"فورين بوليسي": لماذا يغازل نظام "السيسي" روسيا والصين؟

الخميس 30 أغسطس 2018 07:08 ص

لم يكن الرئيس المصري السابق "جمال عبدالناصر" الذي استغل الحرب الباردة، يتورع عن اللعب الخشن مع البلاد القوية، وفي عام 1955، تعب "عبدالناصر" من مغازلة واشنطن لأجل صفقة السلاح المعلّقة منذ فترة طويلة، وصدم الغرب من خلال الاقتراب من الاتحاد السوفييتي، وشراء المعدات العسكرية عبر تشيكوسلوفاكيا، وإشعال مخاوف من سباق تسلح في الشرق الأوسط.

بعد 6 عقود، تبحث القاهرة عن أفضل صفقة سياسية يمكن أن تحصل عليها مرة أخرى، متقدمة بمقترحات دبلوماسية لموسكو وبكين ومحافظة في نفس الوقت على مؤيديها الأمريكيين والخليجيين.

مصر واللعبة القديمة

وكما في عهد "عبدالناصر"، أصبحت القيادة المصرية محبطة من الولايات المتحدة، ونما برود العلاقة خلال فترة رئاسة الرئيس "باراك أوباما"، الذي رفض دعوة الرئيس "عبدالفتاح السيسي" إلى واشنطن وسط اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان.

ومنذ ذلك الحين قام "السيسي" بزيارة رسمية إلى البيت الأبيض لـ"دونالد ترامب"، لكن استراتيجية الإدارة طويلة المدى في مصر لا تزال غير واضحة.

وقد اشتكى الكونغرس من عدم إدراك الولايات المتحدة لتراجع الفوائد التي تحصل عليها مقابل المليارات التي قدمتها إلى القاهرة على مدى عقود، وقام بتعليق ما يقرب من 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية في أغسطس/آب الماضي، مشيراً إلى مخاوف بشأن قانون جديد قمعي يقيد عمل المنظمات غير الحكومية.

وفتحت هذه التوترات أبواباً جديدة لكل من روسيا والصين.

استجابت موسكو في وقت مبكر لمأزق "السيسي" مع "أوباما" ودخلت في اتفاقات تعاون عسكري وصفقات أسلحة واسعة النطاق مع القاهرة، ومع ضجة منخفضة تتدفق الأموال الصينية بشكل متزايد في الاقتصاد المصري، ما يشير إلى أن "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" المتفق عليها بين الدولتين في عام 2014 يمكن أن تطور الآن لمراحل حقيقية.

وطورت العلاقات المصرية الروسية صبغة عسكرية أقوى في عهد "السيسي"، القائد العسكري السابق الذي قاد عملية الإطاحة بالرئيس "محمد مرسي" أول رئيس منتخب ديمقراطياً في يوليو/تموز 2013، وبدأ الطرفان في إجراء تدريبات بحرية وعسكرية مشتركة في يونيو/حزيران 2015، وكانت هناك تقارير في أواخر عام 2017 بأن البلدين يتفاوضان على اتفاق بشأن الاستخدام المتبادل لقواعد القوات الجوية لكل منهما.

وفي المقابل، يقدم "السيسي" غطاء من الدعم العربي لبعض الاستغلالات السياسية الخارجية التي يقوم بها "بوتين" في منطقة الشرق الأوسط، وأعطت القاهرة غطاء دبلوماسياً لدعم روسيا للديكتاتور المحاصر "بشار الأسد" في سوريا، ويُزعم أنها وفرت قاعدة للقوات الروسية لدعم القائد المناهض للإسلاميين "خليفة حفتر" في ليبيا.

وفي بعض الأحيان، كان نظام "السيسي" يخاطر بإغضاب حلفائه طويلي الأمد بالسعي إلى توثيق العلاقات مع المؤسسة العسكرية الروسية، حيث أغضبت مصر السعودية في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بالتصويت لصالح مشروع قرار مجلس الأمن حول سوريا الذي صاغته موسكو وعارضته الرياض، وفي مايو/أيار من هذا العام، أشاد وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" بمصر لرفضها طلبًا أمريكيًا بنشر جنودها في سوريا.

