كيف تسقط أمريكا عملة أي دولة وتتحكم بسعر الصرف؟

الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 02:09 ص

مهما قمت بعملية بحث عبر الإنترنت حول كيف تقوم حكومة الولايات المتحدة بإسقاط سعر عملة أي دولة مثلا الليرة التركية أو العملة الإيرانية أو أي عملة أمام الدولار؟.. هذا سؤال لن تجد له تفسيرا واضحا مهما بحثت.

لكن للإجابة على هذا السؤال علينا أن نعرف:

- من يتحكم بسعر الصرف للعملات، وكيف يقوم بذلك؟

- يجب أن نعرف كيف يعمل سوق العملات؟

- يجب أن نعرف أن هناك مؤثرين حقيقيين على سوق العملات ينقسمان إلى مؤثر رئيسي والآخر ثانوي.

أولا: المؤثرون الرئيسيون

يسمون اللاعبون بالأسواق، ويعتبرون أهم لاعبي أو صانعي السوق المالية والسياسات الاقتصادية للحكومات والبنوك المركزية بالدول الكبرى وهم بالترتيب:

1. الولايات المتحدة: مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي).

2. الاتحاد الأوروبي: البنك المركزي الأوروبي.

3. المملكة المتحدة: بنك انجلترا (البنك المركزي البريطاني).

فهؤلاء هم اللاعبون الرئيسيون في سوق الاقتصاد العالمي، ويسيطرون علي 70% إلى 80% من حركة السوق.

وتعد الولايات المتحدة أقوى لاعب بين هؤلاء؛ فهي وحدها تتحكم بحوالي 50% من حركة السوق العالمي. وبما أن جميع اللاعبين الكبار حلفاء لواشنطن؛ فالولايات المتحدة -إذن- هي اللاعب رقم واحد في العالم، وهي من يتحكم بالسوق من الألف إلى الياء.

بالإضافة إلى أن هناك بنوكا عالمية كبرى ومؤسسات مصرفية عملاقة، وهي رديفة للبنوك المركزية؛ أي أنها تعمل في الظل حسب حركة البنوك المركزية مثل: جي بي مورغان شيس و باركليز بانك وغيرهما.

هذة البنوك قوية ومؤثرة على السوق، لكنها لا تتحرك من تلقاء نفسها بل تسير خلف البنوك المركزية العالمية آنفة الذكر.

ثانيا: المضاربون

تاثير هؤلاء عادة يتراوح بين 10% إلى 30% كأقصى حد على حركة السوق العالمية، وهؤلاء لا يتحكمون في حركة السوق، وفي الأغلب ينتظرون السوق حتى تحركها القوى الكبرى "العظمى"، ثم يركبون الموجه السائدة ويدفعونها إلى الأمام.

كيف يعمل سوق المال العالمي؟

هنالك حركتان يتضح من خلالهما عمل سوق المال العالمي، إحداهما حركة طبيعية، والأخرى حركة غير طبيعية أي مصطنعة، واللاعبون الثلاثة السابق ذكرهم وحدهم من يستطيع القيام بذلك.

- الأولى الحركة الطبيعية وتنتج عن قرارات اقتصادية للدولة ،وتكون عادة لحل مشاكلها الداخلية أو أزماتها الداخلية، كقيام بعض البنوك المركزية برفع أو خفض أسعار الفائدة لحل أزمة مالية أو اقتصادية فإن هذا الحدث يؤثر على حركة السوق.

أيضا هناك الكوارث الطبيعية التي تلعب دورا هاما في حركة السوق، وكذلك الأزمات السياسية حسب الضرر المتوقع حدوثة نتيجة هذة الأزمات: حروب، كوارث طبيعية.. ويمكن تلخيص الحركة الطبيعية بمصطلح "العرض والطلب".

- الثانية الحركة غير الطبيعية، وتكون نتيجة مؤامرت أو مكائد سياسية تقوم بها الدول/الكيانات الكبرى مثل: الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا.

الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عادة ما يكون تاثيرهما محدود نسبيا في عملات الدول. مثال على ذلك: ما حدث أوائل 2013، حيث قامت المخابرات البريطانية MI6 بلعبة من خلف الكواليس استطاعت بها أن تجبر بنك انجلترا المركزي على خفض سعر صرف الجنية الإسترليني ما أدى لهبوطه أمام الدولار أكثر من 1500 نقطة خلال بضعة أسابيع!

أما اللاعب الخطير والمخيف والقادر على التحكم بالسوق العالمي كاملا وتحريكه كيفما يشاء فهو حكومة الولايات المتحدة.

السؤال الذي يطرح نفسه:  

كيف تستطيع حكومة الولايات المتحدة أن تقوم بهذا التلاعب؟

تقوم الولايات المتحدة بهذا التلاعب من خلال:

1. تفتعل الولايات المتحدة مشكلة، مثل ما يحصل حاليا مع تركيا، ومن ثم يخرج الرئيس الأمريكي ويوجه تهديداته أو يقوم بإجراءات إقتصادية حازمة ضد تلك الدول أو الدولة ليعطي انطباعا عن مشكلة اقتصادية مستقبلية ستحصل هناك.

