مصر تكتشف المزيد من الطاقة.. ومواطنوها يدفعون أكثر مقابلها

الخميس 30 أغسطس 2018 08:08 ص

تتخذ الحكومة المصرية نهجا غير تقليدي لتصبح الدولة مصدرا رئيسيا للطاقة في الشرق الأوسط، ولكن مواطنيها هم الذين يدفعون الفاتورة.

واستقطبت حكومة الرئيس "عبدالفتاح السيسي" بعض شركات النفط الكبرى إلى مصر جزئياً من خلال دفع المزيد من المال للشركات الأجنبية للغاز الطبيعي، وتمويل ذلك من فاتورة رفع سعر الكهرباء والغاز للمستهلكين الذين يواجهون أيضاً تكاليف متزايدة لأجل النقل والماء والسلع الأساسية الأخرى.

ففي يونيو/حزيران، ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 26% خلال ليلة وضحاها بينما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 75%.

وبفضل هذه السياسة، استثمرت شركة "رويال داتش شل"، وشركة "بريتيش بيتروليم"، وشركة "إيني"، مليارات الدولارات في مصر في السنوات الأخيرة، بما في ذلك مشروع تطوير أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر المتوسط ​​قبالة الساحل المصري.

وتأمل مصر أن تصبح مصدراً صافياً للغاز الطبيعي بحلول نهاية عام 2018، وفي نهاية المطاف مركزاً للغاز الطبيعي في منطقة البحر المتوسط​​، ويحتمل أن تستورد الغاز من (إسرائيل) وقبرص ثم تعيد تصديره إلى أوروبا وأماكن أخرى، وهو الطموح الذي يصفه السيسي بـ"الحلم".

لكن ديون مصر الكبيرة لشركات النفط، والعجز المرتفع في الميزانية، وشروط القروض من صندوق النقد الدولي، أجبرت البلاد على عكس نموذج الرعاية ورفع أسعار الطاقة على الشعب، في الوقت الذي تشيد فيه الحكومة بمجموعة من الاكتشافات الرئيسية للهيدروكربونات.

وأسهم ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء في استياء كبير من جانب المصريين العاديين الذين يدفعون أكثر حتى مع بقاء أجورهم راكدة.

وقالت "إنجي عز"، وهي ربة منزل في القاهرة تبلغ من العمر 32 عاماً: "حتى إذا أصبحت مصر مصدّراً للغاز، ستواصل الحكومة سرقة جيوبنا من خلال فواتير الكهرباء"، وانتقلت "إنجي" مؤخراً إلى شقة جديدة تقول إنها مطالبة فيها بدفع 200 جنيه مصري (11 دولارًا) كل يومين في فواتير الكهرباء مسبقة الدفع.

وأعطت الأزمة الاقتصادية نقطة جدال جديدة لمعارضة "السيسي"، الذين انتقدوا تعامله مع الاقتصاد.

وقال "خالد داوود"، رئيس حزب الدستور المعارض: "هناك إعلانات متكررة عن اكتشافات جديدة للغاز، واكتشافات نفطية جديدة، وفي الوقت نفسه، بالنسبة لغالبية المصريين، نحصل على زيادات في أسعار النفط، وأسعار الغاز ، وأسعار المياه".

وقد أدت الزيادات في الأسعار إلى شكاوى عامة واسعة النطاق وومضات احتجاج قصيرة، وفي مايو/أيار، جرت مظاهرات صاخبة في محطات مترو القاهرة بعد أن فرضت الحكومة زيادة مفاجئة في سعر التذكرة، لكن الحكومة سارعت إلى القضاء عليها، ونشرت شرطة مكافحة الشغب.

وألقت حكومة "السيسي" القبض على الآلاف في حملات سياسية في السنوات الأخيرة، حيث أغلقت جميع السبل للمعارضة.

تحولات الطاقة في مصر

وتأتي الزيادات في الأسعار كجزء من عملية إصلاح اقتصادي شامل واسعة النطاق حث عليها صندوق النقد الدولي.

