"لوب لوج": من يتحمل المسؤولية عن جرائم الحرب في اليمن؟

الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 01:09 ص

أثبتت الحرب في اليمن لفترة طويلة أنها واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية الحالية من صنع الإنسان.

والآن، يأتي تقرير من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يستند إلى تحقيقات مكثفة لمجموعة من الخبراء الذين دققوا في الأعوام الأربعة الماضية من الحرب، ليوثق الكثير حول هذه الحرب، ليس فقط المعاناة الإنسانية كمنتج ثانوي للقتال فحسب، بل وثق وأكد أيضا ارتكاب جرائم حرب.

وإلى حد بعيد، ارتكبت الأطراف الخارجية الرئيسية، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أكثر تلك الجرائم تدميرا، فضلا عن الحكومة اليمنية المتحالفة معها.

جرائم حرب

وقال فريق الخبراء إن لديهم أسباب معقولة للاعتقاد بأن حكومات اليمن والإمارات والسعودية مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الحرمان غير القانوني من الحق في الحياة، والاحتجاز التعسفي، والاغتصاب، والتعذيب، وسوء المعاملة، وإخفاء وتجنيد الأطفال، والانتهاكات الخطيرة بحق حرية التعبير والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما الحق في مستوى معيشي لائق، والحق في الحفاظ على الصحة.

وكان العنصر الأكثر تدميرا في الحرب هو القصف العشوائي من قبل القوات الجوية للسعودية والإمارات. وفي هذا الصدد، يقول التقرير إن "الغارات الجوية للتحالف تسببت في معظم الضحايا المدنيين الموثقين. وخلال الأعوام الـ3 الماضية، استهدفت مثل هذه الضربات الجوية مناطق سكنية وأسواقا وجنازات وحفلات زفاف ومرافق احتجاز وقوارب مدنية، وحتى منشآت طبية".

ويمضي التقرير في تقديم التفاصيل الداعمة لتلك الاتهامات. وكان تفجير حافلة مدرسية الشهر الماضي الذي أسفر عن مقتل العشرات من الصبية الصغار، من بين أحدث الحوادث التي انضمت لسلسلة من الفظائع التي ارتكبتها طائرات التحالف.

مشاركة الولايات المتحدة

وتعد الولايات المتحدة متورطة في هذا التدمير. وتشمل المساعدة الأمريكية للحرب الجوية السعودية والإماراتية إعادة التزود بالوقود في الجو، والتزويد بمعلومات الاستهداف، والاستخبارات، والمبيعات الضخمة من الأسلحة. وقدمت الولايات المتحدة القنبلة التي دمرت الحافلة المدرسية.

ولا يتوافق نفض المسؤولين في إدارة "دونالد ترامب" الدم عن أيديهم، مثلما جاء في تصريح وزير الدفاع "جيمس ماتيس" بأن المساعدات الأمريكية "ليست غير مشروطة"، وتتطلب من التحالف الذي تقوده السعودية "القيام بكل ما هو ممكن إنسانيا لتفادي الخسائر في الأرواح في صفوف الأبرياء"، مع الطريقة الحقيقية التي يتم بها خوض هذه الحرب.

وتتطابق الحقيقة أكثر بكثير مع وصف "آرون ديفيد ميلر" و"ريتشارد سوكولسكي" لما يصفونه "بالدعم السخي" من قبل "ترامب" "للسياسات الخطيرة وغير المسؤولة التي تتبعها المملكة العربية السعودية".

ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن السلوك العدواني موجود في جميع جوانب الحرب اليمنية. وتشمل جرائم المتمردين الحوثيين استخدام الأطفال كجنود. ولكن من حيث حجم المعاناة الإنسانية، بما في ذلك المعاناة الناجمة عن انتهاكات القانون الدولي للحرب، فإن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الجانب السعودي الإماراتي. وهذا هو الجانب الذي يجب أن تكون فيه المخالفات أكثر أهمية بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكية والجمهور الأمريكي؛ لأنه الجانب الذي تدعمه الولايات المتحدة.

ومن وجهة نظر القيم الإنسانية، لا يمكن الدفاع عن سياسة إدارة "ترامب" تجاه الحرب اليمنية.

ولا يمكن الدفاع عنها أكثر من حيث المبادئ القانونية أو القيم السياسية الأوسع.

وتحدث "ماتيس" عن تورط الولايات المتحدة في الحرب في اليمن على أنها تهدف إلى "استعادة الحكومة الشرعية هناك".

