استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الخوف!

الجمعة 28 سبتمبر 2018 04:09 ص

قررت السلطات المصرية مؤخراً ليس فحسب الاستمرار باعتقال شخصيات وطنية عامة هناك اجماع إجتماعي على احترامها، مثل المستشار هشام جنينة والدكتور عبد المنعم أبوالفتوح ومؤخراً السفير السابق معصوم مرزوق، والاكاديميين والكتاب من أمثال هشام جعفر أو إسماعيل الاسكندراني، والفنانين من أمثال المصور شوكان.

بل وقررت توجيه تهمة الإرهاب إليهم، وآخر البدع: مصادرة أموالهم!

هناك آلاف المعتقلين في مصر على هذا المنوال، من دون أن يكونوا "شخصيات عامة"، بمعنى المكانة التي نالوها بفضل وظائفهم أو أدوارهم، والشهرة التي تصاحبها.

شبان وشابات ممن تجرأوا على الانتفاض في يناير 2011 وظلوا بعدها محتفِظين بروح الحرية، أو اعتقلوا اعتباطاً لسحق تلك الروح ومحوها وليكونوا «عبرة لمن يعتبر». شبان وشابات تجرأوا على سؤال بعض التدابير العادية التي تقيمها السلطات..

آخرهم - وليس أخيرهم بالتأكيد - الطالبتان سهيلة محمود وخديجة بهاء الدين، لأنهما تفحصتا السد الأسمنتي المنيع الذي أقامته السلطات على جزء من كورنيش الإسكندرية والذي يحجب البحر، وذلك في إطار مشروع تخرجهما الجامعي.

وهما، ويا للعار، استطلعتا رأي المواطنين، وجرى الشك بأنهما ربما كانتا تَهمّان بنشر الصور الملتقطة للسور على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بغاية "تأليب الرأي العام ضد مؤسسات الدولة، ومحاولة هدمها (...) وتكدير السلم والأمن العام (...) والإضرار بالوحدة الوطنية".. بحسب نيابة الاسكندرية، التي قررت الاستمرار في حبسهما لمزيد من التحريات.

«النكات» من هذا القبيل لا تُعد ولا تحصى في مصر. وهي مبتذلة بل ومُهينة للسلطات التي ترى في أي حركة او نأمة تهديداً لها، فتثبت بذا مبلغ هشاشتها.

لكنها وعلى صعيد آخر تمتلك وظائف حقيقية تتعلق بـإدارة المجتمع بواسطة الخوف. ومن المعروف أن هذا الشعور يدفع الى الانمحاق أو الانسحاق (وتعابير الخوف والسحق أو التسوية بالارض يمتلكان جذراً واحدا في اللاتينية القديمة)، وأن الخوف يدفع للقبول بالعبودية كما شرح الفيلسوف الالماني هيغل.

والشعور بالخوف يولد شعوراً موازياً بالإهانة في علم النفس الاجتماعي. الخوف، بتعدد تعبيراته، صار مادة للبحث السوسيولوجي بالغ الجدية، الذي لم يعد يركّز أصلاً عليه كأداة لأنظمة الاستبداد، وهي مقاربة كلاسيكية له في المجال السياسي.

بل راح يتفحصه في «الديمقراطيات» العريقة نفسها التي صارت تلجأ إليه (الخوف من الاجانب، من الارهاب، من الاسلام، من النووي، من الأوبئة والأمراض القاتلة، من الكوارث البيئية، من فقدان العمل، من الوحدة، وقس على ذلك..) لعجزها عن توفير متطلبات استقرار المجتمع ورفاهه.

فصار مواطنوها يتحسسون رؤوسهم خشية المتربصة بهم، وبعضها لا يمتلك قواماً مجسداً أو هو عمومي، ولكن لا تتوقف عن بثه مختلف وسائل الاعلام في نشراتها الكوارثية، وكذلك أفلام مليئة بعنف خيالي بحت أحياناً أو مستند الى وقائع جرت، يجري تحويرها ونفخها واستخدامها خارج سياقاتها.

