المغرب وإيران.. شكوك متبادلة وأزمات متكررة

الأربعاء 19 سبتمبر 2018 08:09 ص

إعلان السلطات المغربية قطع العلاقات مع إيران، مطلع مايو/أيار الماضي، أعاد إلى الأذهان حالة الصدام السياسى بين الرباط وطهران، على خلفية تضارب مواقف الدولتين حيال عدد من القضايا الرئيسية الحاكمة فى إطار التنافس الجيوستراتيجى بالشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.

لا تعتبر الأزمة الأخيرة هي الأولى في مسار العلاقات المغربية الإيرانية، فقد انطلقت الخلافات بين البلدين بُعيد الثورة الإيرانية، حين استقبل المغرب شاه إيران عام 1981 لتكون القطيعة الأولى، لتبقى العلاقات مجمَّدة إلى عام 1991، حيث تمت إعادة افتتاح سفارة إيران بالمغرب، لتعود التمثيلية الإيرانية للبلاد.

الأزمة بين البلدين تصاعدت بشكل كبير في عهد الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد"، تحديداً عام 2008، حين أقدم المغرب على حلِّ حزب "البديل الحضاري" ذي المرجعية الشيعية.

أما عام 2009 فكان محطةً جديدة لقطع العلاقات مع إيران، بعد أن أعلنت الرباط تورّط عامِلِين بسفارة إيران بأنشطة نشر التشيع بين المغاربة، قبل أن تقدم السلطات المغربية على إغلاق المدرسة العراقية الشيعية للسبب ذاته.

بحلول عام 2016، انفجرت الأزمة مجدداً عقب ظهور تنظيم شيعي يدعى "رساليون تقدميون"، وصولاً إلى عام 2018، ليكون الدافع أخطر وذا أهمية بالغة لدى المغرب، متعلقاً بأمنه ووحدته الترابية، خاصة في ظل المناورات والتحركات الأخيرة لجبهة البوليساريو بالمنطقة الحدودية العازلة.

ملفات خلافية

ويأتي في مقدمة ملفات الخلاف دعم إيران لجبهة البوليساريو، حيث أعلن وزير الخارجية المغربى أن بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب دعم طهران للجبهة التي تتمركز فى الصحراء الغربية.

وبالتزامن مع قرار قطع العلاقات بين البلدين، نقلت تقارير إعلامية عن مصادر مغربية أن جبهة البوليساريو تنفذ خطة "المظلة الصامدة" وهي حفر أنفاق فى المنطقة العازلة بإشراف خبراء من "حزب الله"، وبتوجيه من إيران.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى الدعم الإيرانى للجزائر وتشبيك علاقات وثيقة معها فى الأشهر والسنوات الماضية، والتي تكللت بزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين، ومن المعروف أن الجزائر تدعم هى الأخرى جبهة البوليساريو، ولديها خلافات حدودية مع المغرب.

وترى المغرب أن إيران ترغب في استخدام دعمها للبوليساريو لتحويل النزاع الإقليمي بين الجزائر والجبهة الانفصالية من جهة، والمغرب من جهة ثانية، إلى وسيلة تمكنها من توسيع هيمنتها في شمال وغرب أفريقيا، خاصة الدول الواقعة بالساحل الأطلسي.

كما يمثل المد الشيعي في المغرب عامل قلق لسلطات المملكة، ففي الأشهر الأخيرة تداولت الصحف المغربية عددا من التقارير المنسوبة لوزارة الداخلية بالرباط تفيد بنشاط إيراني يقوم به ضباط استخبارات بمساعدة رجال دين، لنشر المذهب الشيعي في البلاد، وحذرت تلك التقارير من تغلغل الاستخبارات الشيعية في الأوساط الشعبية، وخطورة النفوذ الإيراني بالمغرب، ودور طهران في بعض الاحتجاجات التي شهدتها المملكة مؤخرا.

