اتجاه نحو سلطة جديدة بليبيا.. و"اتفاق باريس" يتعثر

الخميس 30 أغسطس 2018 06:08 ص

أبدى المجلس الأعلى للدولة الليبية، استعداده لاستئناف جولات الحوار للبحث عن آليات لاختيار سلطة تنفيذية جديدة.. كانت هذه آخر التطورات التي يشهدها الملف الليبي المشتعل منذ أيام على عدة أصعدة، ما يهدد بتعثر جديد لحل الأزمة المتفاقمة في البلاد منذ سنوات.

السلطة الجديدة، التي تتجه البلاد نحوها، هي خطوة قد تعرقل "اتفاق باريس"، حول التسوية، الذي أُبرم بين مختلف الأطراف في مايو/أيار الماضي، وينص على إجراء انتخابات في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

الأحداث المتصاعدة على الأرض في ليبيا، مع اندلاع سلسلة من أعمال العنف والاشتباكات التي اندلعت بطرابلس في إطار صراع النفوذ المتجدد، وعجز الحكومة عن فرض سلطة القانون، يهدد العملية السياسية في البلاد، ويجعل دعوات الأسرة الدولية إلى إجراء انتخابات قبل نهاية العام أقرب ما تكون إلى الخيال.

ورغم الجهود المبذولة والتحركات الحثيثة باتجاه العمل على تنفيذ "اتفاق باريس"، الذي حدد تاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول المقبل، موعدا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا أملا في إنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ 2011، غير أن ذلك يتم في ظل ضبابية المشهد السياسي الليبي، وعدم وجود جدول زمني لتنظيم الانتخابات.

ويعتبر التوصل إلى حل سياسي في ليبيا مهمة صعبة خاصة في ظل تواصل الخلافات بين الفرقاء السياسيين في البلاد وعجزهم عن التوصل إلى توافق حول القضايا الرئيسية، وهو ما يؤكده تعثر تصويت أعضاء البرلمان على مشروع قانون الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد.

واعتبر محلّلون، أن انقسام البلاد، وانعدام الأمن، وغياب بعض الجهات المؤثرة على الأرض عن اجتماع باريس، هي عوامل لا تبشر بقرب الوصول الى حل سياسي في ليبيا.

ومنذ اتخاذها طرابلس مقرًا لها في مارس/آذار 2016، عجزت حكومة الوفاق الوطني المنبثقة من عملية رعتها الأمم المتحدة وتعترف بها الأسرة الدولية، عن بسط سلطتها على أجزاء كبيرة من البلاد التي لا تزال في قبضة عشرات المجموعات المسلحة.

على الساحة السياسية، لا يزال النزاع على السلطة قائماً بين حكومة الوفاق الوطني، وحكومة موازية في الشرق تحظى بتأييد آخر برلمان منتخب ويدعمها المشير "خليفة حفتر" على رأس ما يسمى "الجيش الوطني الليبي".

صراعات أمنية

وتشهد طرابلس، اشتباكات منذ أيام عدة، بين مجموعات مسلحة بعضها تابع لحكومة الوفاق، وبين آخرين مناوئين للحكومة ورافضين لتعاطيها مع الأزمات، وسط تكهنات بتطور الأحداث سريعا بعد ظهور مسلحين جدد في الأمر.

وطرحت العملية العسكرية الجديدة تساؤلات عدة، من قبيل: كيف سيبدو المشهد الأمني في طرابلس؟ وهل اتساع رقعة الصراع سيؤدي إلى تدخل دولي عاجل لإيقافه؟ ومن يملك إنهاء الأزمة؟.

ولم تفلح التهدئة التي تم التوصل إليها مساء الإثنين، في وقف القتال، الذي تجدد وسط توترات أمنية كانت سيد الموقف في ظل التحشدات العسكرية.

وفي جديد المشهد الأمني بالعاصمة طرابلس، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لآمر "لواء الصمود"، "صلاح بادي"، وهو يتوعد من وصفهم بــ"الفاسدين" في العاصمة طرابلس، وأنه جاء لـ"رفع الذل والمهانة وإحقاق الحق"، مشيرا إلى أنه "سيقف ضد من يتسبب بالذل لأهالي العاصمة وسيكون خصما له".

ويثير ظهور "بادي"، المزيد من الشكوك حول خارطة الصراع الحالية بطرابلس، فهو من أبرز قادة عملية "فجر ليبيا" التي سيطرت على طرابلس نهاية عام 2014، وبقيت فيها إلى أن تمكنت حكومة الوفاق من تفكيك كتائب "فجر ليبيا"، وإقناع المتواجدة في طرابلس منها بمواجهة الكتائب الأخرى القادمة من مصراته ومدن أخرى، وتولي حكومة الإنقاذ وقتها إخراجها من العاصمة.

