لماذا رفضت بريطانيا الترويج لـ«رؤية» وليّ العهد السعودي؟

السبت 1 سبتمبر 2018 03:09 ص

أعلنت المؤسسة البريطانية المسؤولة عن تنظيم ومراقبة البث التلفزيوني، أوفكوم، إيقافها إعلاناً ترويجيا سعوديا على قناة سكاي 1، يسوّق لما سمّاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بـ«رؤية 2030».

يظهر الإعلان أجندة خطّة بن سلمان لبلاده مع صور لنساء يسقن السيارات وفتح صالات سينما، وهو ما اعتبرته «أوفكوم» يتنافى مع «الجدل العام المتزايد» حول هذه القضايا، ورغم أنها لم توقع عقوبة ماليّة على القناة التي بثّت الإعلان فإنها فرضت عدم بثّه مرة أخرى.

الإعلان الذي بثّ في آذار/مارس الماضي تمّ إنتاجه ليترافق مع زيارة وليّ العهد السعودي إلى بريطانيا ويقول المعلّق فيه إن «الأمور تتغير في السعودية من دون شك… وشراكة دول أساسية في العالم هي في صلب هذا التغيير، وخصوصا المملكة المتحدة».

يكشف منع «أوفكوم» للإعلان انتباها غربيّا للالتباسات التي رافقت صعود ولي العهد السعودي، والأهم من ذلك، فهو يكشف تهافت دعوات الإصلاحات التي أعلنتها السلطات السعودية.

منع الإعلان بسبب الجدل المحتدم ضمن الرأي العام البريطاني والعالمي حول طبيعة الإصلاحات السعودية كان، بهذا المعنى، استكشافاً مبكّراً للمفارقات الكبرى التي سيتكشّف عنها برنامج «الإصلاح»، وكانت الإعلانات التي ملأت العاصمة البريطانية خلال زيارة الأمير لها أنه يريد استخدام حدثين بسيطين في مقاييس العالم: السماح للنساء بقيادة السيارات، وفتح صالات السينما، للتغطية على شأن أكبر بكثير، وهو وضع قبضته على كل قضايا الاقتصاد والسياسة والأمن والجيش في المملكة.

ما لبث أن انكشف أن الترويج للإصلاحات والحداثة وتمكين المرأة وانفتاح المجتمع السعودي على العالم والذي ترافق مع تركيز عال وغير مسبوق للسلطات في يد الأمير الشاب شهد ظواهر غير مسبوقة في السياسة السعودية والعربية والعالمية، بدءاً من حملة الاعتقالات التي طالت كبار المسؤولين ورجال الأعمال، ثم فيضان الحالة على الدول المجاورة، مع احتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، وأحد أكبر رجال الأعمال الأردنيين صبيح المصري، والملياردير الإثيوبي محمد العمودي.

وكان الاشتباك السياسيّ والدبلوماسي الكبير مؤخرا مع كندا أحد أشكال هذه السياسة الهوجاء والخطيرة والتي تتجاهل مصالح السعودية والسعوديين.

كما أنها تفضح زيف «الإصلاحات» التي تريد إعطاء وجه حداثي وتقدمي للأمير والمملكة في الوقت الذي تشدد فيه الاعتقالات للناشطين والناشطات وتغضب غضبة شعواء حين تقوم دولة مشهورة باحترام الحريات والحقوق، مثل كندا، بانتقادها وفضحها لأكذوبة الحداثة والتقدم التي لا تستطيع أبدا إخفاء طبيعة الاستبداد في الأنظمة العربية واستمرار أحواله التي لا تحول ولا تزول.

في أيامها السابقة، كانت السعودية مضرب مثل بالرجعية والتخلّف والإساءة للنساء وبانفصال حكامها عن الواقع وتعاليهم عن الشعب وقسوتهم الكبيرة، ومع صعود نجم الأمير الشاب، داعبت السعوديين أحلام التغيير والإصلاح والتنمية الاجتماعية والسياسية.

لكنّهم فوجئوا، كما فوجئ الكثيرون في العالم، أن الحاكم الجديد للبلاد يريد وضع ماكياج لماكينة البطش السياسية القديمة، وأن «الترفيه» وقيادة النساء للسيارات، هو لإلهاء الناس عن حقوقها السياسية الحقيقية، وأن الناشطين الذين ناضلوا عشرات السنين للسماح بقيادة المرأة للسيارة وفتح أبواب المجتمع السعودي للتغيير، صاروا مطاردين بتهم الخيانة والعمالة وبعضهم مهدد بأحكام الإعدام والسجن الطويل.

لم تفعل السعودية، للأسف، في كل ذلك، غير تقديم الدليل على بطلان دعاوى الإعلان الموقوف، وانكشاف بهرج الأكاذيب المزوقة والملونة التي لا تستطيع تضليل العالم ولا السعوديين أنفسهم.

  كلمات مفتاحية

السعودية ولي العهد السعودي الإصلاحات محمد بن سلمان الترفيه قيادة النساء للسيارات مؤسسة تنظيم ومراقبة البث التلفزيوني أوفكوم إعلان ترويجي سعودي قناة سكاي 1 «رؤية 2030» محمد كوثراني