طريق الخلاص من حكم "السيسي".. تعلم الدروس وتوحيد الصفوف

الجمعة 14 سبتمبر 2018 12:09 م

شهد يوم 14 أغسطس/آب 2018 الماضي مرور 5 أعوام على الذكرى الأشهر في تاريخ مصر الحديث؛ حيث قتلت قوات الأمن أكثر من 800 مدني، معظمهم في ميدان "رابعة العدوية" بالقاهرة، والذين كانوا يحتجون على انقلاب عسكري جرى في 3 يوليو/تموز 2013.

ومنذ ذلك الحين، أصبح قمع النظام للمعارضين مشهدا يوميا، وشمل ذلك إصدار القضاء عقوبات صارمة بحق الكثير منهم.

وفي 11 سبتمبر/أيلول الجاري، أمرت لجنة قضائية مصرية بمصادرة أصول أكثر من 1100 مؤسسة خيرية، يقال إنها تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين"، التي تم تصنيفها بقرار حكومي كـ"جماعة إرهابية"، في ديسمبر/كانون الأول 2013. وسيكون لقرار المصادر هذا تأثير واسع النطاق على المجتمعات المهمشة عبر البلاد.

ويصر الرئيس "عبد الفتاح السيسي" على أن تحركات الجيش (خطوة الانقلاب) أنقذت الديمقراطية في مصر، وأن احتجاجات الشوارع في 30 يونيو/حزيران 2013، التي طالب خلالها عشرات الآلاف من المصريين باستقالة الرئيس "محمد مرسي"، عبرت عن غضب واسع النطاق من جماعة الإخوان المسلمين.

وأفاد العديد من الصحفيين بأن تلك الاحتجاجات لم تكن تلقائية.

وفي الواقع، قام قادة حركة "تمرد"، التي حشدت لمظاهرات يونيو/حزيران 2013، بتنسيق خططهم مع الجيش، وبمساعدة من وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية.

ومع ذلك، فإن الادعاء بأن الاحتجاجات "مصطنعة" ليس دقيقا تماما.

إذ كان كثير من المتظاهرين وزعماؤهم يخشون بصدق أن تستخدم جماعة "الإخوان المسلمين" المؤسسات الديمقراطية لفرض أجندة إسلامية من شأنها الإضرار بمصالح المصريين العلمانيين.

ومنذ ذلك الحين، عمل "السيسي" وحلفاؤه بجد على ضمان ألا يشكل الإخوان مرة أخرى تهديدا انتخابيا.

ولتحقيق هذه الغاية، ألغى "السيسي" الدور "المحدود" للبرلمان، الذي لعبه بين عامي 1974 و2011، تحت مظلة "الحكم المطلق".

وعوضا عنه، يحاول الرئيس المصري بناء نظام جديد أكثر انغلاقا، يمثل حكم الفرد المطلق.

وساعد الدعم الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي الأمريكي في دعم مشروع "السيسي".

وبالمثل، كان الدعم الاقتصادي والدبلوماسي من الإمارات والسعودية فعالا.

لكن الدافع إلى الاستبداد الكامل كان في النهاية توجها محليا. 

وبالتالي، فإن احتمالات إعادة فتح المجال السياسي ولو بشكل متواضع في مصر يتوقف على بعض التحول في التوازن المحلي للسلطة السياسية.

النظام والدولة

وتعد أهم القوى الداخلية التي تدعم النظام هي الأجهزة العسكرية والأمنية.

ولا يمتلك الجيش القدرة على قمع المعارضين فحسب، بل أيضا توفير شبكة كاملة من الحماية والرعاية الاقتصادية إلى الدوائر الانتخابية الرئيسية.

ويعطي توغل الجيش في الاقتصاد "السيسي" وحلفاءه حافزا كبيرا لمتابعة المشروع الاستبدادي، وفي الوقت نفسه رعاية المصالح العسكرية والمؤسسية للجيش.

ويرى جنرالات الجيش أن حماية الوحدة والتماسك والهوية الوطنية للدولة مهمة مقدسة.

وفي الواقع، لعب خوف "السيسي" من أن يشكل "مرسي" تهديدا وجوديا للدولة المصرية دورا رئيسيا في قراره بإسقاط الزعيم المنتخب ديمقراطيا.

وإلى جانب تحالفه مع الجيش، يحتاج "السيسي" إلى دعم القادة السياسيين المخضرمين، الذين كانوا على صلة بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل بعد عهد "حسني مبارك"، كما يحتاج لدعم العدد الهائل من المؤسسات المرتبطة بالدولة.

