"بوتفليقة" يعزز سلطاته بعزل قادة الجيش تمهيدا للولاية الخامسة

الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 03:09 ص

"رغبة في تركيز السلطة بدائرته المقربة من غير العسكريين".. هكذا اعتبر مراقبون، إقالات الرئيس الجزائري "عبدالعزيز بوتفليقة"، لـ 10 من قيادات الجيش، خلال الأشهر الماضية، في ظل تحركات متسارعة لإعلان ترشحه لولاية خامسة.

محللون ودبلوماسيون جزائرييون، قالوا إن عزل عدد من كبار القادة في الجيش، يستهدف تشديد قبضة "بوتفليقة"، وتقليص سلطة الجيش المنخرط في السياسة، وتحويله إلى هيئة أكثر مهنية.

وقبل أسبوعين، أقال "بوتفليقة" (81 عاما)، اثنين آخرين من كبار القادة العسكريين ليصل العدد الإجمالي للشخصيات العسكرية البارزة التي أقيلت من مناصبها إلى نحو عشرة خلال الشهور القليلة الماضية فحسب.

بيد أن تخفيف قبضة الجيش الذي يهيمن على البلد المنتج للنفط منذ حرب الاستقلال بين عامي 1954 و1962 مع فرنسا، سيستغرق وقتا، حسبما نقلت "رويترز".

لكن النتائج الأولى، تبدو واضحة للعيان، حسب المحللين، الذين قالوا إن الإقالات التي كانت تثير في السابق عواصف من الجدل، باتت الآن "أمرا روتينيا".

وقال ضابط مخابرات متقاعد، طلب مثل آخرين عدم نشر اسمه: "اعتاد العسكريون على أن يقيلوا لا أن يُقالوا".

وأضاف: "القرارات التي كانت تتخذ في تاقارا مقر وزارة الدفاع بوسط الجزائر، أصبحت الآن تتخذ من مقر عمل بوتفليقة في قرية زرالدة الساحلية (على بعد 20 كيلومترا غربي العاصمة)".

وعندما انتخب "بوتفليقة"، أول مرة في عام 1999، كان يُنظر إلى الجيش وأجهزة المخابرات على أنهما المسيطران الحقيقيان على السلطة.

لكن الآن، في ظل تكهنات بأنه سيذعن لدعوات من الحزب الحاكم للترشح لفترة خامسة محتملة في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى عام 2019، رغم المخاوف الصحية، فإن "بوتفليقة" يعمل على تركيز السلطة في دائرته المقربة من غير العسكريين.

إقالات متتالية

وشملت الإقالات الأخيرة عددا من كبار القادة العسكريين، بينهم قائد المنطقة العسكرية الأولى "حبيب شنتوف"، والتي تعد الأهم ضمن المناطق العسكرية الست، قياسا بتعداد الضباط والجنود ومن حيث أهمية ونوعية العتاد العسكري والسلاح الحربي.

وكانت تنحية "شنتوف"، مفاجئة للمراقبين، بالنظر إلى نفوذه في الجيش.

كما تمّت إقالة قائد المنطقة العسكرية الرابعة "شريف عبدالرزاق" والتي تدخل ضمن نطاقها مسؤولة حماية المنطقة النفطية الممتدة في الصحراء الجزائرية جنوباً، والذي يعد أحد أبرز صقور المؤسسة العسكرية.

وشملت الإقالات أيضا عدداً من القيادات في المقرّ المركزي للجيش، بينهم قائد المديرية المركزية لأمن الجيش "محمد تيرش"، والمراقب العام بوزارة الدفاع "بن عتو بومدين".

وأقال "بوتفليقة" أيضا، خلال الأشهر الأخيرة، المدير العام للأمن الوطني الجزائري منذ عام 2010 "عبدالغني هامل"، وذلك ضمن تغييرات مست جهازي الدرك وجهاز الأمن العام.

