"فورين أفيرز": الميليشيات الشيعية تدفع العراق إلى حرب أهلية جديدة

الجمعة 14 سبتمبر 2018 04:09 ص

عندما استعاد العراق والمجتمع الدولي مدينة الموصل من "الدولة الإسلامية"، أعلنت الحكومة العراقية النصر، قائلة: "لقد انتهى الصراع الذي استمر 3 أعوام ضد الإرهابيين الجهاديين، الذين استولوا على جزء كبير من شمال البلاد".

لكن الإعلان كان سابقا لأوانه. ولا يزال تنظيم "الدولة الإسلامية" يشكل تهديدا كبيرا، ليس فقط بسبب خبرته كحركة تمرد، بل لأن النخبة الحاكمة في العراق أخفقت في معالجة الظروف التي مكنت ظهور التنظيم في المقام الأول. وقد يتسبب فشلها في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان الذين يعانون من الفقر المدقع والصراعات، وفي معالجة الانقسامات السياسية والاجتماعية، وصياغة إطار وطني موحد يجمع البلاد، في تمهيد الطريق قريبا لحرب أهلية مدمرة أخرى، مع تنافس الجماعات المسلحة على الأرض للسيطرة على الدولة العراقية.

وبعد الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2018، كان من المفترض أن تقلب العراق الصفحة إلى مرحلة جديدة، ما بعد تنظيم الدولة، بل حتى مرحلة ما بعد الطائفية، حيث يقوم السياسيون بمعالجة الاستقطاب، والفساد المستشري، وعدم الاستقرار المدمر. ومع ذلك، تزداد الأمور سوءا، وليس للأفضل، بالنسبة للعراق. وقد وضع رئيس الوزراء العراقي الضعيف، "حيدر العبادي"، الذي جاء في المركز الثالث في الانتخابات الأخيرة، سلسلة من مبادرات مكافحة الفساد الرمزية، التي فشلت في إقناع العراقيين، الذين كانوا غير صبورين تجاه إصلاحات رمزية تدريجية. ويمكن للفساد أن يستغرق عدة أعوام لكي يتكشف ويتمكن السياسيون العراقيون من إصلاحه.

وأعقبت الانتخابات مظاهرات حاشدة في معظم جنوب العراق، بما في ذلك البصرة، حيث أحرق المتظاهرون مباني مجلس المحافظة والقنصلية الإيرانية، واقتحموا مكاتب الأحزاب السياسية. وردت قوات الأمن العراقية، والميليشيات الشيعية التي وافقت الحكومة على إشراكها، بالقوة المميتة، وانتهاكات حقوق الإنسان. وتمتلك البصرة أكبر احتياطيات نفطية في العراق، وتمثل 80% من صادرات البلاد النفطية، وتوفر أكثر من 7 مليارات دولار شهريا للخزائن الحكومية.

ويجب أن تكون أغنى مقاطعة بالعراق، لكنها من بين أفقرها. ومثل الكثير من مقاطعات العراق، تفتقر المدينة إلى المياه النظيفة والكهرباء والوظائف.

ومع مزيج من السكان المحبطين، والحكومة التي تفتقر إلى كل من المصداقية والقدرة على تهدئة الأمر، يصبح الوضع محفوفا بالمخاطر.

ولدى العراق كل ما يؤهلها لتكون بلدا عرضة للانتكاس في هذا الصراع، وبدلا من التحول إلى فصل جديد، يمكنها أن تجد نفسها في حرب أهلية أخرى. وإلى جانب الاستقطاب السياسي والاجتماعي، فإنها تعاني من تراكم الأسلحة والمنظمات العسكرية، وغياب المؤسسات القابلة للحياة، ووفرت السلطات البديلة المتعددة التي تحل محل الدولة العراقية. وتقع مناطق كثيرة خارج نطاق نفوذ الحكومة وسيطرتها، بما في ذلك الجنوب ذي الغالبية الشيعية، حيث يتم توزيع السلطة بين الأحزاب والميليشيات والقبائل ورجال الدين.