وكانت مكافأة مصر هي سلسلة من مبيعات الأسلحة الروسية، التي يقول "موردخاي تشازيزا"، المتخصص في العلوم السياسية في كلية أشكلون الأكاديمية في (إسرائيل)، إنها أصبحت حاسمة لاستراتيجية القاهرة بخصوص موسكو، وفي حين أظهرت الولايات المتحدة ترددًا أكبر في تقديم المساعدات العسكرية، تدخل الكرملين ليملأ الفراغ.

حيث وقعت روسيا على صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار مع مصر في عام 2014، وقدمت أكثر من مليار دولار من المعدات العسكرية في العام الماضي وحده.

كما نمت العلاقات الاقتصادية، حيث اتفقت روسيا ومصر على تطوير "منطقة صناعية روسية" في قناة السويس، وخلال الزيارة التي قام بها "بوتين" إلى القاهرة العام الماضي، وافقت روسيا على تمويل مشروع إنشاء محطة طاقة نووية بتكلفة 21 مليار دولار بالقرب من العلمين والإشراف عليها، ولايزال المشروع في مرحلة مبكرة للغاية، لكن الحكومة المصرية تتوقع أن يبدأ تشغيل المرفق في عام 2026.

وعلى الرغم من هذه المشروعات الكبرى، فإن نقص الموارد المالية الروسية يحد من قدرتها على التأثير الاقتصادي الحاسم في مصر، ويجادل "تيموثي كالداس"، وهو زميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، بأن أي محاولة للقاهرة لمعاقبة الولايات المتحدة من خلال التقرب إلى "بوتين" قد فشلت.

وقال: "لقد بالغ المصريون في غضبهم، ويعلم الأمريكيون أن روسيا لا يمكن أن تحل محلهم أو محل دول الخليج، لأن روسيا مفلسة".

لكن هناك بلداً واحدا بعيد كل البعد عن الإفلاس، وهي الصين التي تفوق أهميتها الاقتصادية بالنسبة لمصر أهمية روسيا.

مغازلة الأموال الصينية

وكانت بكين أكبر شريك تجاري للقاهرة منذ عام 2012، حيث قدمت الصين 13% من إجمالي قيمة الواردات في العام الماضي وحده، أي ما يعادل تقريباً ضعف ألمانيا، وهي المصدر الأكبر التالي لمصر.

واستفادت إدارة "السيسي" من الموقع الاستراتيجي لمصر كحافز رئيسي لتقوية علاقاتها مع الصين، وقال "جون تشن"، الخبير في العلاقات الصينية الشرق أوسطية في جامعة كولومبيا: "إن قناة السويس هي التي تجعل مصر استثنائية للصين".

يقع الممر المائي في قلب طريق الحرير البحري، وهو أساس في مبادرة الحزام والطريق التي يدعمها الرئيس الصيني "شي جي نبينغ" بشكل متزايد.

وبدأت المبادرة في الأصل كمشروع اتصال أوروبي آسيوي قبل أن تتحول إلى مشروع شامل لكل سياسة الصين الخارجية تقريبًا، بيد أن فكرة طريق الحرير البحري الأصلي ركزت تحديدًا على طرق الشحن بين أوروبا والصين.

وصرح مسؤول مصري لوكالة أنباء الصين (شينخوا) العام الماضي بأن الصين هي أكبر مستثمر حالي في قناة السويس، في حين تقوم مجموعة تيدا الصينية بتطوير منطقة اقتصادية خاصة في المنطقة.

ولكن مصر حاولت مصر أن تثبت فائدتها السياسية للصين بطرق أخرى.

ففي مايو/أيار 2017، طالبت حكومة "شي" بإعادة جميع الطلاب الأويغوريين في الخارج، وهم أعضاء الأقلية العرقية المسلمة في منطقة شينغيانغ في أقصى غرب البلاد.

وقد استجابت إدارة "السيسي" للدعوة بحماس، فقامت بالقبض على مئات من الأويغور الذين يدرسون في جامعة الأزهر بالقاهرة من أجل ترحيلهم، ومن شبه المؤكد أنه تم إرسال هؤلاء الطلاب بشكل جماعي إلى معسكرات الاعتقال الهائلة في الصين عند وصولهم إلى البلاد.

وفي المقابل، بدأت الصين بضخ العملات الأجنبية في الاقتصاد المصري المدمر.

