فورين أفيرز: الاقتصاد الإيراني سيصمد في وجه العقوبات الأمريكية

الخميس 27 سبتمبر 2018 03:09 ص

خسر الريال الإيراني، العملة المحلية في إيران، ثلثي قيمته خلال الأشهر الستة الماضية، وحدث الكثير من هذا الانخفاض بعد انسحاب الولايات المتحدة رسميا من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار.

في واشنطن، يُنظر إلى سقوط الريال على نطاق واسع كنتيجة لعقوبات الولايات المتحدة، وعلامة على الانهيار الاقتصادي الذي قد يؤدي إلى إسقاط النظام الإيراني.

وفي حين أن الادعاء الأول صحيح بشكل عام وإن كان مبالغا فيه، فإن الثاني يستند كليا إلى افتراضات خاطئة.

فعلى الرغم من أن الرئيس "دونالد ترامب" أضر بالاقتصاد الإيراني، إلا أن المستوى غير المتوقع لتراجع الريال لا يأتي بسبب سياسة الولايات المتحدة، لكن بسبب القارات السيئة المتخدة في طهران، والضعف الهيكلي في الاقتصاد الإيراني.

ويشير الفهم الصحيح للعوامل التي عمقت الأزمة إلى أن المصاعب الحادة التي تمر بها البلاد قد تخف أو تختفي مع تكيف إيران مع الوضع الجديد.

ويحتاج سوق الصرف الأجنبي الإيراني إلى فهم شروطه الخاصة من أجل تجنب الخطأ الشائع المتمثل في افتراض أن سقوط الريال في السوق الحرة يعني الانهيار الاقتصادي، والفقر المتزايد، وزيادة الاحتجاجات التي قد تضعف النظام.

تأثير "ترامب"

في الأشهر التي تلت يناير/كانون الثاني 2016، عندما بدأ سريان خطة العمل المشتركة، كان التفاؤل في طهران واضحا.

وشغل التنفيذيون الأوروبيون الفنادق ذات الخمس نجوم بحثا عن فرص الاستثمار، وعززت خدمات سيارات الأجرة الخاصة بالمطارات أساطيلها لتناسب عملاءها الأجانب بشكل أفضل.

وخلال السنة المالية الإيرانية 2016-2017 (من مارس/آذار 2016 إلى مارس/آذار 2017)، نما اقتصاد إيران بنسبة 12.5%، حتى مع استمرار فرض بعض العقوبات الأمريكية.

لكن بحلول منتصف 2017، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي) كانت تحتضر، وأن إيران لن تعاود التفاوض بشأن صفقة جديدة.

وأرخى شبح العقوبات أشرعة الاقتصاد، وحتى قبل أن يعلن "ترامب" أنه سيتخلى عن الخطة، بدأ التنفيذيون الغربيون في حزم حقائبهم.

وبالنسبة إلى الشركات الدولية الكبرى، كان خطر فقدان الوصول إلى الأسواق الأمريكية يفوق بكثير الأرباح غير المؤكدة في إيران.

وانخفض إجمالي رأس المال الثابت، وتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي، وانخفض الإنتاج الصناعي، وبقيت القطاعات الأخرى ثابتة.

وكان الاستثناء هو إنتاج النفط، الذي ارتفعت صادراته في الربع الأخير مع اندفاع المشترين للحصول على آخر شحناتهم من النفط الإيراني قبل أن تضرب العقوبات الأمريكية القطاع في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وفي حين أن حدوث صدمة اقتصادية سلبية بسبب إعادة فرض عقوبات الولايات المتحدة كان أمرا حتميا، إلا أن العديد من الأخطاء السياسية والاقتصادية في طهران زادت من حدة الأزمة.

وكان أكثرها وضوحا قرار الحفاظ على سعر الصرف ثابتا خلال الأعوام الـ6 الماضية، من عام 2012 إلى عام 2018.

وخلال هذه الفترة، تضاعفت الأسعار في إيران تقريبا، مقارنة مع أسعار شركائها التجاريين؛ ونتيحة لذلك أصبحت العملة مقومة بأكثر من قيمتها بنسبة 100%؛ ما أضر بالصادرات غير النفطية والعمالة.

وتعد المبالغة في تقدير قيمة العملة أمرا طبيعيا في الاقتصادات المصدرة للنفط مثل إيران، وعادة ما يتطلب الأمر صدمة خارجية لتصحيح سعر الصرف لصالح المصدرين، كما فعلت العقوبات في عام 2012 (عندما انخفض الريال بنسبة 200%) وكما يحدث مرة أخرى الآن.

وارتكبت الحكومة الإيرانية خطئا ثانيا عن طريق التخفيف علنا ​​من خطر العقوبات وتأثيرها على الريال.

