمها البيئة العدائية في القطب الشمالي، وخصوصا في الشتاء؛ حيث تنخفض درجة الحرارة إلى -40 درجة مئوية؛ ما قد يؤدي لتعطل عمل اﻵلات، وتعريض حياة ركاب السفن للخطر.

كما تتسبب الثلوج في تعطيل حركة الملاحة معظم أيام السنة؛ ما جعل استخدام هذا الممر أكثر تكلفة بسبب انخفاض سرعة النقل واحتمالات التأخير بسبب الظروف الجوية المتقلبة.

لهذا يُبدي القطاع التجاري حماسة فاترة بصدد إمكانية نقل البضائع عبر هذا الطريق على الرغم من قصره، كما تشير الدراسة؛ وذلك ﻷن شركات الشحن تعتمد على توصيل حجم هائل من البضائع في جدول زمني محدود، وهو أمر يزداد صعوبة مع طريق البحر القطبي الشمالي.

مستقبل قناة السويس

ويبقى السؤال: هل للممر الجديد تأثير على قناة السويس المصرية، والتي تعد إيراداتها أحد أهم مصادر رفد الخزينة المصرية بالعملة الصعبة.

الإجابة، على هذا السؤال، جاء في مقال لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قبل أيام؛ حيث اعتبر أن رحلة السفينة "فينتا ميرسك" تعد "ثورة" ستجعل من الممكن الاستغناء عن قناة السويس في مصر كممر ملاحي مستقبلا، لكنها اشترطت "تغييرا مناخيا وذوبانا للجليد في المنطقة".

الصحيفة قالت إن هذا الطريق يمثل "حلما روسيا قديما"، ويتوافق مع مصلحة تجارية لأوروبا الغربية، والصين وشمال شرق آسيا، وكذلك أمريكا الشمالية.

ونقلت عن باحثون في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال قولهم إن الطريق يمكن أن يصبح جاهزا وسالكا أمام سفن الحاويات تماما خلال 25 سنة على الأكثر.

كان رئيس هيئة قناة السويس، الفريق "مهاب مميش"، علق على خبر إطلاق أول سفينة حاويات لشركة "ميرسك لاين" عبر طريق البحر القطبي الشمالي، قائلا: "لا يوجد في العالم ممر ملاحي بديل لقناة السويس".

وأوضح أن الحديث عن وجود قناة في القطب الشمالي، بديلة لقناة السويس، هو أمر غير صحيح لأنها منطقة غير صالحة للملاحة.

وفي يونيو/حزيران الماضي، قال وزير المالية "عمرو الجارحي"، إن إيرادات القناة في الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية 2017-2018، ارتفعت إلى نحو 5.1 مليارات دولار.

وأجرت مصر عملية توسعة للقناة نفذها الجيش بتكلفة 8 مليارات دولار، وتم افتتاحها في 2015، وتأمل أن تساهم في زيادة إيرادات القناة إلى 13 مليار دولار بحلول 2023.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بحر الشمال قناة السويس مصر روسيا الصين ممر ملاحي ميرسك