السعودية وإيران و"الكتلة الكبرى".. من يربح "البلياردو" في العراق؟

الثلاثاء 11 سبتمبر 2018 10:09 ص

"تحالفنا يمثل الكتلة الكبرى وهو من سيشكل الحكومة".. إعلان أطلقه تحالفان سياسيان بالعراق الأسبوع الماضي، ما زاد الصراع على أغلبية تتمكن من تشكيل الحكومة اشتعالا، وانتهى إلى تعليق جلسة مجلس النواب حتى منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، لحين الفصل فيه.

التحالف الأول هو "الإصلاح والإعمار"، ويضم كتلة "النصر" بزعامة رئيس الوزراء "حيدر العبادي" و"سائرون" بزعامة "مقتدى الصدر"، و"الحكمة" بزعامة "عمار الحكيم" و"الوطنية" بزعامة "إياد علاوي"، وعدداً من النواب التركمان والإيزيديين والصابئة والأقليات المسيحية، وأعلن يوم الأحد الماضي عن تشكيله الأغلبية.

أما التحالف الثاني فهو "البناء"، ويضم كتلة "دولة القانون"، بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي"، و"الفتح" بزعامة "هادي العامري"، ومنشقين عن ائتلاف النصر، يقودهم رئيس جهاز الأمن الوطني السابق "فالح الفياض"، وهو التحالف الذي أعلن تشكيل الأغلبية ذاتها، في خلاف بدا مجلس النواب عاجزا عن حله، وسط توقعات بإحالته إلى المحكمة الاتحادية للفصل فيه.

فلماذا تبدو الساحة العراقية هذه المرة أشبه بطاولة بلياردو تتصادم بها الكرات في سيولة لم تكن معتادة في فترة حكم "نوري المالكي" التي اصطبغت بطابع طائفي يمثل "الأكثرية الطائفية" حسبما يرى مؤيدوها؟

الكتلة الشيعية

تكمن إجابة السؤال في النظر إلى مكونات الساحة العراقية الرئيسية الثلاثة، وهي: الشيعة والسنة والأكراد، وفقا للتقسيم الطائفي والعرقي الذي رسخه الاحتلال الأمريكي للعراق بعد إسقاط نظام الرئيس الراحل، "صدام حسين"؛ ولأن "الشيعة" هم أكثرية هذا التقسيم، بحسب إحصاءات غير رسمية، فإن "وحدة" هذه الكتلة هو عنصر التغير الذي أفضى بالمشهد العراقي إلى حالة سيولة غير مسبوقة، حسبما يرى العديد من المحللين.

من هنا كان الصعود المتنامي لزعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر" الذي حرص على تقديم نفسه كـ "شيعي معتدل" بعيد عن التبعية المطلقة لإيران، واستثمر موجة الاحتجاجات الاجتماعية العنيفة بالجنوب العراقي لصالحه، عبر إظهاره تأييدا لمطالبها.

وأسفر الصعود الصدري عن انقسام بالكتلة الشيعية، التي كانت أقرب إلى التوحد الطائفي في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي"، لكنه لم يلق تجاوبا كبيرا على المستوى المحلي من قبل المكونين: السني والكردي، باستثناءات قليلة.

السنة والأكراد

في هذا الإطار، أعلنت أغلب الكتل السنية تشكيل تحالفها المستقل (المحور الوطني)، والذي استقر على خط سياسي متماسك يتبني أجندة وطنية بعيدة عن الاصطفاف الطائفي ومحاولات الاستقطاب الدائرة من التحالفين المتنافسين على تشكيل الحكومة، وفقا لما أكدته مصادر "الخليج الجديد".

أما الأكراد فلازالوا بحالة ترقب وانتظار لما سيسفر عنه السجال على الساحة الشيعية أولا، إذ يتواصل الحزبان الكرديان الرئيسيان (يمتلكان معاً 43 مقعداً) مع كليهما، وشكلا لجنة للتفاوض معهما لـ"مساومتهما" على كيفية التعامل مع مطالبهما القومية.

وتتمثل مطالب الأكراد الأساسية في عودة قوات البيشمركة إلى كركوك، والمناطق المتنازع عليها مع بغداد، ومنح إقليم كردستان 17% من الموازنة العامة العراقية، والسماح لهم بتصدير النفط.

وإزاء ذلك، استقبل رئيس إقليم كردستان ممثلين عن التحالفين المتنافسين على تشكيل الحكومة العراقية، لكنه لم يعلن انحيازا واضحا لأي منهما حتى الآن.

ولأن كلا التحالفين المتنافسين يحتاجان إلى تأييد من كتل خارج المكون الشيعي لضمان الأغلبية المشكلة للحكومة، فإن موقف السنة والأكراد يعني أن كليهما لم يحقق النجاح المرجو محليا حتى الآن على الأقل، بينما يبقى عنصر "الدعم الإقليمي" محورا مرجحا للصراع بينهما.

الرهان السعودي

ومن هذا المنظور، فإن التحالف الذي يقوده "العامري" و"المالكي" حريص على إظهار الولاء المطلق لإيران، بينما يقدم تحالف "الصدر" و"العبادي" نفسه كبديل معتدل لدول الإقليم، خاصة السعودية، التي بدت متجاوبة مع هكذا طرح.