وبدلا من التأكيد للمستثمرين أن الحكومة كانت على دراية بالمشكلة، ولديها خطط للتعامل مع عواقبها الاقتصادية، وصف المسؤولون العملية بأنها "فقاعة" تتسبب فيها شخصيات مشبوهة داخل وخارج إيران، وأشاروا إلى وجود فائض تجاري إيراني ومعدلات صرف ممتازة للعملات الأجنبية.

وكانت هذه الضمانات جوفاء بالنسبة للإيرانيين، الذين فقدوا مدخراتهم في أزمة 2012، عقب إنكار الحكومة تخفيض قيمة العملة بنسبة 200%.

ورد الإيرانيون الأثرياء ومن الطبقة الوسطى بتحويل مدخراتهم من الريال إلى عملات أجنبية وذهب، من أجل حماية مدخراتهم أو لإخراجها من البلاد.

وساعد البنك المركزي الإيراني في رحلة الريال هذه من خلال تقديم "أكياس من الدولارات" (حسب وصف الرئيس حسن روحاني) إلى البنوك والصرافات المرخصة.

وبررت الحكومة ذلك بأنه محاولة لطمأنة المستثمرين بأن الريال مستقر ويظل عملة قابلة للتحويل.

لكن كان من غير المنطقي أن تبيع الحكومة احتياطياتها النادرة، وسارع المستثمرون لشراء كل الذهب والعملات الأجنبية التي كان البنك المركزي يقدمها، مستغلين خطأ الحكومة.

وفي أبريل/نيسان 2018، حددت حكومة "روحاني" قيمة الريال بمبلغ 42 ألف ليرة مقابل الدولار، وخفض قيمة العملة بنسبة 10% فقط، وأغلقت سوق العملات الأجنبية بالكامل؛ ما أجبر التجار على دخول السوق السوداء، وكان هذا خطئا أيضا.

ومن المفارقات، أنه مع عدم دخول عقوبات الولايات المتحدة حيز التنفيذ رسميا حتى أغسطس/آب 2018، كانت حكومة إيران نفسها هي التي عطلت التجارة الخارجية للبلاد لعدة أشهر.

خصوصية الاقتصاد الإيراني

تعد الصدمات الاقتصادية الخارجية السلبية شائعة في البلدان النامية؛ حيث تبدأ عادة بأزمة عملة، وتنتشر بعد ذلك إلى بقية الاقتصاد.

لكن آليات هذا الاحتمال مختلفة تماما في إيران؛ حيث أن الحكومة، بفضل النفط، هي المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية، مقارنة ببلدان مثل الأرجنتين وتركيا، حيث لا يحدث ذلك.

ففي كل من الأرجنتين وتركيا، على سبيل المثال، تدين المصارف الخاصة بدين كبير مقوم بالدولار للمقرضين الأجانب.

وبعد الصدمة، تصبح هذه الديون بسرعة أكثر تكلفة لخدمتها وسدادها.

ولمنع فشل البنك، ترفع الحكومة أسعار الفائدة؛ مما يضر بالناتج المحلي، أو تمد ائتمان البنوك مما يسبب التضخم.

والغريب، على عكس نظيرتيها الأرجنتين وتركيا، قد تساعد أزمة العملة الإيرانية نظامها المصرفي.

وهذا ليس لأن البنوك الإيرانية تتمتع بصحة أفضل، بل على العكس، فقد ظلت متعثرة لأعوام، لكن لأن ديونها الكبيرة مقومة بالريال، والتضخم قد يخفض كثيرا من قيمة هذه الديون.

لقد كانت البنوك تعاني من انهيار أسعار العقارات الإيرانية قبل 5 أعوام، لكن خفض قيمة العملة تسبب في حدوث تضخم سريع للغاية من المرجح أن يتجاوز 50% هذا العام؛ مما سيزيد من قيمة العقارات والأصول الأخرى التي تمتلكها البنوك.

وبالمثل، يؤثر تخفيض قيمة العملة على الدخول في إيران بشكل مختلف عما يحدث في أي بلد آخر.

ويمكن للحكومة الإيرانية تخصيص صرف العملات الأجنبية الذي تحصل عليه من النفط لدعم قطاعات محددة، أو مجموعات سكانية معينة.

وفي الأرجنتين وتركيا، تعتبر الحكومة مشتر صاف للنقد الأجنبي؛ لذا لا يمكنها فعل ذلك، وهذا هو السبب في أن الحديث عن سعر الصرف في إيران، كما يحدث بشكل روتيني، يعد مضللا.

وحاليا، تمتلك إيران 3 أسعار مختلفة للصرف.

الأول هو سعر السوق الحرة الضيق إلى حد ما، والذي، وفقا لمسؤول في البنك المركزي، لا يمثل سوى 3% من العملات المتداولة.

وفي الأسبوع الماضي، كان معدل السعر في هذا السوق يحوم حول 140 ألف ريال لكل دولار أمريكي.

والثاني هو السوق الذي يتاجر فيه المصدرون والمستوردون المرخصون.

وقد بلغ المعدل في هذا السوق في الأسابيع الأخيرة نحو 90 ألف ريال لكل دولار.

