"بن سلمان" يؤسس نظاما قوميا قائما على الكراهية والإقصاء

الخميس 6 سبتمبر 2018 02:09 ص

يسعى ولي عهد المملكة العربية السعودية الحالي الأمير "محمد بن سلمان"، إلى تطوير قومية سعودية جديدة بين الشباب، وشعار هذا الاتجاه هو "السعودية للسعوديين" و"السعودية أولا".

وكلا الشعارين كانا بارزين في خطاب الكتاب الموالين في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي المملوكة للدولة. وليست القصة هنا مجرد حركة شعبية عفوية، بل هي مبادرة تقودها الدولة تحت رعاية ولي العهد.

نموذج "بن سلمان"

وأمام جمهوره الرئيسي من رعاياه في سن الشباب، حيث يمثل السعوديون الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما 51% تقريبا من السكان، يقدم ولي العهد نفسه كنموذج يحتذى به إذا أراد السعوديون أن تكون بلدهم بين الأمم الحديثة، وفي هذا الصدد فهو يلعب على احتياجاتهم وتطلعاتهم لتعزيز شعور جديد بالانتماء.

ويعد ولي العهد الشباب، إذا أصبح ملكا، بتوظيف أكبر، وتراث وثقافة وطنية مزدهرة، وتواصل متزايد مع العالم الخارجي، وقد سحرهم بوهم التحديث الليبرالي المتطلع نحو المستقبل. لكن الـ٥٠% المتبقين من السكان يبدوا أنهم قد سقطوا من عقل ولي العهد الشاب.

ومن خلال الاعتماد على الشباب كفئة متجانسة، يحاول "بن سلمان" حصر احتياجاتهم، وإذابة اختلافاتهم، وإلغاء تنوعهم. وتعد القومية الجديدة الشباب بالابتعاد عن الركود الاقتصادي والالتزام الديني الحازم، والمحافظة الاجتماعية التقليدية، وأنه فقط بعد تدمير القواعد القديمة، يمكن أن تولد من أطلالها الأمة الجديدة.

وتعد القومية السعودية الجديدة مبادرة من القمة إلى القاعدة، والغرض منها هو خلق عامل تماسك يربط الشباب بالملكية. ومثل جميع القوميات، يحتاج هذا النموذج السعودي الجديد إلى المثقفين ورجال الأعمال والمدافعين الشباب؛ لنشره على مستوى الجذور.

وتعد فكرة كونك "سعوديا"، بدلا من "عربي" أو "مسلم"، مفتاح خطط "بن سلمان" لتوطيد سلطته، ونجاح تحوله الاقتصادي.

ويأتي "بن سلمان" متأخرا في لعبة القومية؛ حيث تعاني روايته حول من هم السعوديون ومصيرهم ومسؤوليتهم وخصائصهم القومية من التناقضات المشتركة للقومية التي ازدهرت في أماكن أخرى في جميع أنحاء العالم.

قومية ذكورية

لا يستوي الذكر والأنثى معا في القومية السعودية الجديدة. ففي حين يتم الاحتفاء بـ"الذكورة" الفائقة في سياق التدخل العسكري السعودي في اليمن والنزاع مع إيران، تحتاج المملكة الجديدة أن تشمل النساء للمساهمة في الاقتصاد في طليعة الاحتياجات اللازمة لازدهار الأمة.

وفي حين تنجذب النساء لأفكار التحرر ومشاهدة مباريات كرة القدم في بيئة ذكورية قاسية، فإن ولي العهد يحتاج إلى مساهمتهن لتحقيق وعد اقتصاد ما بعد النفط، لكن القومية الذكورية المتضخمة تستثني أطفال النساء السعوديات المتزوجات من أجانب، فهم لا يزالون غير سعوديين.

ويمكن للمرأة أن تقود السيارة، ولكن يجب عليها أن تسعى للحصول على إذن من أولياء أمورها الذكور للسفر إلى الخارج، وعندما تريد الزواج من أجنبي، يجب على وزارة الداخلية إصدار ترخيص بذلك.

ويمكن للمرأة أن تكون مشجعة كرة قدم، وأن تحضر الحفلات الموسيقية، وأن تشاهد السيرك، ولكن إذا رقصت بطريقة استفزازية، أو احتضنت مطربها المفضل، فسوف يتم احتجازها لانتهاك الشرف الذكوري لمجموعة الشباب الذين يحتاج "بن سلمان" للإبقاء عليهم مطيعين وتحت السيطرة.

أعداء حقيقيون ومتوهمون

وتهدف القومية الجديدة أيضا إلى رسم حدود بين السعوديين والأجانب المقيمين، الذين تتضاءل أعدادهم منذ وصول "بن سلمان" إلى السلطة عام 2015، حيث غادر نحو 700 ألف أجنبي البلاد في تلك الفترة. وتسارعت برامج "السعودة" الإجبارية، التي تحظى بشعبية بين الشباب، ولكن ليس بين أصحاب الشركات الخاصة، الذين يترددون في تحمل التكلفة العالية لتشغيل السعوديين.

وتعني التأشيرات المتضخمة، ورسوم تصاريح الإقامة المرتفعة، أيضا أن المملكة لم تعد مكانا مربحا للبقاء بالنسبة لغالبية العمال الآسيويين ذوي الأجور الرديئة، وفي حين يشعر الشباب بالسعادة لأنهم يأملون أن تصبح تلك الوظائف شاغرة لهم ليعملوا بها، فإن معدل البطالة بين الشباب لا يزال مرتفعا، حيث يبلغ أكثر من 30%.