وبدا ذلك جليا في استقبال ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، لـ "مقتدى الصدر" بجدة في يوليو/تموز 2017، ما مثل مؤشرا على تقارب واضح بين الطرفين بوساطة قادها السفير السعودي السابق بالعراق "ثامر السبهان".

وفي السياق، أعلن "العبادي" أن بغداد ستلتزم بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لحماية مصالحها، قبل أن يحدد أن "الالتزام يقتصر على عدم التعامل معها تجارياً بالدولار"، الأمر الذي لاقى ترحيبا سعوديا واستهجانا إيرانيا.

وأصبح "العبادي" بذلك فرس الرهان لتشكيل حكومة عراقية "معتدلة" من وجهة النظر السعودية، في مقابل "المالكي"، الذي أعلن انحيازا صريحا لطهران مطالبا الحكومة العراقية بأن "لا تكون طرفاً في العقوبات الأمريكية"، و"العامري" المتهم بارتباطات عسكرية عضوية مع إيران، بحكم تنفذه بجهاز الأمن العراقي وعلاقته بميليشيا الحشد الشعبي.

سجال ثنائي

وفي حين يعتمد تحالف (الصدر – العبادي) على محاولة استمالة الأكراد محليا، والسعودية (ومن ورائها الولايات المتحدة) إقليميا، يعتمد تحالف (العامري – المالكي) على تفكيك محاولات منافسه للتكتل محليا، والتحالف الوثيق مع إيران إقليميا.

وإزاء ذلك، يبدو التحالف الثاني قادرا على تعطيل منافسه، لكنه غير قادر على ضمان ذلك الطيف الواسع المطلوب لتشكيل الحكومة هذه المرة، بينما بدا التحالف الأول هشا بدائرتيه المحلية والإقليمية.

فعلى المستوى المحلي، أعلن بعض أعضاء تحالف النصر، بقيادة "فالح الفياض"، انشقاقهم عن جبهة "العبادي"، في 19 أغسطس/آب الماضي، ما عزاه مراقبون إلى السعي الإيراني إلى إضعاف تحالف (الصدر-العبادي)، وطرح طهران لـ "الفياض" كبديل لرئاسة الحكومة بعيدا عن الوجوه القديمة التي مل منها العراقيون، خاصة أن "المالكي" سبق أن أعلن عدم ترشحه لرئاسة الوزراء، أما "العامري" فهو وجه غير مقبول دوليا وإقليميا بأي حال.

وعلى المستوى الإقليمي، لا يمثل "العبادي" ضمانا أكيدا للمصالح السعودية، وإن كان أقرب إلى مساحة وسط بين التبيعة المطلقة لإيران وبين ما ترجوه الرياض.

قلب الطاولة

لكن ثمة تطورات بالداخل المحلي قد تقلب تلك الخارطة الإقليمية رأسا على عقب، بحسب مراقبين، وهي أن المرجع الشيعي الأعلى بالعراق، "علي السيستاني"، مساء أمس الإثنين، أنه لا يريد أي مسؤول سابق لرئاسة الحكومة الجديدة، ما يعني سحب بساط التأييد عن "العبادي" ووجود صعوبة كبيرة في ترشيحه.

وبإضافة مطالبة "الصدر" لـ "العبادي" بالاستقالة، في يونيو/حزيران الماضي، على خلفية التصاعد الدامي لاحتجاجات الجنوب العراقي، خاصة في البصرة، ووجود خلافات جوهرية بينهما على صعيد هذا الملف، يمكن ترجيح خلو ترشيح رئاسة الوزراء من اسم "العبادي".

ولا يبدو ثمة بديل مطروح على الساحة سوى "الفياض"، الذي أعلن "المالكي" الانسحاب لصالحه، تجاوبا مع المعطيات الإقليمية والدولية من جانب، ومع ما أعلنه "السيستاني" أيضا، ما يعني أن الرهان السعودي في تشكيل الحكومة العراقية بات على المحك.

فهل يطرح تحالف (العامري – المالكي) مرشحه ليقلب طاولة البلياردو مجددا؟ ثمة مؤشرات بهذا الاتجاه، منها حديث "العبادي" مؤخراً عن امتلاكه "وثيقة" تثبت أن التحالف المنافس له تنازل للأكراد، في مفاوضات سرية، عن المناطق المتنازع عليها، بما فيها كركوك، مقابل الانضمام إلى كتلته النيابية.

خلاف النواب

من هنا جاء الخلاف في جلسة "النواب" الأولى، إذ يعتبر تحالف (الصدر - العبادي) أن حساب الكتلة الأكبر يتم بحساب أعضاء الكتل التي يوقع "رؤساؤها" على وثيقة تحالف، بينما يرى الطرف الآخر (المالكي - العامري) أن احتساب الكتلة الأكبر يتم باحتساب تواقيع النواب وليس رؤساء الكتل.

ويفترض أن تفصل المحكمة الاتحادية في هكذا خلاف من الناحية القانونية، لكن المؤكد سياسيا، أن كرات البلياردو في العراق مرشحة لاستمرار الصدام والحركة، حتى في حال تشكيل الحكومة، التي لن يكون رئيسا ضامنا لكتلة نيابية صلبة بأي حال، بينما يجلس اللاعب السعودي بانتظار "سيناريو العبادي" الذي يبدو رهانا وحيدا يعول عليه.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أمريكا إيران نوري المالكي مقتدى الصدر سائرون حيدر العبادي النصر العراق السعودية محمد بن سلمان ثامر السبهان