ومنذ عام 2003، كان الصراع واسع النطاق في العراق بين المجتمعات العربية السنية والشيعية. لكن في المرحلة المقبلة، سيكون الصراع في العراق على الأرجح بين الفصائل الشيعية القوية الغنية بالموارد والمتنازعة فيما بينها، والتي تهيمن على الحكومة.

القوى الشيعية

وعندما صعد تنظيم الدولة عام 2014، فإنه ملأ الفراغ السياسي والأيديولوجي، الذي لا يزال موجودا حتى اليوم. واستفاد التنظيم من الشعور بالتهميش بين السنة العراقيين، وكذلك الاستياء من الفساد والخلل الوظيفي لحكومة بغداد. وما زال هذا الاستياء عميق الجذور قائما، لكن من غير المرجح أن يحشد العرب السنة من جديد في المستقبل المنظور.

فهم مصابون ماديا ونفسيا، ويعانون الإرهاق، نتيجة لحروب لا حصر لها ضد الأعداء الداخليين (تنظيم الدولة، وتنظيم القاعدة في العراق، والتقاتل القبلي)، والخارجيين (الولايات المتحدة والقوات المسلحة العراقية التي تهيمن عليها مجموعات الميليشيات الشيعية الطائفية).

وبدلا من ذلك، من المرجح أن تكون حرب العراق القادمة حربا أهلية بين الخصوم الشيعة. وسيطرت هذه الجماعات على أقوى المناصب الحكومية في العراق، ومؤسساتها الأمنية، منذ عام 2003.

ونشرت هذه الجماعات أو استوعبت مجموعات الميليشيات لتأمين موارد حكومية كبيرة. وبشكل جماعي، تعد الميليشيات الشيعية أقوى من القوات المسلحة العراقية، التي انهارت في مواجهة هجوم "تنظيم الدولة" عام 2014.

ولا تخضع الميليشيات الشيعية لسيطرة الحكومة، لكنها متحصنة داخل مؤسسات الدولة، وتستغل مواردها. وتعد أقوى ميليشيات العراق وأقدمها، لواء "بدر" (الذي تم تشكيله في الثمانينيات في إيران)، ويتولى قيادة الشرطة ويقع على رأس وزارة الداخلية منذ عام 2003.

وبعد سقوط الرئيس الراحل "صدام حسين"، خاض لواء "بدر" معارك دامية مع رجل الدين "مقتدى الصدر"، وميليشيا جيش المهدي الموالية له. ولا يملك حزب الدعوة الإسلامي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء "العبادي"، ميليشياته الخاصة، ولكنه أساء استخدام سيطرته على القوات المسلحة في قمع منافسيه، كما قام بتعبئة وتسليح الفصائل القبلية.

وتسبق الخصومات بين الفصائل الشيعية غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

ومنذ عام 2003، كانت الصراعات الدموية بين الشيعة العراقيين تتطلب وساطة مكثفة من قبل القادة السياسيين والدينيين، بما في ذلك، في بعض الحالات، من قوى خارجية مثل إيران.

وفي عام 2005، اضطر "السيستاني"، رجل الدين الشيعي البارز، التوسط بين الجماعات الشيعية المتنافسة، وسط تمرد سني مميت. وتجنبت العراق صراعا شيعيا داخليا واسع النطاق حتى الآن، لأنها انشغلت بالتمرد السني وتنظيم القاعدة في العراق، ثم تنظيم الدولة. ولا تزال هذه التهديدات كامنة في خلفية المشهد، لكنها لم تعد تلك التهديدات الوجودية الملحة التي بالنسبة للطائفة الشيعية الحاكمة.

ويتحول التنافس على موارد الدولة، بما في ذلك عملية تشكيل الحكومة، التي تنطوي على الكثير من المخاطر، والتي تحدد حصة الطبقة الحاكمة من الدولة العراقية ومواردها، يتحول بسرعة إلى لعبة صفرية. وعلى عكس الماضي، لا تستطيع الفصائل الشيعية في العراق الاستمرار في الابتعاد عن الدولة.

