حجّ الزعيم اليساري المغربي. ولحى الضباط المصريين!

الجمعة 14 سبتمبر 2018 01:09 ص

يقدّم الجدل الذي ثار في المغرب بخصوص أداء علي بوطوالة، زعيم حزب الطليعة اليساري في المغرب، لفريضة الحج وما تبع ذلك من طلبه إعفاءه من مسؤولياته التنظيمية «رفعا لكل حرج أو التباس» مناسبة مهمة لتفحّص «كليشيهات» احتلّت أركان السياسة في البلدان العربية ليس بين العامّة وحسب بل بين القسم الأكبر من النخب.

توجهت سهام النقد والسخرية للزعيم اليساري على خلفيّة مزاعم موقع إلكتروني عن ذهابه مع الوفد الرسمي المغربي، لكن الجزء الأكبر من السخرية والهجوم انصبّ على ممارسته طقساً دينياً رغم أنه في حزب ينادي بالعلمانية!

وقد ردّ بوطوالة بأن «التدين لا يحمل إساءة لسمعة الحزب واليسار»، وأن «التدين حق شخصي والعلمانية تنص على ضمان هذا الحق»، وكلا الرأيين مهمّان ويحملان فهما حضاريا للعلمانية.

كما أن إعفاء الزعيم اليساري نفسه من مسؤولياته هو فعل راق بالمعنى السياسي لكنّه يحمل، ضمناً، تراجعاً ضمنيّاً أمام ما قرّ في أذهان كثيرين من صراع وجودي طاحن مفترض بين «العلمانيين» و«الإسلاميين».

يساعد خبر آخر نُشر أمس عن إلزام القضاء المصري وزير الداخلية بعزل الضباط الملتحين على إضاءة هذا الموضوع من جانب آخر، فالمحامي الذي أقام الدعوى قال إن «بقاء وعودة الضباط الملتحين لوزارة الداخلية، مخالف للدستور، وللدولة المدنية، ويشكل خطورة على المجتمع المصري، وتهديداً للوحدة الوطنية، والسلم والأمن الاجتماعي».

هؤلاء الضباط الـ150 تقدّموا كلهم بطلبات إخطار لوزارة الداخلية المنتسبين إليها لإطلاق لحاهم، وهو ما يعني التزامهم بقوانين الوزارة و«الدولة المدنية»، وبالتالي فاعتبارهم خطرا على المجتمع وتهديدا للوحدة الوطنية والسلم والأمن الاجتماعي فقط لأنهم متدينون هو تطرّف فظيع لا يتناسب مع ادعاءات «الدولة المدنية» العتيدة.

وهو يعني، من ضمن ما يعنيه، أن كل أصحاب اللحى «إرهابيون» وأن كل من حلق لحيته «مدني» ودستوري ولا يشكّل تهديداً للأمن والسلام!

وعليه ماذا يفعل المحامي الدستوريّ الخطير بمفتي الجمهورية المصريّة وأئمة الأزهر والمساجد وبمن يرغب من رجال مصر أن يلتحي لأسباب غير دينية؟

ثم هل أصبح التديّن في مصر ممنوعاً من قبل «الدولة المدنية»، وإذا كان الأمر كذلك فكيف تكون دولة مدنية وقد نصّبت نفسها حارساً على وجوههم ونواياهم؟

إلى فضحه التهافت الذي آلت إليه مؤسسة القضاء المصريّ، فإن القرار الذي يزاود على وزير الداخلية والسلطات المصرية في القمع، يهدف عمليّاً إلى تكريس حالة رعب وإرهاب للمجتمع المصري برمّته.

وهو ما يعطي مصداقية لوصف الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي النظام المصري بأنه يمارس أكبر إرهاب دولة معاصر.

في حالتي الزعيم اليساريّ المغربي الذي تم نقده بسبب الحجّ وضباط الداخلية المصرية الملتحين تم استخدام شعارات أيديولوجية فضفاضة، كالعلمانية، والدولة المدنية، بشكل يسيء لهذين المفهومين ويُستخدما كما لو كانا يتعارضان مع التديّن.

لكنّ الواقعة المصرية، إضافة إلى تقصدها اللبس والخلط فإنّها في صلبها تقوم بمماهاة بين المظاهر الدينية الشكليّة، كاللحى، والاتهام الضمني المجاني لهؤلاء الضباط بالتعاطف أو الانتماء مع جماعة «الإخوان المسلمين».

وهي مقاربة خاسرة تعني أن على ضباط وزارة الداخلية والجيش (وربما كامل موظفي الدولة «المدنية» المصرية) أن يعادوا الدين الإسلامي (لأن في ذلك شبهة تعاطف مع الإخوان) كي يأمنوا على دمائهم وأرزاقهم وعيالهم.

وهي وصفة لاستعداء الشعب المصري بأكمله، الذي هو شعب متديّن بالفطرة، كما أنه إعلان صريح أن «الدولة» لا تعادي الإخوان المسلمين، كتيّار سياسيّ فحسب، بل تعادي دين الأغلبية المصرية، وهو غباء فظيع لا يعادله غباء.

  كلمات مفتاحية

مصر حج علي بوطوالة حزب الطليعة المغربي ضباط الداخلية المصرية الملتحون أيديولوجية فضفاضة العلمانية الدولة المدنية معارضة التديّن محمد كوثراني