أئمة وخطباء في مصر.. من المنبر إلى "مخازن الإدارة"

الخميس 30 أغسطس 2018 07:08 ص

رفع الشيخ "محمد.ع" عينه متثائبا لينظر في ساعة هاتفه ليسمع معها أذان صلاة الظهر ويهب من مكانه لأداء الصلاة بالمسجد المجاور لإدارة الأوقاف الموجودة بإحدى المحافظات جنوبي مصر، ثم يلوح بيده لرئيس المديرية قائلا "أي أوامر يا فضيلة الشيخ"، لينصرف من الإدارة بعد أن قضى 4 ساعات من "النوم" داخلها.

هكذا أصبح حال الإمام والخطيب السابق عقب تحويله من قبل "الأمن الوطني" في مصر من إمام وخطيب إلى وظيفة "عمل إداري" بمديرية الأوقاف التابعة لمحافظته عقب اعتقاله لمدة شهر واحد فقط.

ويروي الشيخ لـ"الخليج الجديد"، تفاصيل تحويله للعمل الإداري، قائلا "قاعد على هذا الحال كل يوم لا شغلة ولا مشغلة"، مضيفا "تم تقديم بلاغ كيدي في من مواطن اتخانق معايا في الجامع اللي كنت إمامه، وأمن الدولة اعتقلوني وبعدها تم تحويلي عمل إداري".

و"العمل الإداري" هو سلاح "الأمن" لإقصاء الأئمة والخطباء المعارضين من وجهة نظرهم للنظام المصري الحالي.

"تعليمات وتقارير أمنية مفيش حاجة بإيد الوزارة"، بتلك الكلمات كشف الشيخ "أ.س" عن أسباب التحويل للعمل للإداري، قائلا "في الغالب التحويل للعمل الإداري بيتم عقب اعتقال الأئمة وبعد رحلة مريرة من محاولات الإمام للعودة للعمل".

ويتابع "أحيانا يكون الوقف والتحويل لعمل إداري بناء على وجود أحد أفراد العائلة المعارضين للإمام فيتم عمل تحريات أمنية عليه وتحويله لعمل إداري، وأحيانا يكون بناء على شكوى كيدية من أحد المواطنين بأن الإمام غير ملتزم بالخطبة الموحدة، أو يحرض على النظام"، مضيفا بأسى "وما أكثر الشكاوي الكيدية من المواطنين، الأئمة الكل بيشتغل عليهم مخبرين، مواطنين ومفتشين والأمر متروك للهوى الشخصي، يكفي شكوى واحدة لتغير عملنا".

وأوضح الإمام المحول لعمل إداري بسبب شكوى من مواطن بأنه يحرض المواطنين وعقب خضوعه لمدة يوم كامل للتحقيق بمقر "أمن الدولة" التابع لمحافظته، أن تحويل الإمام لعمل إداري يفقده أكثر من نصف مرتبه.

وكشف "مرتب الإمام يبلغ نحو 3 آلاف جنيه (166 دولارا)، عقب تحويلنا لعمل إداري يصل الراتب لنحو 1350 جنيه (75 دولارا)، عقب فقدان الإمام لـ750 جنيها بدل خطبة و150 جنيها بدل درس الراحة للدرجة الثالثة و175 للدرجة الثانية و200 جنيه للدرجة الأولى، 10 جنيه بدل منبر و350 جنيه بدل سكن واطلاع".

وتابع "معظم الأئمة المحولين لعمل إداري يمتهنون أعمالا أخرى لتأمين دخل مناسب لأسرهم"، مؤكدا "أفضلنا حالا يعمل بالكتاتيب طوال النهار ودخلها ضعيف للغاية، وهناك حالات تمتهن مهنا مهينة لإمام وخطيب"، ليكمل بمرارة "هناك من يمسح السلالم في بعض البنايات".
 

رحلة العودة المريرة

 

وكشف "أحمد.ر" إمام وخطيب محول لعمل إداري عن رحلة العودة لعمله التي وصفها بـ"المريرة"، قائلا "اعتقلت لمدة شهر بعد شكوى من مفتشي والإبلاغ عني بأمن الدولة وتم إيقافي عن العمل بحجة التغيب".

وتابع "عقب اتهامي بالانتماء لجماعة أسست على خلاف القانون والتجديد لي مرتين بالنيابة أخرجني قاضي في استئناف، لأحاول بعدها العودة للعمل".

وأضاف "ثبت لدى مديرية الأوقاف التابع لها فترة اعتقالي ليتم إخباري أن قرار العودة يأتي من أمن الدولة ونصحني الموظفون بمحاولة إيجاد واسطة لدى الوزير لإنهاء الأمر"، مؤكدا "الموظف أطلعني على ملفات أئمة لم يعودوا للعمل منذ عام 2013 لأنهم منتظرين قرار الأمن".

وأردف "بعد ما سألت عرفت أن الوزير يشترط تقديم طلب عليه تزكية من عضو مجلس شعب، علمت أنه بيجامل بينا أعضاء المجلس، وعلى الفور حصلت على ختم من عضو مجلس وبعد موافقة الوزير على عودتي للعمل أخبروني لسه موافقة سيادة المستشار".

