صراع النفوذ.. لماذا تزاحم الإمارات تركيا في عفرين؟

الخميس 6 سبتمبر 2018 09:09 ص

عندما ينظرون إلى عدن وحلب والبصرة وغزة والغوطة والموصل وحصار قطر، يرى الأتراك المظالم الخطيرة التي يعاني منها الناس في الأراضي العربية التي كانت تحكمها الإمبراطورية العثمانية.

وينبئ مثل هذا المنظور عن رواية تركية شعبية مفادها أنه سيكون هناك المزيد من السلام والعدالة الاجتماعية في العالم العربي لو كانت الإمبراطورية العثمانية لا تزال موجودة.

ولا شك في أن هذا الاعتقاد ليس دليلا قاطعا على أن القادة الأتراك يحاولون إحياء الإمبراطورية العثمانية من جديد، ومع ذلك، في "الشارع العربي" وفي العديد من الأوساط الغربية، يبقى التصور الشائع هو أن سياسة أنقرة الخارجية في الواقع "عثمانية جديدة".

وعلاوة على ذلك، فقد تسببت بصمة تركيا العسكرية في ثلاث دول أعضاء في جامعة الدول العربية، وهي قطر والصومال والسودان، إلى جانب تدخلها العسكري أحادي الجانب في دولتين أخريين، وهما سوريا والعراق، في دفع العديد من المسؤولين العرب إلى رؤية السياسة الخارجية للرئيس "رجب طيب أردوغان" من خلال نفس العدسة.

وبغض النظر عما إذا كانت "العثمانية الجديدة" هي الصفة المناسبة لسياسة أنقرة الخارجية، فإن تركيا تواصل دون شك إدارة سياسة خارجية طموحة في الشرق الأوسط، في ظل حكم حزب العدالة والتنمية.

ويظهر هذا بشكل خاص في سوريا، حيث تعمل أنقرة مع موسكو وطهران للتوصل إلى تسوية للأزمة تناسب مصالح تركيا.

ومع ذلك، لا يرحب العالم العربي كله بهذا الدور التركي المتزايد في الشرق الأوسط. وتعد الدولة العربية التي تقود المعارضة لسياسة تركيا الخارجية القوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الإمارات العربية المتحدة.

وفي هذا، يؤكد إدراج دول الحصار، البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات، إزالة القاعدة التركية في قطر كشرط من شروط رفع الحصار المفروض على الدوحة، عزم أبوظبي على محاربة أي وجود عسكري تركي في شبه الجزيرة العربية.

ومن وجهة النظر الإماراتية، أدى دعم تركيا للحركات الإسلامية وبالتحديد جماعة الإخوان المسلمين، إلى زعزعة عروش الدول العربية.

وفي الأعوام الأخيرة، دفعت الإمارات الخطاب المعادي لتركيا في واشنطن. وفي منتصف عام 2017، صرح سفير الإمارات في الولايات المتحدة، "يوسف العتيبة"، أن غالبية المواطنين الأمريكيين فشلوا في فهم تركيا "والتهديد طويل الأمد الذي تمثله على معظمنا".

وانضمت مصر والسعودية إلى الإمارات في معارضة أجندة تركيا في الشرق الأوسط، لا سيما بسبب مواقف أنقرة من استيلاء الجيش المصري على السلطة عام 2013، والحرب الأهلية الليبية، والوضع السياسي في غزة، وأزمة قطر.

عامل عفرين

وعندما دخل الجيش التركي منطقة "عفرين" السورية في يناير/كانون الثاني الماضي، أدان الدبلوماسيون ووسائل الإعلام الإماراتية تركيا بشدة. ورأت الإمارات عملية "غصن الزيتون"، ليس فقط تهديدا لسوريا، بل أيضا لها نفسها ولعمقها العربي. ورد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية على تدخل تركيا في عفرين عبر الحديث عن الحاجة إلى قيام الدول العربية "ببناء واستعادة مفهوم الأمن القومي العربي على أساس واقعي ومعاصر". وخلال عملية "غصن الزيتون"، أصدرت المنافذ الإعلامية الإماراتية تقارير عن عمليات نهب وسلب مزعومة من قبل تركيا، وجرائم أخرى زعمت أن تركيا ارتكبتها في الجيب الذي يهيمن عليه الأكراد.

