عالم الروايات في مصر.. الباب الخلفي لتمرير الرسائل السياسية

الخميس 13 سبتمبر 2018 12:09 م

"على أعتاب الموت أو الاعتقال، وقف يروي لابنه تفاصيل الماضي، وكيف يتجه اتحاد الشباب الإسلاميين والليبراليين لإنهاء حكم عسكري طاغٍ جثم على صدر مصر بعد الانقلاب على رئيسه المنتخب".

ليست تلك الكلمات ملخصا لمقال رأي في صحيفة مصرية، ولا خطبة سياسية لأحد الرموز والمشاهير، وإنما رواية للكاتب المصري الشهير "عزالدين شكري فشير" حملت اسم "باب الخروج".

وتنبأ "فشير" خلال الرواية بأن يستحوذ الإخوان على معظم مقاعد البرلمان ثم الرئاسة، قبل أن ينقلب الجيش على الرئيس المنتخب لفشله في إدارة عدد من الملفات، وتجري مجازر واسعة.

ورغم انطباق عدد من تفاصيل الرواية على الواقع، فإن كثير من القراء اعتبروها أملا في الخروج من المأزق الحالي، وتجاوز الأجيال الجديدة خلافات الماضي.

انتباه الرقيب

ولا تعد رواية "باب الخروج" استثناء من القاعدة، إذ شهدت سوق الروايات المصرية رواجا لم تشهده منذ عقود، وسجلت بعض الروايات المصرية أرقام طبعات غير مسبوقة، وتحول بعضها إلى أعمال سينمائية، أو ربما يشق طريقه إلى الدراما التليفزيونية.

لكن الرقيب الغافل عن عدد من تلك الروايات تنبه مؤخرا لأهميتها عندما صدرت عن أسماء سياسية بارزة، حيث تدخل النظام لمنع نشر وتداول رواية "جمهورية كأن" للكاتب "علاء الأسواني" التي ناقش فيها أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ورغم نقده لجماعة "الإخوان المسلمين" المعارضة على صفحاتها فإن النظام اعتبرها مروجة لعودة التحالف معهم وحظرها.

لكن كثيرا من تلك الرسائل السياسية في الروايات أفلتت من مقص الرقيب المتنبه لمقالات الصحف، وخطابات السياسة، وراحت تثيرها في عوالم الخيال والرواية، بل وتناقش بعض قضايا الثورة وحلمها ومطالبها من خلال أحداث الروايات.

وحتى رواية "جمهورية كأن" المحظورة، وصلت إلى عدد من القراء عن طريق الشحن الفردي من لبنان، أو عن طريق شبكة الإنترنت.

تتناسب طرديا مع القمع

ويكرر نشاط سوق الروايات تجربة سابقة عند منع كثير من الكتاب والصحفيين من الكتابة والنقد في أيام الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" فاتجهوا إلى الروايات، كما أن القراء الذين افتقدوا تعدد الآراء في الصحف حينها وجدوها في الروايات، ما أحدث رواجا ملحوظا.

كما أن كتاب اليسار الممنوعين في زمن الرئيس الراحل "أنور السادات"، راحوا يروجون لحلمهم الناصري أيضا على صفحات الروايات.

"الأنظمة القمعية ساهمت فى تطور فن الرواية، ومنحت الأشكال الروائية ولادة جديدة"، هكذا سبق أن أشار الناقد الفلسطيني "فيصل دراج" في تصريحات سابقة إلى تلك الظاهرة، مؤكدا أن "الأنظمة القمعية أسست لبلاغة المقموعين، حيث ظهرت الرواية العربية مدافعة عن كرامة الإنسان ، ومتصدية للسلطة المستبدة".

أحد بائعي الصحف والروايات في ميدان لبنان بالقاهرة، جدد الإشارة إلى تلك الظاهرة خلال حديثه لـ"الخليج الجديد"، مؤكدا زيادة الإقبال على الروايات وقلة الإقبال على الصحف، وهو ما اضطره لتقليل أعداد الصحف التي يحصل عليها بسبب إعادة معظمها يوميا.

وأضاف وهو يشير بيده إلى أعداد الروايات التي حرص على إبرازها: "لكن الروايات ما شاء الله.. الشباب بيخطفوها".