وأصبحت المطالب الشعبية بالإصلاح ملحة لدرجة أنه حتى المؤسسة الدينية الشيعية تدخلت للضغط على الحكومة لمعالجتها. ومع ذلك، فإن الخطر الحقيقي المتمثل في أن يقوم فصيل واحد بالسيطرة على الخزينة الحكومية، واستغلال عملية الإصلاح لصالحه في الأعوام المقبلة، يزيد من اشتعال هذه الصراعات.

وتغير المشهد السياسي والأمني ​​للعراق بشكل كبير منذ عام 2003. وعلى الورق، فإن المنظمة الجامعة للميليشيات، التي يبلغ قوامها 100 ألف شخص، والمعروفة باسم قوة الحشد الشعبي، والتي تشكلت بعد انهيار الجيش العراقي، تخضع اليوم لسيطرة الحكومة. لكن في الواقع، يقودها ويهيمن عليها مجموعة كبيرة من جماعات الميليشيات المستقلة ذاتيا، والتي لا ترجع إلى الحكومة، ولديها تاريخ من المواجهة العنيفة مع الجيش العراقي.

واشتدت حدة التوتر بين "العبادي"، والقيادات المدعومة إيرانيا في "الحشد الشعبي".

ويُزعم أن "هادي العامري"، رئيس لواء "بدر"، ورئيس حزب الجبهة الديمقراطية، قد حذر المبعوث الأمريكي الخاص، "بريت ماكجورك"، من أنه سيطاح بأية حكومة تتشكل نتيجة لتدخل الولايات المتحدة.

ووسط تهديدات مستمرة ضد الولايات المتحدة من الميليشيات الموالية لإيران، يعتقد أن قذائف "مورتر" متعددة استهدفت السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد. وفي البصرة، أطلق وكلاء إيرانيون صواريخ على القنصلية الأمريكية الموجودة في مطار المدينة.

وبالفعل، حذرت قوات "الحشد الشعبي" الجيش العراقي من التدخل في السياسة المثيرة للانقسام التي اجتاحت البلاد. ومن شبه المؤكد أن الجيش العراقي سيخسر المعركة مع قوات الحشد الشعبي وميليشياتها الشيعية، التي يتم دمجها الآن تحت راية واحدة، ولم تعد مجموعات متباينة.

إنقاذ العراق

تزيد الأوضاع في العراق من قابلية تصاعد المنافسات السياسية والمظالم طويلة الأمد إلى صراع أهلي.

وقد تؤدي الاضطرابات الاجتماعية، مثل الاحتجاجات في البصرة، إلى حرب أخرى بين الفصائل المتناحرة، التي استغلت ثروات وغنائم البلاد منذ عام 2003.

لكن ربما لا يزال أمام العراق خيار أخير للسلام، في شكل دور أكثر نشاطا وتدخلا من "السيستاني". ومنذ عام 2003، ساعدت تصريحات ومبادرات "السيستاني" على احتواء الصراع الطائفي.

وفي عام 2014، عندما استولى تنظيم الدولة على الموصل، أجبر "السيستاني" رئيس الوزراء السابق "نوري المالكي" على ترك منصبه، مما مهد الطريق لرئاسة "العبادي"، وحشد المتطوعين لوقف توسع التنظيم.

وتدخل بالفعل في النزاع الأخير، من خلال فرض التنحي فعليا على "العبادي". ووفقا للتقاليد والممارسات الدينية طويلة الأمد في العراق، يتدخل آية الله على مضض فقط، وعندما يفعل ذلك، فإن تدخله يعكس حجم الأزمة. ومن شأن تجاهل "السيستاني" أن يحول الرأي العام الشيعي بشكل أكبر ضد "العبادي"، وسيحفز خصومه ويوحدهم. وقد اختار قلة من القادة في تاريخ العراق مواجهة رجال الدين في النجف ونجحوا فذ ذلك.

وقد يكون رجل الدين، والمؤسسة الدينية التي يرأسها، في وضع فريد يسمح له بتطبيق التغييرات والإصلاحات التي يحتاجها العراق بشكل موثوق. ويمكن الاستفادة من نفوذ ودعم "السيستاني" لتجنب حرب أهلية أخرى.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

آية الله السيستاني الحشد الشعبي الميليشيات الشيعية مظاهرات البصرة حيدر العبادي العراق