وفي 10 مارس/آذار، قال وزير الخارجية الإماراتي "أنور قرقاش": "لا يخفى على أحد أن العلاقات العربية التركية ليست في أفضل حالاتها. ولكي تعود إلى التوازن، يتعين على أنقرة احترام السيادة العربية في التعامل مع جيرانها".

وفي هذا الشهر، ردت وزارة الخارجية التركية باتهامها كبير دبلوماسيي أبوظبي بأنه يهاجم تركيا ويشن حملة تشويه، وأكدت على "علاقات تركيا التاريخية والاستثنائية القوية مع العالم العربي"، وخصوصا القدس.

وبينما كان الجيش التركي يسيطر على "عفرين" في مارس/آذار، كان وزير الخارجية الإماراتي يزور الرئيس "عبد الفتاح السيسي" ووزير خارجيته في القاهرة.

وفي العاصمة المصرية، أشار "عبدالله بن زايد" إلى تركيا وإيران و(إسرائيل) باعتبارها الدول الثلاث غير العربية التي تقوض المصالح العربية.

وأشار على وجه التحديد إلى سوريا باعتبارها نقطة ساخنة حيث يجب على الإمارات تحسين التنسيق مع مصر والسعودية. وجاء خطاب مماثل من ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في نفس الشهر، عندما صرح، في مصر أيضا، بأن تركيا وإيران والجماعات الإسلامية المتطرفة تشكل "مثلث الشر"، واتهم "أردوغان" بالسعي لاستعادة الإمبراطورية العثمانية.

وفي المقابل، اتهمت الصحافة التركية الإمارات بدعم الإرهاب الكردي في شمال سوريا.

وقالت "يني شفق"، وهي صحيفة تركية محافظة مرتبطة ارتباطا وثيقا بـ"أردوغان"، إن أبوظبي كانت ترعى وحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني، التي استهدفتها تركيا في عملياتها في "عفرين".

وصدرت هذه الاتهامات على خلفية الادعاءات الشائعة في وسائل الإعلام التركية بأن الإمارات كانت لها يد في الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016.

كما أكدت "يني شفق" أن الإمارات ونظام سوريا تعاونا في عامي 2014 و2015، مع تقديم أبوظبي معلومات استخباراتية لدمشق عن مكان وجود "أبرز قادة المعارضة السورية"، والتي "مهدت الطريق أمام تنظيم الدولة والأكراد للتقدم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة".

وفي 29 مايو/أيار، زار مسؤولون إماراتيون، إلى جانب نظرائهم السعوديين والأردنيين، الأراضي الكردية في سوريا، التي تسيطر عليها القوات الديمقراطية السورية (تحالف الجماعات المسلحة التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية)، والتقوا بوحدات حماية الشعب في "القامشلي". ولم تؤد هذه الزيارة إلا إلى تعزيز شكوك أنقرة حول تحالف الإمارات مع وحدات حماية الشعب الكردية بهدف إضعاف تركيا.

التنافس الإماراتي التركي في سوريا

واليوم في عفرين، حيث لم يتم بعد ضمان السلام بعد 6 أشهر من هزيمة تركيا لـ "وحدات حماية الشعب"، أصبح الأتراك الآن في وضع صعب. وتريد أنقرة الآن وضع نفسها بين الولايات المتحدة وروسيا، للحصول على نفوذ أكبر في التأثير على التطورات في سوريا.

غير أن المسؤولين الأتراك يرون كيف يمكن أن يؤدي اتفاق حول سوريا بين واشنطن وموسكو إلى تقويض هذه الاحتمالات بشدة. وبما أنه لا روسيا ولا الولايات المتحدة ترى وحدات حماية الشعب الكردية عبر عدسة الحكومة التركية، تخشى أنقرة بشدة من أن تضغط موسكو وواشنطن معا على تركيا للانسحاب من الأراضي في شمال سوريا، التي حصلت عليها في وقت سابق من هذا العام.

ومما يثير القلق بشكل خاص للمسؤولين الأتراك التقارير حول اتفاق محتمل بين نظام "الأسد" والوحدات الكردية لتقاسم السلطة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن إمكانية قيام الميليشيا الكردية بالاندماج في الجيش النظامي السوري، خلال هجوم النظام لاستعادة محافظة "إدلب" من القوى الإسلامية السنية المدعومة من تركيا، يمثل تهديدا كبيرا لمصالح أنقرة.

