"ناشيونال إنترست": كيف تحاول الصين السيطرة على الشرق الأوسط؟

السبت 8 سبتمبر 2018 08:09 ص

يبدو أن التوترات هي السمة السائدة للعلاقات بين واشنطن وبكين هذه الأيام، فمن الحرب التجارية المتنامية إلى وصف إدارة "ترامب" الصين بأنها "منافس استراتيجي يسعى إلى تقويض قوة الولايات المتحدة ونفوذها" في استراتيجيتها للأمن القومي لعام 2017، يبدو أن العلاقات السياسية والاقتصادية استقرت عند مستوى الحضيض.

لكن المنافسة القوية بين أقوى جيشين واقتصادين ليست محدودة بالجغرافيا، حيث تشير الصين إلى نيتها رسم المشهد الإقليمي والعسكري في الشرق الأوسط من خلال العلاقات التجارية مع دول المنطقة وكذلك من خلال عرض قوتها العسكرية الخاصة، وفي ما يلي نرصد ثلاث مناطق في الشرق الأوسط قد يؤدي تقوية المشاركة الصينية فيها إلى توترات مع الولايات المتحدة.

إيران محور حرب تجارية

النفط الخام هو سلعة استراتيجية رئيسية تستوردها بكين، وبصفتها أكبر مستهلك للنفط في العالم مع انخفاض إنتاج النفط المحلي، تهدف الصين إلى توسيع قدرتها على التكرير والتخزين لتقليل تعرضها لتقلبات سوق الطاقة العالمية، لكن هدف الولايات المتحدة المتمثل في جعل صادرات النفط الخام الإيرانية يصل إلى الصفر يهدد استراتيجية الصين القائمة على الاستيراد.

وتدل كل المؤشرات على أن بكين - أكبر مستورد للنفط من طهران - ستتجاهل العقوبات على النحو الواجب وتستمر في العمل بشكل أو بآخر كالمعتاد، كما تعتبر إيران محورًا في مبادرة الحزام والطريق في الصين، مع وصول إجمالي استثمارات البنية التحتية الصينية في إيران حوالي 8.5 مليار دولار أمريكي من القروض من بنك التصدير والاستيراد الصيني في أوائل عام 2018.

ومع إعادة فرض عقوبات ثانوية كاملة على النفط في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فإن إيران مرشحة أن تصبح النقطة المحورية للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مع احتمال حدوث آثار قاتمة.

ومن المرجح أن ترتفع أسعار النفط في عام 2019 مع غياب النفط الإيراني، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المنتجات النهائية، على الرغم من أنه من المحتمل ألا يحدث تأثيراً كبيرا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.

علاوة على ذلك، ولأن شراء النفط الإيراني يمر عبر البنك المركزي الإيراني المفروض عليه العقوبات، فإن بنك الشعب الصيني سيخضع لعقوبات ثانوية أمريكية، ويمكن أن يستجيب بنك الشعب الصيني بمجموعة من الخيارات غير المتكافئة للانتقام، بما في ذلك تخفيض قيمة العملة الصينية، واستهداف الشركات الأمريكية بإجراءات انتقامية، أو الخيار الأشد، وهو بيع بعض من سندات خزانة الولايات المتحدة التي تديرها الحكومة والتي تبلغ قيمتها 1.2 تريليون دولار.

وبالفعل، أدت التوترات التجارية الأوسع وفرض الرسوم الجمركية على واردات النفط الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر إلى تثبيط المشترين الصينيين عن شراء الخام الأمريكي، ويمكن أن يصبح حلول الموعد النهائي للعقوبات الثانوية في نوفمبر/تشرين الثاني نقطة اشتعال لمزيد من التوترات.

الصين والخليج

تعتبر العلاقات الاقتصادية والأمنية جوانب أساسية في مشاركة الصين مع دول الخليج العربي، وتحاول الصين الاستفادة من الأعمال التجارية لموازنة التوترات بين السعودية وإيران.

فعلى سبيل المثال، تفوقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري للسعودية في عام 2017، مما يجعلها الرائدة في التجارة مع كل من إيران والسعودية، وفي عام 2017، وقع العاهل السعودي الملك "سلمان"، على مذكرات تفاهم بقيمة 65 مليار دولار في بكين، وبدأت الدولتان في تنفيذ الاتفاقيات في قطاعات البتروكيماويات والتكنولوجيا والقطاعات الأخرى.

علاوة على ذلك، سعت السعودية أيضاً إلى جعل الصين مستثمراً رئيسياً في أرامكو قبل أن تلغي طرح الشركة للاكتتاب العام، ومع ذلك، أدى ارتفاع الأسعار إلى خفض الصين لوارداتها من نفط السعودية الخام في 2018.

وحاول الدبلوماسيون الصينيون أن يربطوا بين خطتي مبادرة الحزام والطريق وبين رؤية 2030، على الرغم من أن المخاوف من نظام الحكومة السعودية الغامض قد تحد من التعاون السعودي الصيني، كما أن استعداد إدارة "ترامب" الواضح للتوصل إلى اتفاق نووي مع المملكة ربما يكون قد أوجد نقطة ضغط لصالح أمريكا.