وأخيرا، تبيع الحكومة ما يصل إلى نصف إيراداتها من العملات الأجنبية بمعدل أقل بكثير، عند 42 ألف ريال للدولار الواحد، من أجل استيراد الضروريات المنزلية الأساسية والسلع اللازمة للإنتاج الصناعي.

وبسبب أسعار الصرف المتعددة هذه، لا يؤثر تخفيض قيمة العملة على جميع القطاعات بالتساوي.

ومنذ أبريل/نيسان 2018، بينما انخفض سعر الصرف في السوق الحرة بأكثر من 60%، ارتفع مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 16% فقط.

ومن ثم، فإنه من المضلل قياس معدل التراجع في مستويات المعيشة من خلال الانخفاض في قيمة الريال في السوق الحرة.

ووفقا لدراسة أجراها البنك الدولي، فإن معدل الفقر في إيران منخفض عموما بالمعايير الدولية، حيث يبلغ أقل من 10%.

ويتلقى نحو 8 ملايين إيراني بدلات من اثنتين من وكالات الرعاية الاجتماعية، ويتلقى نحو 50 مليون تحويلات نقدية شهرية تبلغ قيمتها نحو 100 دولار في الشهر لأسرة مكونة من 4 أفراد.

وقام برنامج التحويلات النقدية، الذي أنشأه الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد" عام 2010، بالكثير لمساعدة الإيرانيين الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى على مواجهة الأزمة عام 2012.

وتسببت سياسة "روحاني" في إعاقة هذا البرنامج؛ مما جعل قيمة التحويلات الشهرية تتراجع بنحو 75% منذ عام 2012، وتم استبدالها بتحويلات من مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وأحدها مؤسسة خيرية دينية.

ويهمش الترتيب الجديد الطبقة الوسطى الدنيا، التي لا تندرج تحت الحماية الرسمية.

وكان غضب هذه المجموعة واضحا خلال الاحتجاجات التي اجتاحت مناطق حضرية أصغر في إيران في يناير/كانون الثاني الماضي.

المستقبل في الميزان

يمثل استئناف العقوبات الأمريكية ضربة قوية للاقتصاد الإيراني، لكن هذا لا يمكن قياسه حقيقة بمدى انخفاض العملة الإيرانية.

فما يحدث لاقتصاد إيران يعتمد إلى حد كبير على كيفية استجابة العمالة ومدى تأثر الدخول الحقيقية بخفض قيمة العملة.

وحتى في ذلك الوقت، فإن الطريقة التي سيستجيب بها الجمهور الإيراني للصعوبات الاقتصادية تعد هي المجهول الأكبر؛ حيث ننتظر هل يحث الإيرانيون قادتهم على الاستسلام لمطالب الولايات المتحدة، كما تأمل إدارة "ترامب"، أم أنهم سيتخلون عن السياسات والعلاقات مع بقية دول العالم، كما يأمل المتشددون الإيرانيون؟

واستجابت الحكومة الإيرانية لتدهور الأوضاع الاقتصادية من خلال برامج توفر للفقراء حماية أكبر من أسوأ عواقب العقوبات.

لكن المشكلة الاقتصادية الأكبر لا تزال بطالة الشباب المرتفعة.

ويبقى ثلث الرجال ونصف النساء دون الـ30 من العمر، الحاصلين على شهادات جامعية، عاطلين عن العمل.

وقد يساعد الريال الرخيص الحكومة في خلق فرص عمل عن طريق زيادة الطلب على الصادرات غير النفطية في إيران.

لكن هناك حدود لإيجاد فرص عمل ما دامت العقوبات المالية الأمريكية تمنع وصول إيران إلى الخدمات المصرفية العالمية.

وتعتمد إيران الآن على الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا للوصول إلى الأسواق العالمية؛ حيث تحاول هذه القوى إنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي، لكن يبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كانت هذه القوى قادرة وراغبة في فتح شريان الحياة للاقتصاد الإيراني.

وبالعودة إلى عام 2012، عندما اجتاحت البلاد أزمة مماثلة، ألقى الإيرانيون باللوم على إدارة "أحمدي نجاد" لعدم كفاءتها وموقفها العدائي من الغرب.

وظلوا يأملون في أن يتمكنوا من خلال انتخاب إدارة أكثر اعتدالا من عكس تأثيرات 4 عقود من العزلة.

وصوت الملايين من الإيرانيين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح العولمة وتطبيع العلاقات مع الغرب.

وإذا كانت نتيجة تلك الآمال مجرد سراب، فقد يستجيب الإيرانيون للأصوات الأقوى في بلدهم، التي تنادي بالتخلي عن الغرب والتحول إلى الداخل وإلى الشرق بدلا من ذلك.

المصدر | جواد صالحي إصفهاني - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

الريال الإيرامي الاقتصاد الإيراني البطالة التضخم ترامب العقوبات على إيران