"جورج فريدمان": لماذا يهتم العالم بإدلب؟

الأربعاء 12 سبتمبر 2018 09:09 ص

تقع محافظة إدلب في الجزء الشمالي الغربي من سوريا، بالقرب من البحر الأبيض المتوسط ​​والحدود مع تركيا. في العادة لا يجب ألا يهتم العالم كثيرا بمن يسيطر على هذه البقعة، لكن في الجغرافيا السياسية أحيانا تسبب الأماكن الأصغر والأكثر غموضا أكبر قدر من القلق بين القوى الكبرى وهذا هو ما تفعله إدلب بالضبط.

قد لا يكون مستقبل المقاطعة قضية عالمية لكنها أصبحت موقعا محتملا للمواجهة بين روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة ما يجبر الجميع على إعادة النظر في سياسة التحالف والعداء. وتبقى القصة الرئيسية هنا هي توازن القوة العالمي وصراعات القوى الكبرى ولا تعد إدلب نفسها أكثر من مسرح خلفي للأحداث.

في الوقت الحالي، تسيطر على إدلب قوات معارضة للحكومة السورية، ومن الواضح بشكل متزايد أن الحكومة قد فازت فقط بالحرب الأهلية التي كانت تدور رحاها منذ الربيع العربي.

وبعد أن كان "بشار الأسد" في طريقه للسقوط فإنه لم يسقط ويمكن أن نعزو بقاءه بشكل جزئي إلى عجز أعدائه عن تشكيل جبهة موحدة، فقد كانوا جميعا يكرهون "الأسد" ولا يثقون به لكنه كانوا أيضا يكرهون بعضهم البعض، وكانت هذه الكراهية المتبادلة هي حجر الزاوية للسيطرة النظامية على البلاد على مدار أكثر من 50 عاما.

ومع كون إدلب آخر قلاع المعارضة المتبقية، فإنها تعد القطعة الأخيرة من الأرض التي تقف في طريق "الأسد" إلى النصر، في حين أن القوات المعارضة المتمركزة هناك تعاني قدرا لا بأس به من التفكك والتشرذم.

هذا من شأنه أن يشكل مشكلة بالنسبة لتركيا التي تدعم بعض المجموعات المعارضة في إدلب. ويفتح سقوط المحافظة طريقا إلى تركيا يمكن للقوات السورية أن تستغله. ولكي نكون واضحين، فإن استعادة "الأسد" لإدلب لا تشكل تهديدا وجوديا للدولة التركية لكن الأتراك معادون بشكل عام للحكومة السورية، وعلى الرغم من أنهم قد يتحملون سلطة "الأسد" فإنهم لا يرون أي سبب لجعل حياته أسهل من خلال تسليم إدلب.

وهناك بالطبع تفسير آخر. يفتخر الجيش التركي بما يقرب من مليون جندي لكن بعضهم فقط مدربين ومجهزين بشكل جيد وهو ما فرض قيودا على قدرة أنقرة على تغيير الحقائق في إدلب بشكل جذري. وفي عام 2016، قام الجيش بانقلاب فاشل ضد الحكومة التركية التي قضت الفترة التالية تركز على تشديد سيطرتها على القوات المسلحة ولم يكن الزج بوحداتها الرئيسية في نزاع أجنبي مسارا مثاليا للعمل وكان من الأفضل أن تستعيد أنقرة السيطرة على الجيش بينما تنشر قوات محدودة في سوريا وهذا يفسر سر تدخل تركيا المحدود لدعم بعض الجماعات السورية وتحجيم نفوذ الأكراد في الوقت الذي تنأى فيه أنقرة بنفسها عن الصراع الأوسع.

محددات جيوسياسية

بدورها تدخلت روسيا في سوريا أيضا في أعقاب انهيار الأوضاع في أوكرانيا حيث ظهرت حكومة مناهضة لروسيا في دولة عازلة حاسمة. لم يكن لدى روسيا مصلحة استراتيجية واضحة في سوريا ولذلك فإن تدخلها أثار الكثير من التكهنات.

