مواقع التواصل تخلق منطقة رمادية" بين المحافظة والتحرر بالسعودية

الأربعاء 26 سبتمبر 2018 11:09 ص

منذ عام 2017، كانت وتيرة الإصلاح الاجتماعي في المملكة العربية السعودية سريعة ودرامية.

وفي هذا العام وحده، تم رفع حظر القيادة عن النساء، وتم فتح دور السينما، وبدأت العروض الموسيقية في المدن الكبرى في جميع أنحاء المملكة، وكان هناك ثمة تغيير آخر جدير بالملاحظة، وهو تخفيف قانون اللباس الصارم للمرأة، والذي كان يخضع في الماضي لرقابة مستمرة.

ومع ذلك، كانت بعض التغييرات التي تم تنفيذها حتى الآن مربكة، وتدل على خروج هام عن المعايير القديمة. ولقد خلق هذا التناقض "منطقة رمادية"، حيث تتعارض المعايير المفروضة حديثا مع المعايير القديمة.

وعلى مدى عقود، كان الافتراض بأن المجتمعات المحافظة تقف ضد التغيير يستخدم باستمرار لتبرير غياب الإصلاح الاجتماعي والثقافي.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه ردة فعل المحافظين المحتملة ضد الإصلاحات الاجتماعية الأخيرة مصدر قلق، لم يحدث أي رد فعل كبير على الأرض.

وبالإضافة إلى ذلك، كانت المشاعر القومية السائدة بمثابة عقبة أمام رفض الأصوات المحاظفة لهذه الإصلاحات الاجتماعية.

وكانت أصوات المعارضة لموجة الإصلاح الاجتماعي الجديدة تتخفى وراء هويات مزيفة بشكل متزايد على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلاوة على ذلك، كان الحد من صلاحيات الشرطة الدينية، وتعيين شخصيات دينية "معتدلة" في مناصب عليا (مثل محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي)، إشارة إلى تغير ديناميات العلاقة بين الحكومة والمؤسسة الدينية التقليدية.

خلق التناقضات

ويبدو أن الحكومة تتقدم بثبات في مشروع التحديث الاجتماعي.

ومع ذلك، تتعارض السياسات الجديدة مع المعايير الراسخة التي تم الحفاظ عليها لعقود، الأمر الذي يخلق التناقضات وعدم اليقين في المساحات الاجتماعية.

وعلى سبيل المثال، في الوقت الذي يتم فيه تنظيم الحفلات الموسيقية في المملكة العربية السعودية، يتم إلقاء عدد من القواعد واللوائح في بداية كل حفلة موسيقية، ويتم توجيه الجمهور بشكل صارخ إلى الامتناع عن الرقص، وفي الوقت نفسه، تم التسامح على نطاق واسع بالرقص خلال مهرجان "الجنادرية" للتراث الوطني في شهر فبراير/شباط.

وبالمثل، لا يلاحَظ الفصل الصارم بين الجنسين في دور السينما وفي المهرجانات، ومع ذلك، لا يزال الفصل بين الجنسين مستمرا في المطاعم والحفلات الموسيقية.

وفي الماضي، كان ما هو مقبول أو غير مقبول واضح إلى حد ما، لكن تناقضات السياسات الجديدة تؤدي اليوم إلى عدد من النتائج المختلفة.

وقد تمت معاقبة العديد من الأفراد بسبب ما اعتقدوا خطأ أنه مقبول، في ضوء الموجة الأخيرة من التغيير الاجتماعي.

وعلى سبيل المثال، ظهر شريط فيديو لرجل وامرأة يرقصان في أبها، في نفس الوقت الذي ظهر فيه مقطع فيديو لرجل يقترح على امرأة الذهاب معا إلى جدة.

وقد أغضب الزوج السعودي الراقص الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، والتقطت مصادر الأخبار السعودية القصة، وتم نشر تقارير عن اعتقال الزوجين على نطاق واسع، وكان الزوج الآخر من العمال المغتربين من الفلبين، وقد تعرضا للعقاب، رغم أن ذلك لم يكد يذكر من قبل المنافذ الإخبارية المحلية.

ويشير عدم الاتساق في النهج إلى أن المغتربين والمحليين يخضعون لمعايير مختلفة، مما يربك الناس فيما يتعلق بما هو مقبول خلال فترة التغيير الاجتماعي السريع هذه.

وفي حفل أقيم مؤخرا في الطائف، دخلت امرأة مغطاة بالكامل على خشبة المسرح وعانقت المغني "ماجد المهندس"، أثناء فقرته على المسرح.

وقد ألقى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي السعوديون باللوم على موجة التحديث الجديدة بشأن فعل المرأة، وبدلا من المطالبة بتغريمها، أراد بعض الأشخاص في وسائل التواصل الاجتماعي فرض عقوبة أشد، ودعا العديد منهم إلى إدانتها بموجب قانون التحرش الجنسي الذي تم طرحه حديثا.

وكثيرا ما كانت التغطية الإخبارية للحادث تفتقر إلى التفاصيل؛ حيث أكدت التقارير أن المرأة ستواجه عقوبة، لكن التفاصيل حول هذه العقوبة لم يتم الكشف عنها.

بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أنه تم تخفيف الالتزام بملابس النساء، فعندما ظهر فيديو لـ "شيرين الرفاعي"، وهي مذيعة سعودية، ترتدي عباءة ملونة وغطاء رأس فضفاض، عبر الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم من اختيارها لملابسها.

ونتيجة لضجة وسائل التواصل الاجتماعي، فرت المذيعة من البلاد، قبل وقت قصير من إصدار اللجنة العامة للإعلام المرئي والمسموع بيانا قالت فيه إنها ستحقق في الواقعة. د

ومع انتشار قضيتها على نطاق واسع، تشارك العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بعض تجاربهم الخاصة، وقيل إن الشرطة أوقفت عددا من النساء اللائي حاولن الخروج علانية دون ارتداء عباءة، وطلب منهن التوقيع على تعهد بالامتناع عن مثل هذا السلوك مرة أخرى.

وفي حين شعرت "شيرين الرفاعي" بالتهديد لدرجة أنها أدركت الحاجة لمغادرة البلاد، فإن الآخرين تلقوا عقوبة خفيفة نسبيا، والبعض لم يعاقب على الإطلاق.

منطقة رمادية

وفي هذه اللحظة، تبدو وسائل التواصل الاجتماعي هي ما توجه بوصلة العقوبات.

ونتيجة لذلك، يقع الكثير من الناس دون علمهم في فخ "المنطقة الرمادية"، ويعاقبون على ارتكاب أعمال لأنها فقط تسببت في موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع ظهور المزيد من الحالات، وانتشار المزيد من مقاطع الفيديو، فإن إصرار "المحافظين" سيثبت أنه غير قابل للاستمرار على المدى الطويل.

لقد بذلت الحكومة السعودية الكثير من أجل تطوير مشروع تحديثها الاجتماعي، وتمكنت حتى الآن من ردع أي معارضة كبرى.

ومع ذلك، بدون تحديد معايير واضحة لما هو مقبول، من المحتمل أن تمتد "المنطقة الرمادية" إلى أبعد من ذلك، وقد تعرض "الإصلاح الاجتماعي" كله للخطر.

المصدر | إيمان الحسين وسارة المحمدي - معهد دول الخليج العربي في واشنطن

  كلمات مفتاحية

التحديث الاجتماعي الإصلاح الاجتماعي شيرين الرفاعي ماجد المهندس الإصلاحات في السعودية