وإلى جانب السعودية، تعهدت بكين بتقديم مساعدات إنمائية بقيمة 23 مليار دولار للمنطقة خلال منتدى التعاون الصيني العربي، كما زار الرئيس الصيني "شي" دولة الإمارات في يوليو/تموز لمناقشة التعاون الاقتصادي والأمن الإقليمي، ويرجع هذا إلى أن 60% من تجارة الصين مع أوروبا وأفريقيا تمر عبر الإمارات، بالإضافة إلى ذلك، تعد علاقات الصين مع دول الخليج واعدة اقتصاديًا ويمكن أن تشير إلى قبول متزايد لنفوذ بكين.

عسكرياً، قام الصينيون مؤخراً بزيادة الدوريات البحرية بالقرب من خليج عُمان وعدن، كما أسست بكين قاعدة في جيبوتي بهدف حماية المصالح التجارية في المنطقة وربما بناء تواجد عسكري طويل الأمد، ويمكن أن تلعب الصين أيضًا دورًا بارزًا في المهمات البحرية مثل مكافحة القرصنة أو مكافحة التهريب، على الرغم من أن الولايات المتحدة وقواتها البحرية في القيادة المركزية الأمريكية ستراقب بالتأكيد التطورات عن كثب.

ومع ذلك، فإن استعداد بكين للتعامل مع طهران قد يكون مشكلة بالنسبة للتعاون في المجال الأمني، حتى مع قيام الصين بتعزيز وجودها العسكري الإقليمي، وحدت علاقة الصين مع إيران من قدرة بكين على الاقتراب من الدول العربية بشكل كافٍ لتشكل تحديًا للولايات المتحدة باعتبارها القوة الأمنية المسيطرة في المنطقة، وطالما بقيت بكين قريبة من طهران، فمن غير المرجح أن تتحول السعودية والخليج إلى الصين في أكثر من بضعة عمليات شراء لطائرات بدون طيار والمركبات الخاصة وغيرها من المعدات العسكرية، على المدى القصير.

روسيا والصين: تعاون أم تنافس؟

إن دور روسيا كقوة خارجية أخرى في المنطقة مع الصين يستحق أيضاً النظر فيه، فقد استولت موسكو على مقعد القوة العظمى في سوريا، حيث حاولت تخفيف حدة التوتر بين (إسرائيل) وإيران ووكلائها ونظام الأسد على طول الحدود الجنوبية الغربية للبلاد.

وتصرفت الصين إلى حد كبير بالتنسيق مع روسيا في سوريا، واستمرت في دعم الرئيس السوري "بشار الأسد" والانخراط في العرقلة الدبلوماسية لجهود التدخل في الأمم المتحدة منذ الأيام الأولى للحرب الأهلية، وفي حين يمكن أن تلعب الصين دورًا مهمًا في إعادة إعمار سوريا، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت بكين ترغب في القيام بذلك.

من المرجح أن يظل دعم الصين وروسيا لإيران ضمن الحدود - ليس من الواضح ما إذا كان أي من البلدين سيدعم بصدق قبول إيران في منظمة شنغهاي للتعاون على سبيل المثال- لكن سياسة طهران ستظل نقطة ضغط لدى البلدين إذا أرادا مواجهة الولايات المتحدة.

وستفسح مبادرة الحزام والطريق مساحة مثيرة للاهتمام لمراقبة ديناميكيات روسيا والصين بشكل أوسع، يمكن لاستثمارات البنية التحتية في الصين في قطاع الطاقة أن تعزز قدرة إيران على تصدير الغاز الطبيعي المسال مع خروج الشركات الأوروبية، على الرغم من أن العقوبات الثانوية ستعيق فرص إيران في دخول الأسواق الأوروبية.

ويبدو أن روسيا راضية عن هذا الوضع الراهن وستحاول إبقاء الغاز الطبيعي المسال الإيراني متجهاً نحو الشرق للحفاظ على سيطرتها على أوروبا، فهذا الترتيب يناسب على ما يبدو كلاً من موسكو وبكين، لكن في الوقت نفسه، تستخدم الصين إيران لتطوير طرق مبادرة الحزام والطريق التي تلتف على الأراضي الروسية، تاركة روسيا في معزل عن بعض فوائد هذه المبادرة.

ومن المرجح أن تتلاقى الفصائل السياسية الإيرانية في ظل الاعتداءات الخطابية والمالية التي ترتكبها إدارة "ترامب"، ويمكن أن يؤدي استمرار دعم الصين المستمر إلى تقويض الهدف الشامل للسياسة الأمريكية المتمثل في احتواء جهود إيران على ممارسة نفوذها في المنطقة، وعلى الرغم من أن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران قد تجلب الدعم من شركاء إقليميين ذوي تفكير مشابه، إلا أن أمريكا قد تخاطر بصراعات اقتصادية متصاعدة مع الصين.

ومن منظور استراتيجي، يجب على أمريكا أيضاً أن تنظر فيما إذا كان إبعاد إيران كمصدر بديل للطاقة - الغاز الطبيعي على الأخص - لأوروبا يفيد روسيا في الواقع، ويعوق هدف توحيد الحلفاء الأوروبيين ضد الكرملين.

ونظرًا لتركيز واشنطن على المحيط الهندي الباسيفيكي باعتباره المسرح الأساسي لكل من الفرص الاقتصادية وصراعات القوة العظمى في المستقبل، قد تحتاج إدارة "ترامب" أن تسأل نفسها إذا كانت تريد إشعال صراع مع الصين.

  كلمات مفتاحية

أمريكا الصين ترامب إيران روسيا السعودية الحرب التجارية