ويؤكد رده الصارم على رغبة العديد من القادة السياسيين والعسكريين من النظام القديم، بمن فيهم الجنرالان "سامي عنان" و"أحمد شفيق" لخوض الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان 2018، عزم "السيسي" على الحفاظ على وحدة النظام، وبالتالي معاقبة أي أشخاص يظهرون تحديا من داخل المستويات العليا للنخبة السياسية.

ومن بين القادة المخضرمين الذين تم الضغط عليهم للانسحاب من سباق 2018 كان "محمد أنور السادات"، وهو مسؤول سابق في الحزب الوطني الديمقراطي، وابن أخ الرئيس الراحل "أنور السادات"، وقد طُرد من البرلمان في فبراير/شباط 2017؛ بسبب إثارة مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية.

ومع ذلك، فإن كل جهد لاحتواء المعارضة يخاطر بإثارة المزيد من سخط النخبة.

وظهر الطابع المزدوج لحالة قمع الدولة في أغسطس/آب 2018، عندما قبضت السلطات على "معصوم مرزوق"، وهو مساعد سابق لوزير الخارجية؛ لأنه اقترح، عبر "فيسبوك"، إجراء استفتاء على قيادة "السيسي".

وقال المرشح الرئاسي السابق، "حمدين صباحي"، الذي أيد استيلاء "السيسي" على السلطة عام 2013، في مؤتمر صحفي: "نعتقد أنه يجب تغيير هذا النظام. هذه هي السلطة الفاشلة. هذه هي السلطة القمعية".

وقال "السادات"، البرلماني الذي تم طرده، إن الوقت حان "لإصلاح سياسي حقيقي، ولكي يستمع الرئيس والدولة إلى المعارضة".

ولهذه الصدوع الصغيرة في النخبة السياسية أصداء في جهاز الدولة الواسع.

وواجه "السيسي" انتقادات من جامعة الأزهر التي تمولها الدولة، وهي ساحة التعليم المرتبطة بالمؤسسة الدينية.

وفي الواقع، تصادم شيخ الأزهر "أحمد الطيب" علانية مع "السيسي" في مجموعة من القضايا، بما في ذلك دعوته للأزهر "لتجديد" الإسلام.

كما ظهر تمرد محدود في القضاء؛ حيث أبطلت العديد من المحاكم العليا بعض الأحكام الصارمة المفروضة على مئات المصريين المتهمين بدعم "جماعة إرهابية" (أي الإخوان المسلمين).

وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، رفضت المحكمة الدستورية العليا أحد البنود الرئيسية في قانون يمنح النظام سلطات غير مسبوقة لقمع المعارضة.

وتعد المظاهرات العامة التي تنظمها بعض النقابات المهنية الرائدة، التي تمولها الدولة، وتنسق بشكل وثيق مع الوزارات الحكومية، من الأمور المثيرة للقلق.

وفي أعقاب انقلاب يوليو/تموز 2013، دعم قادة بعض هذه النقابات "السيسي".

لكن خلال الأعوام الأربعة التالية، قامت نقابات المحامين والصحفيين بمهاجمة النظام صراحة لإعاقته حرية التعبير.

ونظرا لصلتها بالطبقة الوسطى المهنية الشاسعة في مصر، فإن تعبيرات المعارضة هذه تشير إلى أن قطاعا اجتماعيا رئيسيا يعتمد على حماية النظام يتفكك بصورة متزايدة عن حماته المفترضين.

ولم تشكل أي من هذه الشقوق المحتملة في النظام، أو في المؤسسات المرتبطة بالدولة، خطرا سياسيا جديا على مشروع "السيسي".

ومع ذلك، يمكن للمعارضة النقابية أن تكون ذات أهمية سياسية أكبر إذا تمكن قادة المعارضة السياسية، التي لا تزال منقسمة، من تضييق الخلافات الاجتماعية واختلافات الهوية الواسعة في صفوفهم.

ويتطلب أي جهد لإصلاح هذه الانقسامات أولا تقييما رصينا من قبل قادة المعارضة، وخاصة من جماعة "الإخوان المسلمين"، للدروس الصعبة التي خلفتها التجربة الديمقراطية الفاشلة لأعوام الثورة.

دروس لم يتعلمها الإخوان

وساهمت جميع الأطراف الرئيسية التي شاركت في هذه التجربة قصيرة الأمد في زوالها.

لكن إذا كان الجيش هو من خطط لمثل هذه النتيجة، فإن رغباته سهلتها دون قصد أقوى قوى المعارضة، وهم الإخوان.

