غزة تقرب بين مصر وقطر.. هل تنجح بجمعهما للأبد؟

الأربعاء 26 سبتمبر 2018 02:09 ص

يعتبر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من أقدم النزاعات في الشرق الأوسط الحديث. ولعقود، منذ بداية الصراع عام 1948، وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين، سعت القوى الكبرى والصغيرة إلى إيجاد حل دائم. لكن في أعقاب الربيع العربي، والقدرات النووية الإيرانية المتنامية، فإن أفضل ما تأمله معظم الدول هو ضمان هدنة ووقف إطلاق نار. وينطبق هذا بشكل خاص على قطاع غزة المضطرب، الذي كانت تحكمه فعليا حركة "حماس" الفلسطينية منذ عام 2007. وتتجه حماس نحو إقامة هدنة طويلة الأمد مع (إسرائيل)، لكن غزة لا تزال مكانا للاشتباكات المنتظمة بين جيش الدفاع الإسرائيلي والمسلحين في غزة.

وفي هذه البيئة الفوضوية، تسعى معظم القوى الخارجية لتحقيق الهدف المشترك، ألا وهو الاستقرار، بما في ذلك الخصوم التقليديين مثل مصر وقطر. لكن على الرغم من أن هذين المنافسين يعملان على إبقاء غزة بعيدة عن اندلاع حرب أخرى، إلا أنهما غير قادرين على بناء الجسور بينهما في ظل الحصار الذي تقوده السعودية وتشارك فيه مصر ضد قطر. وبالطبع، إذا انهارت الهدنة، أو اشتعلت حرب أخرى في غزة، فسوف تتسابق كل من الدوحة والقاهرة على إلقاء اللوم على بعضهما البعض.

اقتصاد يتداعى

كانت الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة سيئة للغاية، منذ تولي حماس السلطة. لكن منذ قيام مجلس التعاون الخليجي بحصار قطر، الراعي الاقتصادي الرئيسي لغزة في يونيو/حزيران 2017، أصبحت الأمور أكثر سوءا. وتعاني المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة في غزة من نقص التمويل، وذلك إلى حد كبير لأن قطر قلصت المساعدات خوفا من أن تصنفها الولايات المتحدة، حليفها الرئيسي، كبلد راعٍ للإرهاب.

وبدون أموال قطر، ينهار الاقتصاد الهش بالفعل في غزة، وقد تم تعليق جميع أعمال إعادة البناء بعد الحرب الأخيرة بين حماس و(إسرائيل) عام 2014. ولم تجد حماس أي معونة كبيرة بديلة، لأن تركيا وإيران لم يستطيعا أو لم يرغبا في التكاتف معها بسبب الأزمة الاقتصادية الخاصة لدى كل منهما. وهكذا، لا تملك حماس سوى مجموعة غير جذابة من الخيارات، فإما استعادة المساعدات الاقتصادية على حساب الحكم الذاتي للقطاع، من خلال التصالح مع منافستها الفلسطينية "فتح"، أو المخاطرة بإشعال حرب جديدة ضد (إسرائيل)، مع تحمل الخسائر المدنية، في محاولة لإغراق (إسرائيل) والمجتمع الدولي في جهود استعادة بعض خطوط الحياة الاقتصادية في غزة على الأقل. وقد رفضت حماس التخلي عن مقاومتها لـ(إسرائيل)، وهو ما يعني أنها ربما اختارت أخذ مخاطرة خيار الحرب.

أعداء بأهداف مشتركة

ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق الأسبق "محمد مرسي" عام 2013، كانت الحكومتان المصرية والقطرية في صراع حول دور الإسلام السياسي والإخوان المسلمين في مصر، وبشكل أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتسبب الخلاف في وجود ما يكفي من الانقسام الذي دفع القاهرة للانضمام إلى الحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر. لكن على الرغم من أن مصر تريد تحجيم النفوذ القطري داخل حدود الدوحة، إلا أنها تجد نفسها تعمل على نفس الأهداف مع قطر في قطاع غزة.

وقد ركزت مصر وقطر جهودهما على تحقيق الاستقرار والتكامل في مختلف المجالات. فمصر، على سبيل المثال، تعمل مع (إسرائيل) على الصعيد السياسي والأمني، و تنسق معها عمليات إغلاق وفتح حدود قطاع غزة، وترسل الوسطاء بعد الضربات الإسرائيلية على غزة لتسهيل التفاوض مع حماس.

وفي الوقت نفسه، تركز قطر على الاستقرار الاقتصادي، وتعزز المساعدات بمباركة الولايات المتحدة، التي قطعت المساعدات إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، التي تدعم معظم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية في غزة. وكانت واشنطن حريصة على تشجيع الدول الأخرى، بما في ذلك قطر، التي تعهدت بتقديم 50 مليون دولار في ربيع عام 2017، للمساعدة في سد هذه الفجوة. كما تعهدت الإمارات العربية المتحدة بـ50 مليون دولار في حرب نفوذ خفية على من سيُنظر إليه على أنه الراعي الرئيسي للفلسطينيين بين عرب الخليج، لكن التعهدات الأخرى للإماراتيين لم تكن واسعة النطاق مثل تلك الخاصة بالقطريين. وقالت قطر أيضا إنها ستدفع تكاليف العديد من مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك مشروعات الكهرباء وتحلية المياه، التي تهدف إلى تحسين اقتصاد غزة، وزيادة فرص نجاح وقف إطلاق النار.