ظهور الإسلاميين

لكن الرواج الحالي لسوق الروايات في مصر، سجل ظهورا نادرا للروايات الإسلامية من جديد، فمنذ الكاتب الراحل "نجيب الكيلاني"، لم يسجل الأدباء الإسلاميون ظهورا بارزا في ميدان الرواية، وبدا أن المشاركة الخجولة للإسلاميين في ذلك المضمار قد انتهت.

لكن الإسلاميين الذين فقدوا قنواتهم الفضائية وصحفهم ومواقعهم الإلكترونية بعد انقلاب الجيش على أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد، "محمد مرسي"، بدأت رواياتهم تسجل حضورا مجددا على الساحة، وظهرت أسماء مصرية جديدة حرصت على التعبير عن هويتها الإسلامية، من بينهم أسماء مثل "دعاء عبدالرحمن" (أصدرت عددا من الروايات) و"منى سلامة" و"سامية أحمد" و"مصطفى صبيح" وإن كانت معظم مشاركتهم تنقصها الخبرة.

ومن أبرز تلك الأسماء التي ظهرت بين الروائيين المحسوبين على الإسلاميين، التونسية "خولة حمدي"، التي لقيت رواياتها الثلاث رواجا كبيرا في مصر، وتحولت روايتها الأولى "في قلبي أنثى عبرية" إلى مسرحية جرى عرضها أكثر من مرة على أحد مسارح "الهوسابير" في وسط القاهرة.

وبينما تدافع "خولة حمدي" عن الإسلام بشكل واضح في روايتها الأولى "في قلبي أنقى عبرية" من خلال الحوار بين أبطال الرواية، فإنها عادت لتمرر رسائلها السياسية ببراعة في روايتها الثانية "غربة الياسمين".

"خولة" حملت بشكل بارع في ثنايا أحداث القصة على الإسلاميين الذين يشوهون الإسلام من خلال ممارساتهم، كما رفضت المسلمين الذين ذابوا تماما وتخلوا عن هويتهم، وأحيت فكرة الاندماج الإيجابي رغم صعوبتها.

في روايتها الثالثة "أن تبقى"، ناقشت "خولة" من خلال قصة خيالية على لسان أحد شخصيات الرواية فكرة الانقلاب على الإسلاميين وتشويههم من قبل الأنظمة كلما حققوا نجاحا، ورسمت الوطن في صورة السفينة، وكيف أن أحد الذين رفضوا تهميش الشعب من الإدارة العليا جرى تهميشه هو شخصيا وإبعاده وإلصاق تهمة العنف به، حتى غرقت سفينة الوطن.. وطالبت القراء برسم سيناريوهات بديلة للنجاة.

ليس الإسلاميين فقط

الكاتب الروائي "إبراهيم عبدالمجيد" صاحب التوجه اليساري المعروف، انقطعت مقالاته التي كان ينشرها في صحيفة "الأخبار" (حكومية)، لكن رواياته لم تنقطع عن الشارع المصري.

أحدث روايات "عبدالمجيد"، يمزج فيها المؤلف بين الواقع والفانتازيا، ويتحدث عن الصحفي "نور قنديل" و"نجوان" اللذين مات حبيب كل منهما أمام عينيه في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أسقطت نظام حكم الرئيس الأسبق "حسني مبارك".

يحكي "إبراهيم" كيف أن كلا منهما يجد كل منهما العزاء في الآخر، قبل أن تتطور أحداث الرواية لاحقا.

الهجرة إلى عالم الرواية

لكن الهجرة إلى عوالم الرواية، لم تكن للكتاب وحدهم الذي وجدوا فيها متنفسا لآرائهم التي انسدت في طريقها وسائل الإعلام والتعبير، وإنما هجرة الشباب والقراء الذي هاجروا من انتكاسات الواقع وآلامه إلى خيال الرواية وأحلامها.

"هدى.أ" شقيقة أحد المعتقلين السياسيين في مصر، شرحت لـ"الخليج الجديد" كيف برعت في تهريب الروايات إلى شقيقها الذي طلب منها إدخال الروايات إليه بسبب حظر إدارة السجن للكتب والروايات.

وأضافت: "أخي من أنصار جماعة الإخوان، فوجئت أنه يطلب مني محاولة إدخال الروايات، ليس الكتب الدينية كعادته.. هذا الطلب دفعني إلى عالم آخر لم أكن أتصور وجوده".