علاوة على ذلك، تعزز القومية الجديدة الجبهة الداخلية ضد أعداء حقيقيين ووهميين، مثل إيران؛ حيث لم يعد التبرير الشائع وراء الصراع مع إيران هو كفر الشيعة، ولكن سعي إيران لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، التي كانت تسيطر ذات يوم على أجزاء كبيرة من شواطئ شبه الجزيرة العربية.

وتعد القومية السعودية هنا هي القوة الدافعة للحفاظ على زخم التنافس مع إيران بين الشباب.

الاقتصاد السعودي الحديث

وأخيرا، يُنظر إلى القومية الجديدة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من خلق الاقتصاد السعودي الحديث. حيث لم يعد هناك حاجة إلى السعودي المسلم المتحمس الحريص على الدفاع عن أتباع دينه المتدينين، أو السعودي الذي يتلقى مزايا الرفاهية الفخمة من الحكومة، أو البدوي الذي يقضي معظم وقته إما في رعي الجمال أو في تأليف الشعر البطولي.

والآن، أصبحت هناك حاجة لنوع جديد من السعوديين، ذلك المواطن حامل اقتصاد المعرفة، والذي يقع في طليعة النيوليبرالية، والمستهلك لمجموعة واسعة من المنتجات، ورجل الأعمال المبدع المخاطر، الذي يرتدي جلبابا أبيض، ولكن مع هاتف ذكي.

ولم تعد المرأة بحاجة إلى أن تختفي وراء عباءتها السوداء، ولكنها تستطيع أن تقود سيارتها إلى مراكز التسوق في حين ترتدي حجابا ملونا، كرمز لحداثتها وانفتاحها على حضارة عالمية وراقية جديدة. ويُطلب الآن من السعوديين أن يكونوا قوميين، رغم ظهور تناقضات واضحة في الدعاية الحكومية.

الصراعات القبلية والإقليمية

وتصبح التناقضات أكثر اضطرابا؛ حيث تتناقض القومية السعودية مع القبلية في الصراعات الإقليمية. وقد ظهر ذلك بشكل أوضح خلال النزاع الذي دام لأكثر من عام مع قطر، عندما حشدت السعودية المجموعات القبلية السعودية ضد الإمارة الصغيرة، وشجعت شعرا بدويا مهينا لا يسيء لأمير قطر فحسب، بل يهين نسبه وشرفه.

وقد أصدر المفتي الوهابي في المملكة "عبدالعزيز آل الشيخ"، بيانا زعم فيه أن "تميم بن حمد آل ثاني"، أمير قطر، لا ينتمي لعائلته. وتم نشر البيان في صحيفة "عكاظ" السعودية الرسمية. وينحدر أمير قطر وآل الشيخ من قبيلة "بني تميم" ذات الشرف التاريخي في شبه الجزيرة العربية.

وهذه هي القبيلة نفسها التي ينحدر من نسلها مؤسس "الوهابية"، الشيخ "محمد بن عبدالوهاب"، الذي أنشأ تحالفه مع آل سعود في القرن الثامن عشر بالمملكة. ويعد نفي ذلك الأصل القبلي عن أمير قطر إهانة خطيرة في شبه الجزيرة العربية، حيث يفتخر السكان وأفراد العائلة المالكة بنفوذهم ونسلهم القبلي.

وهم متناقض

ووفقا لذلك، يُظهر مشروع الهندسة الاجتماعية التابع لـ"بن سلمان"، وهما متناقضا، مثل كل المشاريع القومية السابقة والحاضرة. فكراهية الأجانب، والقبلية، والتطرف في القضايا الخارجية، لا تكاد تتفق مع المشروع الليبرالي الجديد لتحويل المملكة العربية السعودية إلى اقتصاد منتج، ودولة متسامحة، ومجتمع منفتح.

وفي حين تعني القومية في أي بلد بالبناء، لا يبدو أن الشكل السعودي الحالي من القومية يقف على أرضية صلبة. ولا شك في أن "بن سلمان" قد ناشد الشباب بفتح المجالين الاجتماعي والثقافي، لكن الأخير يحتاج إلى أكثر من مباريات كرة القدم أو حفلات موسيقى الروك لتحويل الشباب إلى مواطنين سعوديين رياديين.

ولا يستطيع "بن سلمان" بيع كلماته وإطلاق الوعود للشباب فقط، بل يحتاج إلى جعل القومية تحقق فوائد ملموسة، مثل الوظائف، وانخفاض التضخم، وتحقيق الأمن. ولا يمكن أن يكون على رأس كل القرارات ثم يتوقع أن يكون للأمة دور في نجاح مشاريعه.

وطالما بقي الشباب فئة مستبعدة في صنع القرار وفي الحكومة، فسوف يستمتعون فقط برفع الأعلام في كل مباراة كرة قدم، والاقتصار على تشجيع لاعبي المنتخب الوطني.

لكن الاستبعاد السياسي مثل ذلك الذي تشهده المملكة لجميع المواطنين، سيجعل الأمة هيكلا هشا يتلاشى وينهار مع أقل ضغط، ولا يمكن أن ينتج ذلك سوى كراهية الأجانب والتعصب.

وسوف يتلاشى الحلم السعودي في الهواء إذا ما بقي مجرد مشروع حكومي غير مدعوم بفوائد ملموسة لجميع المواطنين.

ولتجنب الجانب المظلم من القومية المفرطة، يحتاج "بن سلمان" إلى إدراك أن الاستبعاد عدو لبناء أمة مستدامة. أما القومية المبنية على الاستبعاد، فإنها لن تبني دولة، ولن تكون مستدامة.

المصدر | مضاوي الرشيد - ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

القومية السعودية الدولة السعودية الحديثة السعودة الاقتصاد السعودي