شح المياه.. القنبلة الموقوتة التي تهدد النظام الإيراني

السبت 8 سبتمبر 2018 08:09 ص

في الأسابيع الأخيرة، شهدت إيران عددًا من المظاهرات احتجاجًا على عدم وجود مياه نظيفة في جنوب غرب إيران، وتساهم آبار النفط ومصافي قصب السكر- وهي شريان الحياة الاقتصادي التاريخي للمنطقة - في الأزمة عن طريق تلويث المياه وإلحاق مجموعة من المضاعفات الصحية بالسكان.

 كما أسفرت خطوط أنابيب المياه المكسورة، وانقطاعات المياه الموسعة، والأمراض المنتشرة الناجمة عن استهلاك المياه الملوثة، إلى سخط واسع النطاق من الجهات التي تأثرت بالأزمة.

وفي حين أن الاحتجاجات ضد النظام القمعي في إيران ليست ظاهرة جديدة، فإن الزيادة الأخيرة في المظاهرات التي تركز على المظالم المتعلقة بسوء إدارة الحكومة الإيرانية للقضايا البيئية يجب أن تكون مصدر قلق كبير لمسؤولي النظام.

الجفاف يشعل السخط

على وجه التحديد، فإن السخط المتزايد في إقليم خوزستان الإيراني الغني بالنفط، الواقع على طول الحدود الغربية لإيران مع العراق، هو استجابة منطقية لسنوات من فشل السياسات والتوجهات البيئية المقلقة التي طالما ابتليت بها المنطقة، وتعد أزمة المياه في خوزستان والردود الشعبية التي تسببت بها نافذة على التحديات التي ستواجهها المحافظة في السنوات المقبلة، وقد يؤدي التدهور البيئي الذي يهدد إيران إلى ظهور تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة للحكومة الإيرانية.

لا تعاني منطقة جنوب غرب إيران ببساطة من نقص المياه النظيفة فقط، ولكن أيضًا من نقص مياه الشرب المتوفرة بشكل عام حيث أصبح الجفاف والعواصف الترابية شائعين بشكل متزايد في خوزستان، وفاقمت معدلات التبخر الأعلى من المتوسط ​​هذه المشكلة في جميع أنحاء البلاد.

ويهدد تغير المناخ بمزيد من تفاقم هذه الأزمة في السنوات المقبلة، كما يتوقع الخبراء أن هطول الأمطار في المنطقة يتوقع أن ينخفض ​​بنسبة 20% بحلول نهاية هذا القرن، ويمكن أن ترتفع درجات الحرارة بنسبة تصل إلى 5 درجات مئوية، وستؤدي هذه العوامل - بالإضافة إلى ارتفاع ملحوظ في العواصف الترابية - إلى أن يصبح الماء سلعة أكثر ندرة.

لم تتأثر أية محافظة إيرانية بشكل سلبي بهذه التطورات أكثر من خوزستان، وهي منطقة كانت منذ فترة طويلة مصدرا للقلق بالنسبة للحكومة الإيرانية، ويطلق على خوزستان في الأصل اسم "عربستان"، وهي أكبر تجمع للعرب في دولة إيران الفارسية، مما جعل المنطقة تاريخيًا معقلاً للأنشطة الانفصالية للعرب الأحواز، والاحتجاجات المناهضة للنظام، والدعوة إلى تحسين الحكم.

ورغم أن خوزستان هي أكثر المحافظات الغنية بالنفط في إيران، ومع ذلك فإن معدلات الفقر بين العرب الأحواز مذهلة، ولطالما انتقد السكان الحكومة الإيرانية لتجاهلها مصالحهم، ويلقي كثيرون باللائمة في أزمة المياه الحالية على إهمال طهران للبيئة المتدهورة في خوزستان لعقود.

وتستحق الحكومة الإيرانية المركزية بالفعل نصيبها العادل من اللوم على الحالة الراهنة لمياه خوزستان، فقد أشرف الرؤساء السابقون؛ "أكبر رفسنجاني" و"محمد خاتمي" و"محمود أحمدي نجاد" على تطوير وتوسيع الصناعات التي دمرت البيئة في جنوب غرب إيران دون أي اعتبار يذكر لتأثيرها البيئي، في حين أن الحكومة المركزية طالما تسامحت مع الفساد المتأصل داخل البيروقراطيات المخصصة لمعالجة مثل هذه المخاوف، كما أسهم بناء العديد من السدود الكبيرة المصممة لتوفير مصادر مستقرة للمياه للمصافي الصناعية، فضلاً عن عمليات التحويل المخطط لها للأنهار الرئيسية لتزويد المحافظات الأخرى بالمياه، في نقص المياه في خوزستان.

كما أن تاريخ إيران الطويل في تجاهل أو قمع النتائج العلمية التي تتناقض مع المواقف الرسمية للنظام قد خنق الجهود المبذولة لمعالجة الأزمة، حيث فر العديد من كبار العلماء والأكاديميين الإيرانيين من البلاد في السنوات التي أعقبت الثورة، وتم تجاهل أولئك الذين ظلوا يحذرون من الكارثة المقبلة، أو حتى أسوأ من ذلك؛ فقد ذهب الحرس الثوري الإيراني إلى حد اعتقال فريق من أربعين عالماً إيرانياً في مايو/ أيار بتهم التجسس، مما دمر آفاق الاتصال بين الخبراء والحكومة بشأن قضايا حماية البيئة، أما خبير المياه الإيراني، "كافح مدني"، وهو خبير شهير في مجال الحفاظ على المياه، والذي تم تعيينه كنائب لوزارة البيئة، والذي تم الاحتفاء به كخطوة في اتجاه الإصلاح، فقد واجه مضايقات مماثلة من جانب الدولة، مما أدى إلى استقالته وخروجه من إيران.