ففي حين اعتقد بعض المحللين أن روسيا أرادت السيطرة على خطوط أنابيب النفط ووضع قوة بحرية كبيرة في سوريا فإن هذا الرأي يفتقر إلى إدراك أن روسيا لديها بالفعل ما يكفي من النفط وأن كل ما تحتاج إليه هو رفع أسعاره، كما أن حلمها لامتلاك قوة كبيرة في المتوسط كان من الممكن أن يتحول بسهولة إلى كابوس لأن أي قوة تضعها في البحر المتوسط سوف يعتمد بقاؤها وأمنها بشكل كبير على مضيق البوسفور الذي يتحكم به الأتراك ويمكن أن يغلقوه إذا اقتضت الظروف.

كان السبب الحقيقي وراء تدخل روسيا في سوريا إذن هو إظهار أن بإمكانها التصرف كقوة عظمى. ورغم أن إنقاذ "الأسد" وهو حليف روسي كان هدفا ثانويا فإن كان مهما ولهذا السبب فإن روسيا اضطرت إلى دعم الهجوم على إدلب لكن المشكلة الكبرى في هذه المعركة أن ستدخل روسيا في صراع مع تركيا التي تحالفت معها في كثير من المواقف في الآونة الأخيرة.

من الناحية الجيوسياسية الخالصة، فإن التحالف الروسي مع تركيا سوف يفيد روسيا حيث سيمكنها من وضع أسطولها في البحر المتوسط وتثبت استقرار القوقاز وتحسين وضعها في مواجهة الولايات المتحدة. ووفق هذه المعايير يبدو أن دعم الهجوم على إدلب سيكون أمرا غير عقلاني للروس. على الجانب الآخر، أصبح الأتراك أكثر عدائية تجاه الولايات المتحدة التي زادت مؤخرا التعريفات الجمركية على تركيا بسبب الخلاف حول احتجاز قس أمريكي وبسبب اتجاه أنقرة لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسي "إس -400"، وتعد تلك لحظة مثالية لروسيا لمد جسور التواصل مع تركيا.

ولكن المشكلة الرئيسية هنا تكمن في إيران التي توسعت قوتها في اليمن ولبنان وسوريا. وفي سوريا، ساعدت إيران وحزب الله في تأمين انتصارات "الأسد" وشاركت قواتهما بشكل فعلي في القتال. وكان الغطاء الجوي الروسي حاسما لتسريع انتصارات "الأسد" لكن روسيا لم تشارك بأي قوات برية في القتال.

ولا تعد مشاركة روسيا في معركة إدلب حاسمة رغم أن النظام سيرحب بها بكل تأكيد، وسوف تكون إيران سعيدة بأخذ زمام المبادرة مما سيترك روسيا معزولة في مكان لا تريده، وعالقة بين إيران و(إسرائيل) لتي أصبحت معادية للتوسع الإيراني بشكل متزايد وهاجمت مواقعها في سوريا في أكثر من مناسبة.

كانت كل هذه التعقيدات حاضرة في عقول قادة روسيا وإيران وتركيا الذين التقوا الجمعة لمناقشة الوضع في إدلب. وأظهرت روسيا وإيران دعمهما للهجوم لكن تركيا لم تفعل. ويعد هذا اختبارا فوريا لحدود العلاقة بين روسيا وتركيا واقترحت روسيا وضع قوات لنظام "الأسد" على الحدود مع تركيا الأمر الذي لم تره أنقرة مجرد تهديد ولكنه تهديد "مهين" أيضا. وبهذه الخطوة، يبدو أن روسيا أعاقت الآمال في إقامة تحالف طويل الأمد مع تركيا.

وربما اعتقدت روسيا أن هذا التحالف لم يكن أكثر من حلم يمكن أن يحجبه الأتراك في أي لحظة. ولكن المؤكد اليوم أن سيطرتها على النتائج في سوريا - السيطرة التي كانت حيوية في وقت سابق- لم تعد اليوم ذات أهمية.