فمنذ البداية، لم يعترف قادة الإخوان بأن التغيير الديمقراطي يتوقف جزئيا على التوصل إلى إجماع بين جميع جماعات المعارضة فيما يتعلق بمبادئ الديمقراطية التعددية.

وفي غياب مثل هذا التوافق، كان لدى الجيش حافز للحفاظ على استراتيجية "فرق تسد"، التي استخدمها منذ مدة طويلة في استمالة خصومه المحتملين.

لكن بعد فوزهم في الانتخابات النيابية لعام 2012، أصدر قادة الإخوان بيانات وأخذوا إجراءات أكدت عداءهم للقوى الليبرالية واليسارية.

وكانت جهودهم للحد من دور الزعماء غير الإسلاميين في لجنة صياغة الدستور (التي تم تعيينها من قبل البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون)، من جهة، وتفاوضهم بشكل منفصل مع الجيش، من جهة أخرى، فاقمت الانقسام الأيديولوجي والسياسي.

وأعطى هذا النهج الزعماء العلمانيين ذريعة جيدة لدعم الخطوات التي مهدت الطريق أمام انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

ولم يكن من المفاجئ أن الإخوان المسلمين لم يستوعبوا هذه الدروس، في دوامة الأحداث الخطيرة والعنيفة في كثير من الأحيان التي ضربت مصر منذ 2011.

وكما لاحظ العديد من الباحثين، فإن قادة الإخوان لم يتوقعوا أبدا أن يفوزوا في الانتخابات التي منحتهم السيطرة على السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.

علاوة على ذلك، كان قادة الإخوان الأكبر سنا معاديين للنداءات الأكثر انفتاحا، وتم طرد قدامى المعارضين داخل التنظيم، مثل "عبد المنعم أبو الفتوح"، في حين تم منع قادة جناح الشباب، الذين استاء كثير منهم من قيادة الإخوان، من التحدث خارج التنظيم بشكل مستقل.

وفي ضوء المصير الرهيب الذي شهدته جماعة الإخوان المسلمين عام 2013، يبدو أن القادة الإسلاميين والعلمانيين لديهم العقل والحافز للنظر في كيفية إسهام أفعالهم أو تصرفاتهم في انهيار التجربة الديمقراطية في مصر.

ومع ذلك، عملت الظروف داخل مصر وخارجها ضد مثل هذا "التعلم السياسي".

وساعد القمع الذي لا هوادة فيه للنظام في "تطرف" العديد من أنصار الإخوان المسلمين سنا، وفي الوقت نفسه، لم يتسبب حبس القيادة العليا بتفتيت الجماعة فحسب، بل ضمن أيضا وجود عدد قليل من الشخصيات في التسلسل الهرمي الأعلى للإخوان المسلمين الذين يملكون السلطة والوسائل لكبح جماح تشدد الشباب.

أما بالنسبة لزعماء الإخوان خارج مصر، فإن انتشارهم الجغرافي الواسع في المدن الكبرى، مثل إسطنبول وقطر ولندن، ربما وفر لبعض القادة فرصة للتفكير في مستقبل الجماعة، لكنه أيضا يجزئها، ويعمل ضد أي جهد جماعي لتقييم أعمالها خلال الفترة الماضية.

في غضون ذلك، ظهر قدر لا بأس به من الميل إلى تبرئة الذات.

وليس من المستغرب أنه لا يوجد تقييم متفق عليه للأخطاء، ناهيك عن رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه الاستراتيجية الجديدة.

ويصر البعض على أن الإخوان لم يرتكبوا أي أخطاء، وبالتالي فإن المسؤولية عن مصيرهم تقع في أيدي الجيش وحلفائه داخل مصر وخارجها.

على سبيل المثال، يرفض "محمد سويدان"، القائد المخضرم الذي ساعد في إنشاء حزب "الحرية والعدالة" التابع لجماعة الإخوان المسلمين، فكرة أن الجماعة فشلت في التواصل مع الزعماء العلمانيين.

علاوة على ذلك، يصر على أنه لا يوجد انقسام حقيقي أو جدي بين "الإصلاحيين والمحافظين" في الجماعة.

ويقول إن الإصلاحيين "قليلون للغاية"، وهم في الواقع يظهرون فقط في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة.

ويوضح "سويدان" موقف الطليعة المحافظة للجماعة، التي لا تزال ترفض الاعتراف بوجود أي معارضة داخل جماعة الإخوان المسلمين.

ومع ذلك، قدم قادة مخضرمون آخرون وجهة نظر مختلفة.