لكن يجب تقييم ذلك من خلال الوعي بكيفية وصول رئيس هذه الحكومة المزعوم، الرئيس "عبدربه منصور هادي"، إلى منصبه.

وكان "هادي" قد تولى المنصب عندما غادر الرئيس "علي عبدالله صالح"، الذي طالما تم اعتباره صديقا للولايات المتحدة، منصبه وسط حالة من الاضطراب في الشوارع أثناء الربيع العربي.

ويدين "هادي" برئاسته اليوم، على الأقل، لخضوعه لرعاته الأجانب في مجلس التعاون الخليجي قبل أي شيء آخر.

وتم "انتخابه" رئيسا عام 2012 في انتخابات كان فيها المرشح الوحيد، وظل في منصبه بعد انتهاء ما كان يفترض أن تكون رئاسة لمدة عامين. وهرب إلى السعودية عندما استولى "الحوثيون" على العاصمة صنعاء، وعاد إلى الأراضي اليمنية عندما جعل تدخل التحالف ذلك ممكنا، ولا يزال اليوم في الأساس مواليا للسعوديين، وهنا تجدر الإشارة إلى أن دعم الحكومات "الشرعية" كان، بالكاد، سمة مميزة لسياسات إدارة "ترامب" في الشرق الأوسط.

كما لا تتماشى سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الحرب اليمنية مع وجهة النظر الواقعية؛ حيث تكمن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وليس للولايات المتحدة مصلحة في نتائج الحرب الأهلية في اليمن.

ويعد تمرد الحوثيين متجذرا في المظالم المحلية وأهمها إهمال الحكومة لمصالح العناصر القبلية في شمال البلاد. ولا يشكل الحوثيون أكثر من تهديد بسيط لأي شخص آخر في المنطقة. وعلى الرغم من أن إدارة "ترامب"، والسعودية، توصلتا إلى توافق كبيرة حول التنديد بالصواريخ التي أطلقها الحوثيون على السعودية، إلا أن عمليات القصف هذه تعد مجرد حجارة مقارنة بالهجوم الجوي المدمر الذي تقوده السعودية، حيث لم تكن الصواريخ لتنطلق من الأصل إذا لم يقم السعوديون والإماراتيون أولا بحملتهم التدميرية.

ومن شأن إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية للمجهود الحربي السعودي الإماراتي أن يشجع السعوديين والإماراتيين على إيجاد طرق أخرى لتخليص أنفسهم من المستنقع، ومحاولة رعاية تسوية سلمية، بدلا من الاستمرار في حرب غير محددة.

الهوس بإيران

لم تكن الهواجس أبدا أساسا جيدا للسياسة. لكن الهوس الأمريكي بإيران هو الدافع وراء السياسة الأمريكية الحالية في اليمن. وقدمت إيران المساعدة للحوثيين، وهو ما أصبح حافزا للإدارة الأمريكية، التي تعارض أي شخص وأي شيء له علاقة بإيران، وتدعم أي شخص يعارض إيران.

ويفسد هذا الهوس التصورات، ويوجه الأفكار إلى أي مكان تكمن فيه التهديدات. وعلى الرغم من أن الحوثيين عادة ما يوصفون بأنهم وكلاء لإيران، إلا أنهم ليسوا كذلك، على الرغم من مدى سعادتهم بقبول المساعدات الإيرانية. وجاء الشيء الأكثر أهمية الذي فعله الحوثيون خلال هذه الحرب، وهو استيلائهم على العاصمة صنعاء، ضد نصيحة إيران.

في ضوء ذلك كان من الطبيعي أن تأتي السياسات السعودية بنتائج عكسية. فاليمن ليست مسرحا حرجا بالنسبة للإيرانيين، لكن مساعدتهم المتواضعة للحوثيين كانت طريقة منخفضة التكلفة لجعل منافسيهم السعوديين ينزفون. فكلما بدا نظام ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" مشتتا ومشغولا بالمغامرة في اليمن، كلما زادت الحوافز التي تدفع إيران لأن تستمر في تشجيع هذا النزيف.

وتعد الإدارة الأمريكية، التي تشن حربا اقتصادية ضد إيران وتهدف إلى زعزعة استقرار نظامها، جزءا من الفوضى اليمنية، وبالتالي تشارك في الفضيحة الدولية للسعوديين، الموثقة في تقرير الأمم المتحدة، وهو ما يعطي إيران حافزا أكبر لتشجيع استمرار إغراق خصومها في المستنقع.

المصدر | بول بيلار - لوب لوج

  كلمات مفتاحية

جرائم الحرب المتمردين الحوثيين التحالف السعودي الحرب اليمنية