وفي عام 2016، صنفت مصر الصين باعتبارها المصدر الثالث والعشرين فحسب بين المصادر الأكثر أهمية في الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد منذ عام 1970، وقد تغير هذا الاتجاه فجأة، حيث إن الأموال الصينية تغذي الآن مجموعة كبيرة من المشاريع الضخمة التي تقودها الدولة في مصر.

على رأس هذه المبادرات، العاصمة الإدارية الجديدة، خطة إدارة "السيسي" الطموحة لنقل المركز السياسي للبلاد شرق القاهرة، وقد واجه مشروع البناء الهائل انعدام اهتمام مذل من المستثمرين الأجانب بعد إعلانه في عام 2015، قبل أن تأتي وعود التمويل الصيني، حيث وافقت البنوك الصينية على إقراض الغالبية العظمى من الـ3 مليارات دولار المطلوبة لبناء منطقة الأعمال المركزية في العاصمة.

ومن المتوقع أن تستثمر شركة "تشاينا فورتشن لاند ديفيلوبمنت" المدرجة في شنغهاي أموالا إضافية في المدينة.

وخارج العاصمة الجديدة، خصصت الصين مليارات الدولارات لمشاريع حكومية مصرية مختلفة، بما في ذلك تجديد صناعة النسيج وبناء نظام سكك حديدية خفيفة للقاهرة.

ولكن على الرغم من النفوذ المالي، من غير المرجح أن تصبح الصين قوة مهيمنة في مصر في أي وقت قريب.

هل ستتطور العلاقة؟

تحتفظ الولايات المتحدة بنفوذ واسع النطاق على صانعي القرار المحوريين المصريين، ولا تزال القاهرة مدينة أيضاً لمؤيديها الأغنياء في الخليج، خاصة السعودية والإمارات، وتشير التقديرات إلى أن الأموال السعودية وحدها تمثل 25 مليار دولار من المساعدات والاستثمارات في مصر بين عامي 2014 و2017، وعندما اشترت مصر أسلحة من روسيا، اعتمدت على التمويل السعودي والإماراتي للقيام بذلك.

في الوقت الحالي، تحافظ إدارة "السيسي" على علاقة مع الولايات المتحدة من خلال الالتزام بمكافحة الإرهاب.

وفي يوليو/تموز من هذا العام، قامت الولايات المتحدة بفك تجميد 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر على الرغم من مخاوف حقوق الإنسان المستمرة، وقال مصدر في وزارة الخارجية لـ"رويترز" إن دعم العلاقات الأمنية الثنائية ساعد على تحفيز الانعكاس الذي حدث.

لكن حلفاء القاهرة الراسخين ربما لن يقبلوا بالعلاقة المصرية الصينية إذا تحركت إلى أبعد من طبيعتها الحالية ذات التوجه الاقتصادي.

وفي عام 2016، أعلنت مصر لقاء مع المسؤولين الصينيين حول تعزيز التعاون العسكري، وحتى الآن لم يحدث أي شيء ذي مغزى من تلك المناقشات، ولكن إذا تغير ذلك، فإن القاهرة قد تواجه تدخلاً دبلوماسياً ليس فقط من الولايات المتحدة، ولكن حتى من اليابان، وهي مصدر مهم آخر للاستثمار الأجنبي المباشر.

وقال "كالداس": "إذا أصبحت الصين أكثر عدوانية في شرق آسيا وأكثر طموحاً في مصر، فعندئذ ربما تكون اليابان أكثر ميلا للاستفادة من نفوذها على مصر".

إن قادة مصر مؤهلون بشكل ملحوظ لأداء هذه الأنواع من الأعمال الدبلوماسية والمشي على الحبال على ما يبدو، حيث يوازنون بعناية بين مصالح حلفائهم المتنافسين في كثير من الأحيان لتحقيق مكاسب قصوى، ومثلما تلاعب "عبدالناصر" للاستفادة من تنافس القوتين العظميين في الحرب الباردة، يسير "السيسي" اليوم على ذات الخطى.

ويشير هذا التقارب الأخير مع روسيا والصين إلى أن النظام الحالي قد ورث على الأقل بعضاً من حدس "عبدالناصر"، وقال "كالداس": "لقد كان المصريون يفعلون هذا دائماً ويهربون بفعلتهم".

  كلمات مفتاحية

السيسي روسيا الصين شي جين بينغ بوتين ترامب الولايات المتحدة