وتتحدث مصادر إعلامية، أن الحملة لم تتوقف بعد، وأن "بوتفليقة"، بصدد إجراء تغييرات "جديدة ومهمة" في الجيش والمخابرات، من بينها إنهاء مهام قائد القوات البرية اللواء "أحسن طافر"، وقائد المنطقة الثالثة "سعيد شنقريحة"، وآخرين.

ووصف مراقبون هذه التغييرات، بأنها تعد "أكبر عملية تطهير في المؤسسة العسكرية"، منذ عزل مدير المخابرات العسكرية الفريق "محمد مدين" في سبتمبر/أيلول 2015.

وقبل حملة هذا العام، كان "بوتفليقة"، قد أقال في 2015، عشرات من كبار القادة في أجهزة المخابرات.

كما حل الجهاز الأمني المعروف باسم دائرة الاستعلام والأمن، واستحدث بدلا منه جهازا يحمل اسم دائرة الشؤون الأمنية يقوده اللواء المتقاعد "عثمان طرطاق"، حيث ترفع هذه الدائرة تقاريرها إلى الرئيس، وليس إلى الجيش مثلما كان الحال من قبل.

نفوذ "صالح"

وتعليقا على هذه التغييرات، اكتفى رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق "أحمد قايد صالح"، بالقول إن "الاستحقاق والجدارة" هما المعياران الأساسيان في "تثبيت نهج التداول على الوظائف والمناصب".

ويفهم من كلام الضابط العسكري النافذ في الحكم، أن التفسيرات التي أعطيت للتغيير الذي وقع رسميا بعدة مناصب عليا بالجيش، والتغييرات المنتظرة التي يتعاطى معها الإعلام، بعيدة عن الحقيقة التي لا تعدو، بحسب مضمون خطابه، أن تكون "تداولا على المناصب".

وهذا الطرح يستغربه قطاع من المراقبين، خصوصا أن "صالح" نفسه يوجد على رأس قيادة أركان الجيش منذ 14 عاما، حينما اختاره "بوتفليقة" لهذا المنصب، خلفا للفريق "محمد العماري" (توفي قبل سنوات) الذي أقاله بعدما عارض ترشحه ثانية عام 2004.

وبعد سنوات، أضاف "بوتفليقة" لـ"صالح" منصبا نوعيا، وهو نائب وزير الدفاع (وزير الدفاع هو رئيس الجمهورية بحسب الدستور)، وكان ذلك دليلا على قوة العلاقة بين الرجلين.

ولا يفوت "صالح" أي مناسبة إلا ويشيد بـ"أفضال فخامة الرئيس على الجيش وقيمة المهام التي يؤديها خدمة للجزائر".

ويقول مراقبون إن "صالح " بصدد تعزيز نفوذه بالجيش، عن طريق منحه المناصب العليا فيه لأشد الموالين، من خلال قرارات العزل، التي أصدرتها الرئاسة باقتراح منه شخصيا.

كما أن النقاش السياسي في الجزائر، حول التغييرات، يتخطى الاستحقاق الرئاسي المقبل و"بوتفليقة"، إلى رغبة قائد أركان الجيش الذي يسعى للسيطرة على مجمل مقاليد المؤسسة العسكرية، وإبعاد بعض القيادات التي قد تكون مواقفها مشوشة تجاه مشروع الولاية الرئاسية الخامسة أو غير مضمونة بشأن ذلك أو تجاه قائد الجيش نفسه، وتنافسه على مجالات النفوذ.

دعوة للتدخل

تزامنت هذه الإقالات، مع دعوة أكبر حزب إسلامي في الجزائر (حركة مجتمع السلم الممثلين للإخوان)، المؤسسة العسكرية إلى ضمان "انتقال ديمقراطي سلس وآمن"، في خطوة اعتبرها مراقبون دعوة للجيش لمنع ترشيح "بوتفليقة" لولاية خامسة.