وتريد القاهرة موافقة حماس و(إسرائيل) على وقف إطلاق نار طويل الأجل على طول حدود قطاع غزة مع مصر؛ حتى تتمكن من استعادة النظام في سيناء، حيث يتحدى التمرد الجهادي المستمر منذ أعوام ادعاءات "عبدالفتاح السيسي" بأنه الزعيم الوحيد القادر على الحفاظ على السلام في مصر. وبما أن السبب المباشر للعنف في غزة هو أزمتها الاقتصادية، فسوف تتسامح مصر مع برنامج الدوحة لبناء النفوذ طالما ظلت الأموال القطرية تتدفق إلى القطاع.

ماذا بعد؟

ولكن من غير المرجح أن يؤدي التقارب المصري القطري في غزة إلى حدوث انفراجة في العلاقة بين البلدين؛ نظرا للحصار الذي تقوده السعودية على قطر. فبعد كل شيء، يمكن لمصر الحصول على ما تريد من قطر في غزة، أي المعونة الاقتصادية، دون التنازل عن مشاركتها في الحصار. وفي غضون ذلك، يمكن لقطر أن تحصل على التأثير الذي يأتي عبر مساعدة غزة، دون إعطاء أي شيء آخر لمصر.

وفي حال ترسخت هدنة طويلة الأمد في غزة، قد يتحول القطاع إلى ساحة للمنافسة المتزايدة بين مصر وقطر، بالإضافة إلى قوى أخرى مثل السعودية والإمارات. وإذا شعرت قوى الحصار بعودة نفوذ قطر بشكل كبير، فقد تضطر إلى محاولة إيقافها، خاصة بعد أن أصبحت قطر أقرب إلى واشنطن؛ حيث يضغط الإماراتيون والسعوديون على الولايات المتحدة للانحياز إلى جانبهم في الحصار. وتلتزم الإمارات بالفعل بتقديم المساعدات لوكالة "الأونروا"، في محاولة واضحة لمنع الوكالة من التعرض للكثير من النفوذ القطري.

لكن من الناحية الواقعية، من غير المرجح أن تكون الهدنة الغزية دائمة؛ حيث يتم تحدي شرعية حماس من قبل الناشطين والجهاديين الإسلاميين الذين يرغبون في تطبيق استراتيجية أكثر عدوانية ضد (إسرائيل). وفي (إسرائيل) نفسها، يشعر رؤساء البلديات والمواطنون الجنوبيون بالغضب بفعل هجمات الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، ويعتقد الجمهور الإسرائيلي أن حزب الليكود اليميني لن يقود المنطقة إلا إلى نحو المزيد من نفس التحديات.

وإذا ظهرت صراعات جديدة، فسوف تسعى كل من قطر ومصر إلى تحقيق مكاسب من خلال إلقاء اللوم على بعضهما البعض في اندلاع العنف. وبالنسبة لمصر، فإن اعتبارها كضامن أمني رئيسي لـ(إسرائيل) يعد سببا رئيسيا في مدها بالسلاح من قبل الولايات المتحدة، لذلك فإن تحميلها المسؤولية عن فشل هدنة غزة قد يهدد هذا الوضع القائم. وبالنسبة لقطر، فإن اعتبارها غير فعالة في غزة قد يضعف علاقاتها الخاصة بواشنطن، وهي العلاقات التي تعتبر مهمة لصد الضغط السعودي وسط الحصار.

وترغب كل من مصر وقطر في علاقات جيدة مع (إسرائيل)، خاصة وأن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية كانت وثيقة في الآونة الأخيرة. وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال الجانبان يرغبان في المكاسب الدعائية التي تأتي من كونهما راعيان لغزة. وبالنسبة لمصر، يدخل في ذلك الشأن المحلي؛ حيث لا يستمد "السيسي" شرعيته فقط من خلال توفير الأمن للمصريين، ولكن أيضا عبر بقايا العروبة الباقية، والتي تعني تصوير القاهرة  بوصفها الأم الساهرة على حماية مصالح الفلسطينيين. وبالنسبة لقطر، التي تضررت مكانتها الدبلوماسية بسبب الحصار، فإن تجدد نفوذها في غزة يعد فرصة لإثبات أنها شريك فعال للأصدقاء المحتملين في العالمين الإسلامي والعربي.

وعلى الرغم من الحصار، ستواصل قطر ومصر السعي لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في استقرار غزة. ولكن إذا انهارت الهدنة الهشة، فسوف ينتهي هذا التعاون، وستنمو الفجوة بين القاهرة والدوحة على نطاق أوسع.

  كلمات مفتاحية

غزة حماس المصالحة الفلسطينية مصر قطر الأونروا إعادة الإعمار