ويمكن لمثل هذا التطور إضفاء الطابع المؤسسي على دور وحدات حماية الشعب في المشهد الأمني ​​المضطرب في سوريا، مع ما يترتب على ذلك من آثار بعيدة المدى على أمن الحدود الجنوبية لتركيا.

وفي نهاية المطاف، بالنسبة إلى الإمارات، تمثل "عفرين" الجبهة الأمامية في معركتها لتقويض نفوذ تركيا.

وضاعف المسؤولون في أبوظبي، ووسائل الإعلام الإماراتية، معارضتهم لحملة أنقرة في الجيب الكردي السوري، مما جعل الإماراتيين يتمتعون بنفوذ أكبر وقوة ناعمة بين الأكراد، وإن كان ذلك على حساب علاقات الإمارات مع أنقرة.

وبقدر ما كانت الإمارات تستثمر في كردستان العراق في العقد الثاني من القرن الماضي بعد سقوط "صدام حسين"، قد تتصور الإمارات مستقبلا في سوريا تصبح فيه وحدات حماية الشعب جزءا دائما من المشهد السياسي للبلاد، وداعما لاستراتيجيتها الأمنية.

وتمثل الفصائل الإسلامية المسلحة المدعومة من تركيا في عفرين تهديدا للنموذج العلماني الذي ترغب دولة الإمارات في رؤيته في سوريا وبقية العالم العربي، في حين تعمل تلك الفصائل على زيادة احتمال تعميق نفوذ قطر في بلاد الشام.

وبسبب غضبها من تركيا لدورها في مساعدة قطر على تجاوز الحصار الذي تقوده السعودية والإمارات، وبدافع التوتر من المكاسب الجيوسياسية والاقتصادية التركية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ترحب الإمارات باتفاق أمريكي روسي يضغط على تركيا للانسحاب من شمال سوريا، ويضع هذا "وحدات حماية الشعب" بصفتها دولة عازلة غير متحالفة مع إيران، ضد توسع النفوذ التركي.

وفي هذا المنعطف، يبدو من المنطقي أن يبرهن الإماراتيون لكل من واشنطن وموسكو على دعمهم القوي للتعاون بين القوتين العظميين، الأمر الذي دفع الإماراتيين إلى عقد اجتماع في "سيشيل" في أوائل عام 2017، قبل وقت قصير من وصول إدارة "ترامب" إلى السلطة، في سعي لإيجاد حل للحرب السورية يقلص النفوذ الإيراني ويمنع تركيا من أن تصبح صاحبة مصلحة طويلة الأمد في سوريا.

ويجب النظر إلى التنافس الإماراتي التركي في سياق انتفاضات الربيع العربي عام 2011، على خلفية الهبوط النسبي للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط المضطرب. وبعد أن تحالفا مع المعسكر المناهض للشيوعية بقيادة الولايات المتحدة طوال الحرب الباردة، برزت تركيا والإمارات كمتنافسين على النفوذ في العالم العربي، بعد صعود حزب العدالة والتنمية عام 2002.

ورأى المسؤولون في أنقرة الانفتاح السياسي في المنطقة عام 2011 كفرصة ثمينة لنشر نفوذ تركيا عبر الإسلاميين، مثل الإخوان المسلمين السوريين، وحزب الحرية والعدالة المصري، وحزب العدالة والبناء الليبي، وحركة النهضة التونسية، وحركة حماس الفلسطينية، وحزب الإصلاح اليمني.

وفي المقابل، كانت القيادة في أبوظبي تشعر بالذعر ما دفعها لتصنيف جميع الجماعات الإسلامية منظمات إرهابية.

واليوم، في جميع أنحاء المنطقة المغاربية، والجزيرة العربية، والمشرق العربي، تكافح كل من تركيا والإمارات من أجل تعزيز مصالحهما الخاصة، والتي يبدو أنها تتصادم بوتيرة متزايدة وتتجلى اليوم في المعركة متعددة الأوجه حول مستقبل عفرين التي لا يبدو أنها ستكون آخر معارف النفوذ في الشرق الأوسط الذي يزداد اضطرابه يوما بعد يوم.

المصدر | جورجيو كافييرو - لوب لوج

  كلمات مفتاحية

عفرين غصن الزيتون إدلب التنافس الجيوسياسي أبوظبي أنقرة