 وأمد الصندوق مصر بـ 12 مليار دولار كقروض في عام 2016، لكنه طالب الحكومة بخفض إنفاقها الكبير على الدعم الحكومي لخفض عجز ميزانيتها، ومنذ ذلك الحين، نما الاقتصاد الكلي في مصر، لكن التضخم والأجور الراكدة والبطالة المستمرة جعلت الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة لمعظم المصريين.

وبعد عقود من التراجع، تلقت صناعة إنتاج الطاقة في مصر دفعة في السنوات الأخيرة باكتشافات هائلة جديدة للغاز الطبيعي، وتم العثور على أكبر هذه الحقول، الذي يُدعى "ظُهر" تحت قاع البحر الأبيض المتوسط ​​في عام 2015 من قبل شركة "إيني"، ويحتوي على كمية غاز تفوق استهلاك الولايات المتحدة عام 2017، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

وقال "السيسي" في مؤتمر في يوليو/تموز إنه يدعو الله كل صباح بالعثور على "عشرة اكتشافات مثل ظهر"، وفي خطوة نحو جعل مصر مركزاً للغاز في المنطقة، وقعت شركة مصرية في فبراير/شباط اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار لاستيراد الغاز من (إسرائيل).

ولكن حتى لو تحققت التنبؤات الحكومية، فإن فوائد اكتشافات الغاز الجديدة لن تكون كافية لحل المشاكل المالية في مصر، ووفقاً للمحللين، فإن البلد غارق في الديون بشدة، مع مديونية على الدولة تقدر بـ86% من الناتج المحلي الإجمالي للمقرضين المحليين والأجانب.

وهناك عقبات قد تعيق أهداف الحكومة في مجال الطاقة أو تمنع وصول الفوائد المترتبة عنها عن الأشخاص العاديين.

لا يزال قطاع الطاقة في مصر يتعافى من السنوات المضطربة التي تلت انتفاضة 2011 في البلاد والتي أنهت حكم الرئيس المخلوع "حسني مبارك"، وعندما أصبح "السيسي" رئيساً في عام 2014 بعد انقلاب عسكري قبل عام من ذلك، غرقت المدن المصرية في الظلام جزئياً بسبب نقص حاد في الغاز.

خلال الأزمة، حولت الحكومة إمدادات الغاز لمعالجة النقص، وفي أثناء هذه العملية، تضخم دين مصر لشركات الطاقة الدولية إلى أكثر من 6 مليارات دولار، ولا تزال مصر مدينة بأكثر من مليار دولار لشركات مثل "دانة غاز" في الإمارات، وفقاً لوزارة البترول، وتقول شركة دانة إنها تمنع بعض الاستثمارات في مصر بسبب "عدم وجود تسديد منتظم لدفعات الدين"، ما يبطئ خطط الطاقة في البلاد.

وتقول مصر إنها ستقوم بسداد شركات النفط الأجنبية بنهاية عام 2018، كما أنها زادت الأسعار المدفوعة للشركات، فعلى سبيل المثال، وافقت الحكومة في عام 2015 على زيادة المبلغ الذي تدفعه إلى ما بين 4.00 دولار و 5.88 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، حسبما قال رئيس شركة النفط الوطنية في ذلك الوقت، ارتفاعًا عن السعر السابق البالغ 2.65 دولار.

وقال "كريم عزت"، محلل النفط والغاز في شركة فاروس القابضة للاستثمار في القاهرة: "كان الأمر كما لو أن الحكومة كانت تعطيهم أسعاراً أعلى حتى يتمكنوا من البدء في الإنتاج ولا يهتموا بمستويات الدين المرتفعة التي تدين بها الحكومة".

ومن المتوقع أن تستغرق الإصلاحات التنظيمية التي كانت تهدف إلى فتح قطاع الغاز للتنافس مع القطاع الخاص سنوات حتى تكتمل، ولا تزال هناك مجموعة حساسة من المفاوضات الدولية قبل أن يصبح خط الأنابيب متاحاً لاستيراد الغاز من قبرص و(إسرائيل) وتصديره.

ويقول "روبرت سبرينجبورغ"، الخبير في الاقتصاد السياسي المصري في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية: "لا توجد معجزة غاز".

المصدر | وول ستريت جورنال

  كلمات مفتاحية

مصر أسعار الطاقة حقل ظهر السيسي الغاز الطبيعي