يريد النظام السوري السيطرة على إدلب وتريد الحكومة الإيرانية حقاً أن تكون أفضل حلفاء "الأسد" وأكثرهم موثوقية، ولم تكن معارضة روسيا للهجوم قادرة على إيقافه حتى لو أرادت موسكو ذلك. وكانت تلك المعارضة لتجعلها فقط أكثر انعزالا لذا فقد قررت الانحياز إلى النظام - مجبرة لا مختارة- في نهاية المطاف.

العودة إلى ضبط المصنع

ثم هناك الولايات المتحدة التي تلتزم الهدوء النسبي حتى الآن باستثناء جيوب صغيرة للمعارضة والميليشيات الكردية. ونقلت الولايات المتحدة المزيد من القوات للمنطقة ولكن عددها لا يزال ضئيلا. وهذا يثير المخاطر بالنسبة لروسيا التي ستكون حذرة من سقوط ضحايا أمريكيين مما قد يجبر واشنطن على الرد في الجو، نظرا لتفوق واشنطن الجوي.

ولا يزال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" يلعب على عواطف جمهوره المحلي ولا يستطيع تحمل أي هزيمة في حين أن القوة الجوية الإيرانية بعيدة بآلاف الأميال عن القدرة على منافسة نظيرتها الأمريكية. ويبدو أن قرار الولايات المتحدة إلقاء نفسها في هذا المزيج - رسميا من خلال فرض حظر على استخدام الأسلحة الكيميائية وضمنيا من خلال زيادة قدرتها على شن الغارات الجوية - يغير الديناميكية الحالية بأكملها.

إذا كنت على صواب في افتراض أن روسيا تفقد السيطرة على الوضع فإن انخراط الولايات المتحدة على أي مستوى في إدلب ليس شيئا تريده موسكو ولا تريده إيران.

في غضون ذلك، ومع تحول روسيا من كونها حليفاً لتركيا إلى تهديد لها، فإن الولايات المتحدة تنتقل إلى دورها القديم كضامن للأمن القومي التركي. لم ترغب تركيا في إرسال قواتها الخاصة إلى القتال في إدلب، وبالنظر إلى قوتها الجوية، فإن لدى الولايات المتحدة خيار المشاركة بدون قوات ضخمة على الأرض وهنا تنتفح إمكانية العمل من جديد مع تركيا. وهذا يترك روسيا في مأزق، مع كونها لم تكن ترغب في مهاجمة إدلب من الأساس ولكنها وجدت نفسه مجبرة على ذلك للحفاظ على مصداقيتها مع نظام "الأسد"، ولكن تكاليف الهجوم ستكون كبيرة ما سيضع روسيا أمام خيار كبير، ومن ناحية أخرى فإن إيران ستكون أمام خيار آخر في دفع حليفها السوري إلى محرقة كبيرة محتملة.

كل هذا يحدث في مقاطعة واحدة لم يسمع عنها الكثير من الناس، ناهيك عن أن يهتموا بها. وليس من الواضح بعد ما الذي سيحدث في نهاية المطاف وغالب ظني أن الروس سيمارسون تأثيراً كافياً لتأجيل أو إلغاء الهجوم. وسيقوم الأتراك كعادتهم بالمساومة بالشكل الجيد مستبقين أي تفهم بين موسكو وواشنطن. وسيحاول الإيرانيون استخدام هذا الموقف لتحويل النظام السوري بعيدا عن روسيا، لكن "الأسد" أكثر دهاء من أن يسلم نفسه لجهة واحدة. بالطبع، يمكن أن أكون مندهشًا لرؤية الروس يقودون القتال في إدلب، ويضعون قواتهم عرضة لهجوم مفتوح من العدو، لكن عملية إعادة التنظيم الاستراتيجي المتوقعة تبدو أكثر أهمية حيث تعيد ضبط ميزان التحالفات في العالم إلى حالته الأًصلية قبل أن يأتي أحد في العالم على ذكر إدلب على الإطلاق.

المصدر | جورج فريدمان - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

إدلب روسيا سوريا تركيا إيران الولايات المتحدة