ضربة سياسية واقتصادية

من المرجح أن يزداد السخط المحلي ضد إخفاقات الحكومة في معالجة المشكلة مع تزايد ندرة المياه في خوزستان، الأمر الذي قد يؤدي إلى ظهور خطوط الصدع القائمة في علاقة خوزستان مع إيران بكاملها.

كما أن استمرار سوء إدارة مياه المنطقة سيعزز السردية الراسخة بأن الحكومة الإيرانية تنظر إلى سكانها العرب كمواطنين من الدرجة الثانية وخوزستان كمحافظة يستطيعون من خلالها استخراج الموارد دون الاستثمار في تلبية حاجات سكانها، لذلك من المرجح أن تشهد خوزستان زيادة ملحوظة في حجم وتواتر وشدة نشاطها الشعبي والاحتجاجات ضد الحكومة الإيرانية إذا ظلت أزمة المياه دون معالجة.

وإذا شهدت خوزستان طفرة أكبر في النشاط المناهض للنظام، فستكون ضربة قوية للاقتصاد الإيراني، حيث يعد حوض خوزستان موطناً لحوالي 80% من احتياطيات إيران من النفط على الشاطئ، ولعب النفط دوراً كبيراً في الاقتصاد الإيراني منذ فترة طويلة، حيث شكلت عائدات النفط أكثر من 13% من الناتج المحلي الإجمالي لإيران في عام 2016، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

وإذا أصبحت احتجاجات خوزستان منتشرة على نطاق واسع بما يكفي لتعطيل إنتاج النفط بشكل ملموس، فقد يؤثر ذلك بشكل كبير على صادرات النفط الإيرانية، فضلاً عن أسعار الطاقة المحلية.

يمكن أن تأتي هذه الاضطرابات في شكل إضرابات بين عمال النفط المحليين أو الاحتجاجات التي تدور حول البنية التحتية الأساسية للطاقة لتخلق اضطرابات عمالية، عن قصد أو غير ذلك، ويدرك الإيرانيون بشكل وثيق التأثير الاقتصادي للإضطرابات ذات الدوافع السياسية على إنتاج النفط، مع كون الإضرابات وتباطؤ العمالة في جميع أنحاء الصناعة قد تسببت في أضرار كبيرة للاقتصاد أثناء الثورة الإيرانية.

 كما يمكن أن تصبح البنية التحتية النفطية الإيرانية هدفاً أكثر تواتراً للمجموعات السنية والعربية الانفصالية، التي هاجمت خطوط أنابيب في الماضي، ويمكن أن نشهد ارتفاعاً في شعبيتها وتصاعدا في أنشطتها مع أزمة المياه التي تقنع المزيد من العرب الإيرانيين الساخطين بعدم استعداد حكومتهم لحمايتهم.

وأخيراً، يجب أن تهتم الحكومة الإيرانية بالآثار الاجتماعية والسياسية الأوسع لأزمة المياه الجارية، ففي حين أن خوزستان قد تعاملت مع أكثر الضربات خطورة لأزمة المياه، إلا أنه ليس من الممكن قصر الضرر على جنوب غرب إيران، فقد خلصت منظمة الأرصاد الجوية الإيرانية إلى أن حوالي 97% من البلاد قد تعرضت لشكل من أشكال الجفاف في مارس/آذار عام 2018 مع استمرار ارتفاع استخدام المياه على مستوى البلاد بشكل مثير للقلق، وكثيراً ما تعرضت مساحات المياه مثل بحيرة أورميا في الشمال لخطر جفافها بالكامل وأدى نقص المياه إلى اندلاع أعمال عنف في مدن كبيرة مثل أصفهان في الربيع الماضي.

وكما يمكن لأزمة المياه المتعمقة أن تزرع بذور استياء أكبر في خوزستان، فإن هذه البذور يمكن أن تتجذر في بقية أنحاء إيران.

تهديد للحكومة الإيرانية

ويعد استمرار الجفاف وزيادة معدلات الوفيات وارتفاع أسعار الغذاء بسبب نقص المياه، وانخفاض إنتاج النفط الناتج عن عدم الاستقرار في خوزستان، عوامل يمكن أن تشعل موجة جديدة من السخط بين السكان الإيرانيين على نطاق أوسع.

وتسبب أداء الحكومة في تفاقم أزمة المياه ليس فقط بسبب سوء الإدارة، ولكن أيضا لأنها اختارت باستمرار إعطاء الأولوية لعوامل مثل المكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل والحفاظ على السيطرة الاجتماعية على اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة المشاكل البيئية طويلة الأمد، ومن المفارقات أن قرار السماح بتدهور البيئة الإيرانية إلى هذا الحد، من المرجح أن يجبر إيران على مواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية أكثر أهمية على الطريق.

ومن المؤكد أن أزمة المياه في خوزستان يجب أن تسجل كمصدر قلق خطير للحكومة الإيرانية، ومن المرجح أن تصبح تهديدًا أكبر مع تزايد تأثيرات تغير المناخ في السنوات المقبلة.

في حين أن المصدر الأساسي للمشكلة هو مصدر بيئي، إلا أن الكثير من اللوم على الأزمة الحالية يقع على عاتق الحكومة الإيرانية، التي أبدت القليل من الاستعداد لمعالجة المخاوف الهيكلية الهامة التي تساهم في الأزمة، وإذا فشلت إيران في تطوير حل عملي لأزمة المياه، فمن المرجح أن يشهد المراقبون ارتفاعًا في عدم الاستقرار والاضطرابات المدنية في إيران مع تفاقم ظروف الجفاف.

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

إيران أزمة المياه خوزستان الأحواز النفط الإيراني