استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

بداية نهاية الدولة الكبرى.. أمريكا

الخميس 27 سبتمبر 2018 05:09 ص

تصريح الرئيس "ترامب" بأنه على دول الخليج و"أوبك" تخفيض الأسعار فورا، يعكس الحالة البائسة التي وصلت إليها الإدارة الأمريكية بقيادة "ترامب".

هذه دعوة لن تلقى من دول الخليج أو بالأحرى من مجموع دول "أوبك" أذنًا مصغية، ولن يكون من الممكن لهذه الدول صغيرة كانت أم كبيرة أن تتلقى التعليمات من "ترامب" عبر "تويتر" أو عبر خطابه في الجمعية العمومية منذ يومين.

بل يبدو أن "ترامب" لا يعرف أن "أوابك" و"أوبك" لم تعد القوة الأساسية في سوق النفط، وأن تأثيرها في الأسعار لم يعد كالسابق.

لكن في المقابل، خوض "ترامب" حربا تجارية مع الصين، هو الآخر بداية لمواجهة لن يعرف الرئيس الأمريكي كيف ينهيها.

إن أثر هذه العقوبات على الاقتصاد الأمريكي سيكون أسوأ من أثر حرب العراق في 2003، والسبب في ذلك أن الرد الصيني في مقابل الفعل الأمريكي سيكون مؤثرا.

لأسباب تاريخية تتعلق بالعولمة والتقنيات الحديثة وانتشارها لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية في المقدمة، فالكثير من الصناعات الأساسية الأمريكية انتقلت رويدا رويدا للصين وآسيا حيث العمالة الأقل تكلفة.

وعندما نسعى لمعرفة المجالات التي يعمل بها الأمريكيون، سنجد أنها تقلصت عشرات المرات نسبة لما كان عليه الحال في ستينات وسبعينات القرن العشرين.

الأمريكيون اليوم يعملون بمجال الخدمات بأكثر من أي شيء آخر، لأن معظم الصناعات الإلكترونية والتلفزات والتكنولوجيا والسيارات وغيرها شهدت تحولات جعلت الصين تسبق الولايات المتحدة.

والولايات المتحدة لازالت الدولة الثانية في العالم بعد الصين في الصناعة.

إن المعركة الاقتصادية مع الصين، وبمعزل عن التفاهم مع أوروبا والمكسيك وكندا، لن ينقذ هذه الصناعات أو يعيد الكثير من مصانعها إلى الولايات المتحدة.

ولو دققنا لوجدنا أن ملكية بعض أكبر المؤسسات الاقتصادية الأمريكية لم تعد أمريكية كالسابق، فلم تعد بعض أكبر وأهم المؤسسات والشركات الكبرى أمريكية الملكية.

فقد انتقلت مثلا ملكية مؤسسات تجارية عديدة من الملكية الأمريكية لملكيات غير أمريكية ومنها: هوليداي إن، سڤن إلڤن، جنرال إلكتريك، بيرغر كينغ، هوفر، موتورولا، Amc سينما، بدوايزر، فايرستون.

من جهة أخرى، بلغت أرباح كبرى الشركات الأمريكية من خارج أميركا مثل: وولمارت 26%، وإكسون موبل 45%، وفورد 51%، وآي بي إم 64%، وبوينغ 41%، وداو كيميكال67%، وبنك أوڤ أميركا 20%، ومكدونالدز 64%. ونايكي 50%...

هذا يثير السؤال: عمّ يتحدث الرئيس "ترامب" وكيف يتهم "أوبك" بينما دولته تشن الحروب وتحقق الأرباح الخيالية من العالم كله؟

لقد تغير العالم بفضل العولمة التي قادتها الولايات المتحدة، وما محاولة تدميرها إلا شكل من أشكال تدمير الاقتصاد الأمريكي أولا.

بسبب الضرائب المفروضة على البضائع الصينية الآن وبنسب ستصل لـ25% سيدفع المستهلك الأمريكي الثمن.

لكن المتمعن بوضع الصين سيكتشف أنها بعد 20 عاما ستتجاوز الولايات المتحدة في حجم الاقتصاد، وأن الحرب الاقتصادية على الصين ستدفعها نحو أوروبا التي يشن عليها أيضا "ترامب" حربا اقتصادية.

هذه التطورات تؤكد بأن الصين لن ترحب بالشركات الأمريكية كالسابق على أراضيها، وهذا يعني أن فرص تطور التحالف الصيني الأوروبي قائمة، وفرص تداخل روسيا مع هذا التحالف هي الأخرى ممكنة.

العالم يتغير، وانتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة في العام 1991 تآكل بفضل حروب، وبفضل الالتزام الأمريكي بسياسات اليمين الإسرائيلي في سياسات متناقضة تجاه الشرق الأوسط.