الخوف ينزلق بمطالبات المواطنين من ميدانها الى مجال آخر، وهو يقوّي لدى السلطات القناعة بأن المخاطَب ينبغي ان يكون «انفعالات الجمهور»، ما يفسر انتشار الـ"ستوري تيللينغ" والطلعات الهوليوودية (الجيدة والرديئة) التي صار السياسيون يعتمدونها ويوظفون خبراء لتدريبهم عليها..

أثناء التحركات الاخيرة في محافظة البصرة احتجاجاً على تردي الاوضاع المعيشية في مكان – العراق نفسه والمحافظة تحديداً – يمتلك عوائد مالية مهولة، وقعت بعض حالات الاعتداء على البيوت أو المتاجر من قبل عصابات مجهولة الهوية.

هذا أمر يمكنه ان يحدث فعلا في ظل حال من الفوضى، كما يمكنه أن يستفيد من غض الطرف من قبل السلطات، ومن تضخيم وقائعه في الإعلام ومن تنظيمه واختراعه اصلاً.

والمبادرة لتشكيل لجان محلية لحماية الاحياء والمتاجر هي الجواب الصحيح الذي وجده الناس، وهي تماماً وحرفياً ما يقارع الخوف المصيب بالشلل والانكفاء والرضوخ.

الأمل يمكنه قهر الخوف، وتجسيد المخارج من الحال المدقع يحتاج الى «الخيال السياسي»، وهذا ليس شعراً بل أداة في العمل النضالي. غياب الخيال السياسي (الذي تقع على المثقفين مهمة انتاجه وصونه) يُنبئ من جهة بمقدار سوء الحال، ومن جهة آخرى، وخصوصاً، بافلاس من تقع عليهم المهمة..

في البصرة، لجأت ميليشيات مسلحة إلى إطلاق النار على رؤوس المحتجين كما على أفراد الشرطة، ثم وسعت توظيف الخوف إلى بعض الاغتيالات، من مثل ما قيل عن جرحى أو مخطوفين تجري تصفيتهم بطلقة بالرأس، وتصوير لحظة الإلقاء بجثثهم من السيارات – وبعضها كانت سيارات إسعاف! – إلى قارعة الطريق.

وهو سيناريو آخر لإشاعة الخوف ولجم الاعتراضات ودفع الناس لملازمة بيوتها.. و"القبول بالمرّ حتى لا يُذاق ما هو أمرّ منه". للتذكير، شاعت بالماضي جملة شهيرة على لسان صدام حسين: "الخوف زين"!

وقد لا يكون حبس أو قتل. قيل أن السلطات الجزائرية استقبلت 30 الف سوري لاجئ الى البلاد وسمحت لمن يريد بالتسول في الشوارع، بعدما جرى توزيعهم على كل أنحاء البلاد، وأنه اشترط عليهم أن.. يمسكوا باليد الاخرى بجوازات سفرهم السورية!

وأن ذلك كان تربية للجزائريين على المصير المخيف الذي ينتظرهم لو هم تمردوا وهزّوا السلطات القائمة – مهما كانوا يعرفون من سوئها – وأنهم وضعوا بمواجهة سؤال قفز الى أذهانهم: وأنتم الى أين ستذهبون؟"..

هكذا، بكل سلمية. ويمكن الاسترسال على هذا المنوال، والتقاط أمثلة من الأماكن الأخرى لإدراك مبلغ تأثير الخوف على التفكير الاجتماعي والسياسي.

يجسد هذا الموضوع إحدى أبرز سمات عصرنا "ما بعد الحداثي" أو المعولم، أي تداخل المجالات والميادين كلها: السوسيولوجيا والسيكولوجيا والسياسة والاقتصاد والطب والبيئة.. العلم والفلسفة. وهو يبيِّن الصلات القوية القائمة بين الديناميات الاجتماعية وأشكال الخوف المتنوعة.

* د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية رئيسة تحرير «السفير العربي».

  كلمات مفتاحية

الخوف مصر العراق اعتقال أنظمة عربية سجناء قمع محمد كوثراني