وتابعت "اكتشفت بعدها أن زملاء أخي من المعتقلين يتبادلون تلك الروايات بشغف كبير، وبدأت أقرأ تلك الروايات التي أشتريها قبل إرسالها لأخي".

وكشفت عن نقطة تحولها قائلة: "إحدى هذه الروايات، قال لي إن كاتبها نجيب الكيلاني وصف أحوالنا في السجن كأنه يعيش بيننا، رغم أنه توفي منذ فترة، ما دفعني لقراءة عمالقة الشمال التي تؤرخ لأحداث في القرن الماضي بنيجيريا".

"الروايات أحلى من الأفلام".. هكذا لخصت "هدى" رأيها في تجربة الروايات.. وقالت "في الرواية أنا أعيش عالمها وأختار أبطالهم وأرسم ملامحهم، الفيلم يفرض علي كل ذلك".

ومضت قائلة: "في الروايات عشت انتصارات الخير بعد الصعاب والمحن، ورأيت كيف أن الثورات تنجح وتبني دولا رائعة رغم كل الهنات والهفوات.. ربما لذلك السبب يطلب مني شقيقي وزملاؤه الروايات بإلحاح وينتظرونها من زيارة لأخرى كأنها كنز، إنهم يحتاجون الأمل، والعالم الفسيح الحر، وليس ضيق الزنزانة والشعور بالعجز".

وتابعت قائلة: "أنا لست من الإخوان، ومعظم روايات الإسلاميين لم تعجبني، لأن فيها خطبا ودروسا دينية وليس روايات، وهذا بسبب عدم احترافهم، أعتقد أن عليهم تطوير قدراتهم أكثر.. لكن بعضها فاجأني وصدمني من مستواه الرائع، ولذلك اشتريتها لأخي".

لكنها أكدت أن شقيقها لم يطلب منها روايات إسلامية فقط، وإنما روايات عالمية أيضا.. "الروايات هي اختيارهم الأول؛ خاصة إذا كانت تتماس مع وقائع تاريخية حاسمة"، بحد قولها.

النظام والروايات

لكن تمرير الروايات إلى داخل السجن لم يكن دائما سهلا، إذ لقي معارضات ومنعا، اضطر معه أحد المعتقلين السياسيين (علاء عبدالفتاح) إلى رفع دعوى قضائية أمام القضاء الإداري للحصول على إذن بالسماح بإدخال الصحف والكتب إليه في محبسه.

محام مصري، طلب عدم الكشف عن هويته، أكد أن القانون أو لائحة السجون ليس فيه ما يمنع أصلا دخول الكتب بمختلف أنواعها، بل هناك مكتبة في السجن من المفترض السماح للسجناء بالوصول إليها بحرية والاستعارة منها.

وأضاف المحامي، في حديثه لـ"الخليج الجديد" أن الواقع والتطبيق شيء آخر، إذ يجري منع كل شيء تقريبا، وحتى الروايات أيضا.

وبسخرية واضحة يشير إلى واقعة اعتقال شاب مصري كان يسير في الشارع وفي يده رواية الروائي العالمي "جورج أورويل" التي تحمل عنوان "1984" والتي يتحدث فيها عن نظام قمعي شمولي، وقال: إذا كان النظام يعتقل قارئي الروايات في الشارع.. هل تريده أن يسمح بزيادة الوعي والثقافة للمعتقلين في الداخل؟".

لكن لمنع الروايات بعدا آخر، بحسب المحامي، إذ إن إدارات السجون تعرف أن الكتب والروايات، بجانب الثقافة، تخفف حدة السجن والوقت والألم، و"الداخلية تتفنن في التضييق وتكدير المعتقلين"، بحسب قوله.

وفي تصنيفه لأفضل الروايات المصرية في عام 2017، أشار موقع "إضاءات" المصري البحثي، في النبذة المختصرة لكل رواية إلى أن لها بعدا سياسيا تناولت فيه أحداثا من ثورة 25 يناير/كانون الأول وما أعقبها.

ورغم أن كثيرا من تلك الروايات، هي روايات اجتماعية أو حتى رومانسية، فإن تماسها مع أحداث الثورة ووقائعها جعلها في النهاية سياسية بامتياز، تمرر رأيا أو جانبا من فكر الكاتب حول الأحداث المعاصرة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روايات خولة حمدي إبراهيم عبدالمجيد باب الخروج أن تبقى ثورة 25 يناير غربة الياسمين