وفي تقرير حديث بعنوان "عاصمة الميليشيات"، اعتبرت منظمة "سمول ارمز سورفاي" (غير حكومية) المتخصصة في تحليل النزاعات المسلحة ومقرها جنيف، أن "ميليشيات طرابلس الكبرى تحوّلت إلى شبكات إجرامية تتعاطى في السياسة وإدارة الاعمال والحكم" وفقا لـ"فرانس برس".

وأضاف التقرير أن هذه المجموعات "تسللت الى داخل المؤسسات الرسمية، وهي باتت قادرة على تنسيق أعمالها في العديد منها. أما الحكومة فهي عاجزة عن الوقوف في وجه النفوذ المتنامي للميليشيات".

وبحسب محللين، فإن بإمكان هذه الفصائل منع إجراء أي انتخابات، في حال تبين لها أنها لا تخدم مصالحها.

فشل تشريعي

وعلى الصعيد السياسي والتشريعي، فشلت مطالبات أطراف ليبية عدة فاعلة، باعتماد مشروع دستور عبر استفتاء قبل أي انتخابات، لتجنب الدخول في فترة انتقالية جديدة.

فمنذ يونيو/حزيران الماضي، لم يتمكن البرلمان المنتخب المتمركز في الشرق، من تبني قانون حول الاستفتاء.

وأمام ذلك، أعلن مجلس النواب في طبرق، شرقي ليبيا، عن تعليق جلسته الإثنين الماضي، إلى الأسبوع المقبل، بعد فشله في عقد جلسة لمناقشة قانون الاستفتاء على الدستور بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة، وسط أنباء عن إفشال متعمد من رئيس البرلمان "عقيلة صالح".

ويتجه البرلمان في جلسته المقبلة، في حال تعذر عقد الجلسة، للاقتصار على انتخاب رئيس الدولة دون انتخابات تشريعية، وهو ما يتيح لمجلس النواب الحالي، زمنًا كافيًا لمناقشة قانون الاستفتاء، ومشروع الدستور المطروح أمامه.

وبحسب محللين، فإن أطرافًا سياسيين يرفضون قرارات هذا البرلمان، وهي لا يمكن أن تجد طريقها الى التنفيذ ما لم يحصل توافق عليها من جميع الأطراف.

هذا كله، يؤكد أن ليبيا، لم تتخذ أي خطوة تقريباً للوفاء بالالتزامات التي اتُخذت في باريس، والتي تنصّ على إقرار "أساس دستوري للانتخابات"، وإقرار "قوانين انتخابية"، قبل 16 سبتمبر/أيلول المقبل.

وتزامن ذلك، مع بيان لمجموعة من البرلمان الليبي، بسحب الثقة من حكومة الوفاق، وتشكيل مجلس رئاسي مصغر من رئيس ونائبين، وسط تساؤلات عن قبول المجتمع الدولي لهذه الخطوة، كونها الداعم الأول للحكومة التي تشكلت تحت رعايته.

ووقع 80 نائبا من الداعمين للاتفاق السياسي الليبي بيانا، طالبوا فيه بإنهاء مرحلة "السراج"، والشروع في تشكيل مجلس مصغر ورئيس حكومة يعمل بشكل منفصل عن المجلس، ويشكل حكومة وحدة وطنية يقدمها للبرلمان لتنال الثقة، مطالبين البعثة الأممية بمباركة هذه الخطوة.

إيطاليا وفرنسا

وأمام هذه التطورات، تدخلت الحكومة الإيطالية، وقالت إن الاشتباكات التي شهدتها طرابلس تشكل مبرّرا لتأجيل الانتخابات الليبية المرتقبة خلال العام الجاري، واصفة إجراءها بأنه مسألة "غير واقعية".

وجاء ذلك، تعليقًا على تصريح للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، شدد فيه على ضرورة المضي قدمًا في اتفاق باريس الأخير بين الفرقاء الليبيين، والقاضي بإجراء الانتخابات.

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طرابلس "خالد المنتصر"، قال إنه "في ظل الظروف الحالية، سيكون من المستحيل تنظيم حتى انتخابات بلدية، خصوصًا في طرابلس".

كما أشار الباحث الليبي في الشؤون السياسية "عماد جلول"، إلى أن العامل "الأمني هو عنصر أساسي لإجراء الانتخابات، ولذلك فإن الاعتماد على قادة المجموعات المسلحة غير القادرة على السيطرة على رجالها، هو أمر سخيف".

  كلمات مفتاحية

ليبيا فائز السراج سلطة جديدة اشتباكات تعثر اتفاق باريس فرنسا مجلس النواب

ارتفاع ضحايا اشتباكات طرابلس إلى 61 قتيلا و159 جريحا