وكشف الشيخ "أحمد" أن "سيادة المستشار هو لواء أمن دولة متواجد وله مكتبه داخل الوزارة"، مضيفا بسخرية "مش (ليس) مستشار واحد دول 8 بيديروا وزارة الأوقاف".

وأكمل "تم الاستعلام عني أمنيا، وأعطوني موافقة المستشار الأمنية، لكن الرحلة لم تنته فبعودتي لمديرية الأوقاف التابع لها محافظتي أخبرني شيخ المديرية أنه سينتظر موافقة مكتب أمن الدولة التابع لمدينتي".

وأكد "بعد الوسايط انتظرت 3 أشهر حتى وافق الأمن على إعادتي لعملي كإداري".

الرواية ورحلة العودة "الصعبة" تشابهت مع "ر.ك" الذي أكد أن "المفتشين ومشايخ مديريات الأوقاف ما هم إلا مخبرين لأمن الدولة"، على حد وصفه.

وأضاف "لا عمل لنا تحت مسمى إداري نذهب الساعة 8 صباحا نمضي حضور ثم نجلس حتى 12 مساء داخل المديرية"، مؤكدا "مفيش (لا يوجد) كراسي نقعد (نجلس) عليها، بنفرش على الأرض".

وأكد "لو حد فينا اتكلم في السياسة ولا أبدى رأيه في شيء فورا تنتقل أحاديثنا لمكاتب أمن الدولة، ده غير إنه تم إلزامنا أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة للذهاب للانتخاب والحضور لشيخ المديرية ونوريه الحبر الفسفوري في إيدنا"، موضحا "قال لنا نصا اللي مش هينتخب مطلوب مني أبلغ اسمه لأمن الدولة، مبقولش ليكم انتخبوا مين تحديدا لكن روحوا واننتخبوا وتعالوا وروني الحبر في صوابعكم".

وقال "بالأساس المفتشين كان عملهم إنهم يلفوا علينا بالجوامع ليتأكدوا فقط من الخطبة الموحدة والزي وحضورنا وانصرافنا بعيدا عن أي محتوى ثقافي أو الارتقاء بينا"، مشبها مهنة الشيخ مفتش الأوقاف بـ"خولي الأنفار".

وتابع "بعد الساعة 12 كل واحد فينا بيجري على شغلانة تانية، معظمنا بيوقف في محلات بقالة، وبنشتغل في تحفيظ القرآن لكن دخلها ضعيف".

وتنفذ وزارة الأوقاف المصرية منذ سنوات دعوات الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بتجديد الخطاب الديني، والخطة التي تتضمن وقف آلاف الأئمة أصحاب الرؤيا والتوجه عن العمل وتحويلهم إلى عمل إداري في مقابل تصعيد أئمة آخرين مضمون ولائهم للسلطة.

فيحكي "محمد قايد" (مواطن) أن إماما وخطيبا لأحد مساجد محافظة الغربية اقتصرت خطبته الجمعة الماضية على الهجوم على المتحدثين بالسياسة داعيا إلى عدم أخذ العلم الشرعي إلا من أئمة الأوقاف والأزهر الذين يتحدثون في السياسة أصلا.

كما تضمنت خطبته، وفقا للمواطن المصري، على جزء كبير من دعوة المواطنين إلى الصبر وعدم الاحتجاج على الحكومة، واعتبار ما تشهده البلاد هو نوع من البلاء الذي يستجوب التقرب إلى الله دون توجيه أي انتقادات للحكومة التي أشاد بدورها.
 

قرار وزاري

 

في عام 2013، قرر وزير الأوقاف المصري "محمد مختار جمعة"، إحالة أي إمام وخطيب بالأوقاف إلى التحقيق وتحويله إلى عمل إدارى في حالة ثبوت إدانته ببث البلبلة والفتن بين جمهور المصلين وتسييس الخطب والدروس".

وأكد قرار الوزارة الذي نشر بالصحف المصرية حينها، أنه "سيتم وقف الإمام عن إلقاء الخطب والدروس ووقف بدل الدروس وفى حالة استمراره في  تسييس الخطب سيتم تحويله للشؤون القانونية تمهيدا لإحالته لعمل إدارى، وذلك في إطار خطة الأوقاف لإبعاد المساجد عن العمل السياسي وعدم الزج بها في الصراع الدائر".

ورغم عدم وجود مسمى قانوني "للعمل الإداري" للأئمة والخطباء إلا أن الصحف المصرية تنشر بصورة متتالية عن قرار وزير الأوقاف بإحالة أعداد كبيرة من الأئمة والخطباء للعمل الإداري.

ويخضع التحويل للعمل الإداري بالوزارة إلى شكاوى من موظفين أو مواطنين للأئمة أو اعتقال أو إيقاف أحد الأئمة لفترة زمنية وصفها البعض "باليوم الواحد".

كما تلزم وزارة الأوقاف المصرية الخطباء بخطبة موحدة تنشر لهم على الموقع الإلكتروني للوزارة ويتم تبلغيهم بها، ومن يخالف مضمون الخطبة الموحدة يتم إيقافه فورا وتحويله إلى "مخازن العمل الإداري".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أئمة وخطباء مصر وزارة الأوقاف المصرية العمل الإداري تجديد الخطاب الديني