وقد تعاملت الولايات المتحدة مع انتصارها في الحرب الباردة بالكثير من الثقة، ما دفعها لإدخال دول أوروبا الشرقية في الناتو، ومنعها بروز قوة أخرى في العالم منافسة لها.

لكن هذا التمدد بحد ذاته أخاف روسيا واستفزها، فقد اعتبرت روسيا بأن الولايات المتحدة تقوم بغزو مجالها الجغرافي، لهذا جاء الرد الروسي في كل من جورجيا وأوكرانيا من خلال مواجهات عسكرية وتمدد واحتلال.

بل يمكن القول بأن التدخل الروسي (السلبي) في الانتخابات الأمريكية لم يكن إلا جزءا من الرد الروسي على التدخل الأمريكي في مجالها الجغرافي والعسكري.

ومن علامات تراجع الولايات المتحدة ضعف قدرتها على التعامل مع المسألة السورية مقابل تعاظم القدرة الروسية والتركية والإيرانية، وهذا يعني أن حل القضية السورية لم يعد كما كان الأمر سابقا في كوسوفو والبوسنة حلا أمريكيا.

وينطبق ذات التحليل على صفقة القرن التي دعمتها الإدارة الأمريكية بقوة، لكن دعم الولايات المتحدة لصفقة القرن لم يكن يعني إلا تخليها عن اتفاق أوسلو الذي دعمته في تسعينات القرن العشرين.

وهو يعني أنها لم تعد حتى شريكا محايدا أو شبه محايد خاصة مع اعترافها بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، هذا الانحياز أفقد الولايات المتحدة المصداقية والصدقية.

إن حالة الإدمان التي يعيشها "ترامب" تجاه فرض العقوبات يعكس ضعفا، فالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كوبا الدولة الصغيرة التي تبعد عن فلوريدا 90 ميلا لم تأت بأية نتائج، وهذا يعني أن العقوبات على إيران وغيرها من الدول بما فيها روسيا لن تخدم أهداف السياسة الأمريكية.

فإن كان هدف العقوبات أن تنسحب إيران من الإقليم، فمن الواضح أن العقوبات ستجعلها تتورط أكثر من الإقليم وستجعلها تعتقد بأن وجودها في الإقليم وانتشار قوتها ضمانة لعدم التعامل معها كما تم التعامل مع العراق في 2003.

وإن كان الهدف من العقوبات على إيران جعلها تعود للتفاوض فمن الواضح أن إيران ستنتظر لحين ذهاب "ترامب" من المشهد قبل العودة للتفاوض، وهذا يعني أنه أمام إيران ودول أخرى أن تنتظر للعام 2020 وربما للعام 2024.

إن دخول الولايات المتحدة في معركة تجارية مع أكثر من إقليم وأكثر من قارة بنفس الوقت هو الخطأ الاستراتيجي الذي يصيب الولايات المتحدة في ظل قيادة "ترامب".

في هذا تتنازل الولايات المتحدة عن قيادتها للعالم وعن قيادتها لأوروبا وقيادتها لأمريكا اللاتينية لصالح وهم استعادة القوة الأمريكية والصناعات والسيطرة ورفع مكانة العرق الأبيض الأمريكي.

لن يكون بالإمكان تحقيق هذه الطموحات لاأسباب اقتصادية وسياسية وبسبب نشوء قوى كبرى جديدة، وبسبب حركة الديمغرافيا وتحولات مستمرة في المجتمع الأمريكي.

إن تدمير العولمة من قبل الدولة التي بنتها سيترك مع نهاية عهد "ترامب" الولايات المتحدة فاقدة للقدرة على حماية النظام العالمي الأمني والاقتصادي الذي قادته.

إن أثر "ترامب" على أمريكا قد لا يقل عن أثر "غورباتشوف" على الاتحاد السوفييتي، سيتضح هذا مع نهاية 8 سنوات من حكم "ترامب".

قد يفوز "ترامب" في العام 2020، لكن فوزه سيكون مدمرا للدولة الكبرى، وهذا قد يعني أن الولايات المتحدة قد تفشل حتى في التزاماتها الأمنية تجاه أصدقائها.

إن لهذا التطور في العقد المقبل انعكاسا كبيرا في منطقة الخليج التي تعتمد على الولايات المتحدة في جانب كبير من أمنها، سيتغير كل شيء خلال السنوات القادمة، العالم يتغير ولا بد من الاستعداد لهذا التغير.

- د. شفيق ناظم الغبرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

أمريكا دونالد ترامب التزامات أمنية العولمة نظام عالمي حرب تجارية قيادة العالم الخليج الصين روسيا أوروبا