ونوهت تقارير صحفية مغربية إلى أن التشيع في مراكش وصل إلى نحو 6 آلاف، وفي العاصمة الرباط تقدر أعداد الذين تحولوا إلى التشيع بالمئات، ولفتت التقارير إلى أن أغلب المتشيعين من أوساط المتعلمين والطبقات العليا، ومنهم أطباء بالبيضاء ومهندسون من الرباط وتجار كبار فى مراكش، علاوة على مدن طنجة ومكناس وغيرها، وهو ما أزعج السلطات المغربية إذ ترى أن التشييع تكون دوافعه سياسية وليست مذهبية.

سياق إقليمي ودولي

ويأتي قرار قطع العلاقات واستدعاء السفير في لحظة حرجة بالنسبة لإيران، حيث الضغوط الأمريكية والإسرائيلية بشأن برنامجها النووي، والخلافات المستحكمة مع السعودية، لكن المغرب أكد أن قطع العلاقات لم يتخذ تحت أي ضغط أو تأثير، ولا علاقة له بالتطورات الإقليمية والدولية.

وإضافة إلى الخارجية الإيرانية نفى "حزب الله" اللبناني ما سماها المزاعم والاتهامات المغربية بخصوص دعم البوليساريو وتدريب مقاتليها، وأرجعها إلى ضغوط أمريكية وإسرائيلية وسعودية، وقال إنه "كان على الخارجية المغربية البحث عن حجة أكثر إقناعا لقطع علاقاتها مع إيران".

وبعيدًا عن الاتهامات القائلة بأنّ المغرب كان مدفوعًا ومجذوبًا من قِبل دول خليجية، فإنّ عدم تصعيد المغرب المباشر مع دول عربية أخرى تدعم جبهة البوليساريو يشير إلى رغبة في تجنب أزمة تطغى على الأزمة الحالية، خاصة أن تاريخ السياسة المغربية خالٍ من أي صدام مع أية دولة عربية بخلاف الجزائر التي لها وضعٌ خاص.

يشار إلى أن الرباط دخلت كوسيط محايد في أزمة الخليج، ورغم أنها لم تتخذ موقفًا ضد إيران، لكنها شاركت بسرب طيران في التحالف العربي، ثم سحبته قبل 4 أشهر، في نفس الوقت الذي أدانت فيه الصواريخ الحوثية، كل هذه المواقف المُعقدة تجعل المغرب يبدو على مسافة واحدة من كل النزاعات، ومن كافة أطراف الصراع.

مستقبل الأزمة

وبالرغم من التوتر الحاد الذي تشهده العلاقات بين البلدين فإن تسوية الأزمة ليست مستبعدة بشكل كامل خاصة مع الخبرة السابقة في عودة العلاقات بعد قطيعة دامت 7 سنوات بين عامَي 2009 و2016.

ولكن ذلك سيتوقف على رد فعل إيراني على الاستياء المغربي، وعلى محاولتها رأب الصدع من خلال اتخاذ خطوات عملية فيما يتعلق بأنشطتها.

ولكن ما يعيق هذا المسار هو رغبة طهران في الحفاظ على علاقتها النوعية مع الجزائر، وذلك بسبب المواقف المتقاربة بين البلدين في ما يخص عدد من القضايا الإقليمية، في حين أن المغرب تبدو مواقفه أكثر قربًا وتنسيقًا مع مواقف دول الخليج.

كما أن عودة إيران إلى العزلة والحصار في المرحلة الحالية، قد تدفعها للبحث عن بؤر للحضور والتأثير وحماية المصالح، وقد يقدم الصراع في تلك المنطقة منفذًا للحضور الإيراني.

وفي كل الأحوال من المتوقع أن تظل الدبلوماسية المغربية حذرة في التعامل السياسي مع إيران، فمن الصعب الحسم في مستقبل العلاقات بين البلدين، لاعتبارات سياسية وإستراتيجية، ترتبط بتحالفات المغرب وكذلك الأجندة الإيرانية.

  كلمات مفتاحية

العلاقات المغربية الإيرانية قطع علاقات جبهة البوليساريو دعم أنفاق حزب الله