2. يدخل البنك المركزي الأمريكي مباشرة على الخط بعد ذلك، ويقوم مثلا بشراء الدولار الأمريكي أمام تلك العملة للبلد الذي سبق تهديده بكميات كبيرة جدا.

وبعد تحرك السوق تركب البنوك الرديفة العملاقة الموجة، وتقوم بدفع السوق نحو مزيد من الحركة، كذلك نفس الأمر يحصل مع المضاربين.

وهذا بالتحديد ما حصل مع تركيا، بعد إعلان "ترامب" رفع الرسوم والجمارك على واردات أمريكا من تركيا من صلب وألمنيوم؛ حيث قام البنك المركزي الأمريكي بعمليات شراء كبيرة للدولار الأمريكي أمام الليرة التركية.

وحسب ما تحدث به خبراء اقتصاديون في بورصة نيويورك، بلغ حجم التداول على الدولار مقابل الليرة التركية مؤخرا حوالي تريليوني دولار، علما بأن التداول اليومي في سوق العملات يتراوح بين 5 و6 تريليونات دولار أمريكي يوميا.

أي كان حجم صفقات بيع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي نحو تريليوني دولار تقريبا أي بنسبة ثلث حجم التداول اليومي، ويعتبر هذا هو سبب السقوط الكبير الذي أصاب العملة التركية.

وهنا سؤال مهم يطرح نفسه: كيف تستطيع حكومة الولايات المتحدة القيام بذلك؟، وبالتالي فهي بحاجة إلى سيولة كبيرة جدا؟

الإجابة: السيولة موجودة دائما ولا توجد أي مشكلة في هذا الجانب! هل تعلمون السبب؟

الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقوم بإصدار وطبع الدولار بدون احتياط (ذهب) وبدون حسيب أو رقيب.

لذلك فهم يمتلكون كميات كبيرة من السيولة أو النقد.

أي أنهم يتحكمون بإقتصاديات دول العالم ويسرقون جميع معادنهم بالتحديد الذهب والنفط مواردهم وتعبهم بأوراق مالية (عملة) وهمية لا قيمة له حتى أن القيمة الفعلية له أقل من قيمة ورقة A4، وهذة هي القيمة الحقيقية للدولار الأمريكي.  

فهذه الطريقة التى جعلتهم يستطيعون التحكم بالدول الأخرى من خلال تخويف الآخرين من خلال التهديدات التي يلقيها الرئيس الأمريكي مثل "ترامب"، بفرض عقوبات الغرض منها يعني من يتعامل مع الطرف الفلاني فهو ضدنا.

والطريقة الأخرى التلاعب بأسعار العملات من خلال السوق العالمي؛ فهي تمتلك سيولة كبيرة جدا لأنها تقوم بطبع عملتها من الدولار بدون حسيب أو رقيب وبدون أي احتياطيات "ودائع" من الذهب في صندق النقد الدولي، ومن خلال هذة السيولة التي ليس عليها أي رقابة أو حساب استطاعت أن تتحكم بسعر أي عملة في العالم.

وهذا هو ما حصل مع تركيا من الألف إلى الياء. وأدى لانخفاض القوة الشرائية لليرة التركية وهبوط سعرها. وهذا لا علاقة له بالاقتصاد التركي وإنما هو عملية بلطجة مالية من قبل الولايات المتحدة لكي تتمكن من لي ذراع تركيا فقط لا غير.

ومثال على هذا ما قامت به الولايات المتحدة في 2008 وأدى لحصول الأزمة العالمية؛ حيث قامت بطبع 3 تريليونات دولار تقريبا وضخها كسيولة إلى السوق العالمية بدون أن تقدم أي غطاء أو احتياطيات أو "ودائع" من الذهب لصندوق النقد الدولي؛ بحجة منع تدهور الأسواق العالمية!

بالتالي فإن حكومة الولايات المتحدة عندما تحتاج إلى سيولة نقدية لعملتها الدولار فإنها ستفتعل أي مشكلة مع أي دولة وتلقي تهديداتها ومن ثم تقوم بالإصدار والطباعة المجانية لأوراق نقدية إضافية من عملتها الدولار بكميات هائلة وبدون احتياطيات بعذر منع تدهور السوق العالمي، والذي ينتج عنه انهيارا إقتصاديا للعديد من الدول بالتحديد في دول العالم الثالث.

** د. منذر عبدالله القحيط أستاذ المنشآت النفطية والمحاسبة الدولية والإدارية، باحث في المحاسبة والموازنات والمعايير الدولية وفقا للقضاء الدولي.

المصدر | منذر عبد الله القحيط + المشهد اليمني

  كلمات مفتاحية

أمريكا الدولار الليرة التركية البنوك المركزية المضاربون