وهي المبادرة التي رد عليها "صالح"، بالتشديد على ضرورة عدم إقحام الجيش في الخلافات الحزبية، والذي قال إن "الجيش يعرف نطاق مهامه الدستورية، ويتلقى توجيهاته فقط من رئيس الجمهورية".

وليست هذه المرة الأولى التي يدعو فيها معارضون المؤسسة العسكرية للمساهمة في دعم ما يسمونه انتقالًا ديمقراطيًا هادئًا في البلاد، لكنه عادة ما يرد الجيش في كل مرة عبر بيانات وتصريحات تقول إنه ملتزم بمهامه الدستورية وعدم التدخل في التجاذبات السياسية.

عملية طويلة

من جانبه، قال الخبير الدولي ورئيس مؤسسة استشارية "أرسلان شيخاوي"، إن "الإقالات في الجيش، عملية طويلة، والهدف منها تحويله إلى أن يكون أكثر مهنية وبعيدا عن السياسة".

في وقت وصف الباحث "مبروك كاحي"، الإقالات بأنها "مفاجئة"، وقال إنه "في الغالب تكون هناك تغييرات في الجيش عقب كل استحقاق رئاسي، لكن هذه المرة جاءت مفاجئة ومثيرة للاستغراب وعبر قناة خاصة مقربة من السلطة، وليس عبر بيان رسمي في التلفزيون الرسمي أو الإذاعة أو حتى وكالة الأنباء الجزائرية".

وأشار إلى أن "التغييرات لا تخلو من رسالة سياسية، وتغيير قادة النواحي طوفان عسكري برسائل سياسية، وهو عبارة عن رسالة بأن المؤسسة العسكرية تحت السيطرة، ورسالة أخرى بأن المؤسسة العسكرية ستكون حاضرة في استحقاق أبريل/ نيسان 2019"، وفقا لصحيفة "العربي الجديد".

جذب استثمارات

وتخضع التغيرات في الجزائر للمتابعة عن كثب لأن البلد حليف أساسي في المعركة الغربية ضد التطرف في المنطقة، كما أنه من كبار موردي الطاقة لأوروبا.

وإذا استمر هذا التحول بعيدا عن الجيش، فقد يساعد هذا المستثمرين الذين ضاق ذرعهم بتعطل تأشيرات الدخول أو طلبات التقدم لمشاريع بسبب البيروقراطية التي يهيمن عليها الجيش، وشخصيات أمنية تتشكك في الأجانب.

وقال مدير مؤسسة "نورث أفريكا ريسك" الاستشارية "جيف بورتر": "ستكون هذه الأنباء محل ترحيب للمستثمرين الأجانب المباشرين الذين سيرون في الخطوة مزيدا من التطبيع لعملية صناعة القرار داخل الحكومة".

وتريد الجزائر جذب مزيد من الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز، لإنهاء سنوات من تعطيل الإنتاج.

ودخلت الولاية الرابعة للرئيس الجزائري، عامها الأخير، إذ وصل الحكم في 1999، ومن المرجح أن تنظم انتخابات الرئاسة المقبلة في أبريل/ نيسان أو مايو/أيار 2019.

ولم يعلن "بوتفليقة"، حتى اليوم، موقفه من دعوات لترشحه لولاية خامسة أطلقتها أحزاب ومنظمات موالية، في وقت دعته أحزاب وشخصيات معارضة إلى الانسحاب بسبب وضعه الصحي الصعب.

ويتوقع الشعب الجزائري، الذي يصل عدده 40 مليون نسمة، نصفهم تحت سن 30 عاما، أن يتكرر مشهد إدلاء "بوتفليقة" بصوته في انتخابات 2014 على كرسي متحرك، لعدم قدرته على الحركة، في الانتخابات المقبلة؛ بسبب عدم اتفاق شركاء الرئيس في السلطة على بديل.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

الجيش الجزائر بوتفليقة تدخل الجيش حمس إقالات رئاسيات 2019