العراق بين «انتفاضة» البصرة والحكومة «العميلة»

الخميس 6 سبتمبر 2018 04:09 ص

يقدم فتح قوات الأمن النار الحيّ على متظاهري البصرة وقتل ثمانية منهم وجرح العشرات فيما ترتفع مزادات وصفقات وألعاب تشكيل «الكتلة الأكبر» التي ستحظى بتشكيل الحكومة في البرلمان مشهداً فاضحاً عن حال العراق:

مدينة تعوم على بحر من النفط ولكنّها تعاني من إفقار مهول وتهميش ترافقه أزمة صحية متفاقمة بسبب تلوث المياه مما أدى لوقوع أكثر من 20 ألف حالة تسمم، فيما يتقاتل كبار الساسة الذين دمّروا العراق ونهبوه وحوّلوه إلى مستعمرة أمريكية ـ إيرانية على الوصول إلى سدّة السلطة ليتابعوا مراكمة الدمار والنهب والتبعية للأجنبي.

تمثّل البصرة نموذجاً كاشفاً لهذه المعادلة، فإلى غناها «الافتراضي» فإنها المنفذ المائي الوحيد في العراق، كما أن تاريخها يحفل بأسماء الشخصيات السياسية التي ساهمت في صنع العراق الحديث قبل فترة الانقلابات العسكرية والأيديولوجية، ومنها آل النقيب وآل الرشيد وآل السعدون.

وقد تعرضت المحافظة لانتقام كبير بعد امتداد النفوذ الإيراني الذي أدى إلى ما يشبه الاحتلال لمظاهرها السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية عبر أكثر من 135 مؤسسة ومدرسة ومركز برعاية ميليشيات وأحزاب تابعة لطهران.

حتى صار عناصر الميليشيات يتصرفون كجنود احتلال يستشرسون في قتل المتظاهرين أكثر من القوات الأمنية، وصارت الفارسية لغة السادة المنتصرين فيما صارت شوارعها تحمل صور وأسماء الملالي.

هذا المآل المؤسف للبصرة هو إذن كاشف كبير يساعد في فهم المشهد السياسي الجاري في بغداد (والعكس صحيح).

فرغم أن الصراع السياسي الحاصل حاليا يجري عمليّاً بين كتلتين كبريين شيعيتين، يحضر فيهما الأكراد والسنة وباقي الحركات السياسية الصغرى كتكملة عدد ضرورية، فإن شخصية مثل هادي العامري زعيم «تحالف الفتح»، المتحالف مع تكتل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لا يستنكف، حين لا تهبّ رياح المناصب تجاه سفينته، أن يقول إن الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية (أي التي لا تشكلها طهران عمليّا) هي «حكومة عميلة» مهددا بإسقاطها (أي بإسقاط إيران لها) خلال شهرين.

من المؤسف كثيراً أن يُختصر العراق، أحد أولى الحواضر الإنسانية الكبرى، والذي بدأ أول أشكال الحضارة والثقافة على الكرة الأرضية، إلى هذا المشهد السياسي المخجل في بغداد، وإلى هذا العنف الكبير ضد مواطنيه في البصرة (وقبلها في الموصل والفلوجة والرمادي والنجف وسامراء وكركوك الخ…)، وإلى هذا الفساد الهائل (أو اللصوصية المكشوفة) الذي يضع العراق في أسفل قائمة دول العالم.

وكي لا نكتفي بالمناحة على «أرض السواد»، يمكننا أن نستجمع بعض النقاط المفيدة التي يمكن البناء عليها، ومنها هذا الحراك الشعبيّ الذي يرفض الظلم.

وبدلاً من استخدام الرايات الشيعية في تبرير قتل المتظاهرين والتبعية المذلة للخارج فقد شهدنا وجهاً آخر لها في هذا الحراك حيث رفع بعض المتظاهرين راية الحسين (في محافظة كانت سنّية بغالبيتها أو مختلطة طائفيا) كتعبير عن رفض الظلم وكل النظام السياسي القائم وما يمثّله من افتقاد للأمن والتنمية والسيادة والكرامة.

يضاف إلى ذلك أن الكتل السياسية الأساسية المتنازعة، والتي تمتلك أدوات عنف وسلاحا وسطوة، مضطرة لمراعاة نتائج العملية الانتخابية ولإنتاج حلول وسط، كما أن بعضها يتجرأ، ولو لفظا (كما فعل مواطنو البصرة ضد «أولياء أمورهم» السياسيين) على «أولياء أمر» العراق الخارجيين.

ما يمكن قراءته من كل هذا أن الخروج من محنة العراق هو منجز تاريخي طويل تتشارك فيها نضالات المظلومين وطموح نخب سياسية أفضل مع تغيّر موازين القوى الإقليمية.. وإن الصبح لناظره لقريب.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

العراق «انتفاضة» البصرة الحكومة «العميلة» قوات الأمن قتل متظاهرين هادي العامري إيران محمد كوثراني