يقول "عمرو دراج"، الذي كان وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي حتى انقلاب يوليو/تموز 2013، أن "تدرج" الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة، الذي يعني اكتساب الدعم الشعبي من الأسفل، واستيعاب الجيش وأجهزة الدولة من الأعلى، كان خيارها الوحيد تحت مظلة الحكم المطلق للرئيس "مبارك"، على الرغم من أنه أثبت نتائج عكسية.

لكن بعد سقوط "مبارك"، انفتح باب جديد تماما، وكانت هناك فرصة لتأمين موطئ قدم انتخابي حاسم في البرلمان والرئاسة.

ويصر "دراج" أنه كان ينبغي اتخاذ نهج "ثوري" في التعامل مع الجيش والأجهزة الأمنية.

والمشكلة في تحليل "دراج" هي أنه بالنظر إلى القوة الدائمة للجيش بعد سقوط "مبارك"، فإن أي محاولة جادة لتقويض سلطته كان من شأنها أن تدفع الجيش إلى انتقام فوري.

وكان الطريق الواعد فعليا هو تشكيل جبهة موحدة مع اليساريين والقوى العلمانية.

ولا يوجد لدى "دراج" الكثير ليقوله عن دور توجه "الإخوان" تجاه جماعات المعارضة ذات التوجهات العلمانية في زوال التجربة الديمقراطية قصيرة المدى في مصر.

أما بالنسبة للوضع الحالي للتنظيم، فموقفه غير واضح.

ويقترح أن يسعى الإخوان الآن إلى الوصول إلى إجماع مع أطراف أخرى بشأن إعادة فتح الساحة السياسية. 

السيسي وإغلاق المساحات

وحيثما حدثت التحولات الديمقراطية في التاريخ، فإنها نادرا ما كانت نتيجة للثورة.

وبدلا من ذلك، فإن هذه التحولات عادة ما تنتج عن عملية تفاوض واتفاقات تسمح للقوى النظامية بتأمين مساحتها في للنظام الديمقراطي.

ويمكن لهذا النوع من التدرج أن يقدم مسارا بعيدا عن الاستبداد، لكن فقط إذا وجدت المعارضة أرضية مشتركة.

ويرى "عبد الرحمن عياش"، وهو عضو سابق في جماعة الإخوان، أن الحركة يجب أن تحاول تشكيل تحالفات مع الجماعات الأخرى التي تضررت من انقلاب "السيسي" العسكري، مضيفا أن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال "متعجرفة جدا في الوقت الحالي وهم بحاجة إلى فتح أنفسهم على بعض الانتقادات".

ويتطلب مثل هذا النهج مراجعة حقيقية لحركة الجماعة العالمية.

وقد لا يعتقد "السيسي" أن هذا التغيير ممكن، علاوة على ذلك، ليس لديه نية لخلق ظروف من شأنها أن تدعو إلى حدوث تحول.

وعلى العكس، إذا كان هناك أي "إصلاح" للإسلام؛ فستقوم به الدولة وتحت قيادتها.

فبالنسبة إلى "السيسي"، فإن التعاون مع الأزهر من أجل "الإصلاح"، الذي يخضع لرقابة صارمة، هو خيار أفضل من التسامح مع الفاعلين الإسلاميين ذوي التفكير الحر.

وفي الواقع، يؤكد اعتقال "عبد المنعم أبو الفتوح"، في فبراير/شباط 2018، عزم "السيسي" على المضي قدما.

وتم إلقاء القبض على "أبو الفتوح" بتهم مختلفة، بما في ذلك وجود روابط مع "الإخوان المسلمين". ومن المفارقات أنه تم طرده من جماعة "الإخوان المسلمين" لدعوته العلنية للتعددية.

وكانت "الجريمة" الحقيقية لـ"أبو الفتوح" هي أنه طالب بأن يعيد النظام فتح الساحة السياسية، وهي مطالبات رددها "السادات" وقادة النظام الآخرين، الذين شعروا بوطأة حكومة "السيسي"، بعد أن حاولوا الدخول في سباق الرئاسة عام 2018.

وآخر ما يريده "السيسي" هو التحالف بين هذه الأطراف معا؛ حيث يتحد الزعماء المرتبطون بالدولة مع الإسلاميين المستقلين، للوصول إلى مصالحة سياسية.

وربما يكون هذا التحالف بعيد المنال.

لكن محاولة "السيسي" فرض حكم استبدادي يسيطر عليه الجيش بشكل كامل أثارت قدرا من المقاومة من قبل عدد لا يحصى من القوى التي تسعى للخروج من سياسات القمع والخوف.

  كلمات مفتاحية

مصر الانقلاب في مصر السيسي القمع في مصر محمد مرسي جماعة الإخوان المسلمين