طلاق السبسي والنهضة.. ملامح خارطة جديدة للسياسة التونسية

الجمعة 28 سبتمبر 2018 01:09 ص

لماذا خاطرت حركة "النهضة" التونسية بتحالفها مع الرئيس "قائد السبسي" وحزبه "نداء تونس" عبر إصرارها على بقاء حكومة "يوسف الشاهد"؟ وما هو تأثير ذلك على الطرفين قبل انتخابات الرئاسة المقبلة (2019)؟ وإلى أي مدى تبدو الحركة متمكنة من أوراق اللعبة في ساحة سياسية تموج بالانشقاقات والانهيارات الحزبية؟

تدور نقاشات التونسيين حول هذه الأسئلة منذ إعلان "السبسي" نهاية تحالفه مع "النهضة"، في حواره أجراه الأسبوع الماضي مع قناة "الحوار" التونسية؛ وهو الإعلان الذي اعتبره مراقبون "نقطة الذروة" لأزمة "نداء تونس" الداخلية، التي أسفرت عن تشظي الحزب وانقسام كتلته البرلمانية.

وتعود بداية القصة إلى نهاية 2015، عندما أعلنت العديد من قيادات الحزب (بينهم نواب) انسحابها منه، على خلفية نزاعات داخلية قادها "حافظ" نجل "السبسي" ليخسر الأغلبية النيابية في البرلمان، بكتلة تضم 55 نائبا فقط، بعدما كان فائزا بـ86 مقعدا في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2014.

وتضمنت ملفات النزاع الداخلي الموقف من التحالف مع حركة "النهضة"، وظلت مستمرة حتى أعلن 8 نواب استقالتهم من الحزب مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، لتتقلص كتلة الحزب إلى 47 نائبا، في حين ارتفعت كتلة المستقيلين والمنضمين لكتلة برلمانية جديدة باسم "الائتلاف الوطني" إلى 43 نائبا.

وكان ملف حكومة "الشاهد" أحد أبرز ملفات الخلاف بين جناح "حافظ السبسي" (الرئيس التنفيذي للحزب) وحركة النهضة؛ إذ يرى الأول ضرورة تغييرها لتعثرها الاقتصادي، بينما ترى الحركة أن الحفاظ على الاستقرار الحكومي أولى لمصلحة تونس، خاصة في ظل اقتراب الاستحقاق الرئاسي في 2019.

وإزاء استفحال حالة الانقسام الداخلي، أعلن "حافظ" وفريقه تجميد عضوية "الشاهد" بـ "نداء تونس"، منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، مع إحالة ملفه إلى لجنة نظام الحزب (الانضباط) لتنظر فيه.

تشظي النداء

ولا يزال حزب الرئيس التونسي في حالة تشظي مع توالي انسحابات النواب؛ ما ظهر أثره مؤخرا في خسارة الحزب لنحو مليون صوت في الانتخابات البلدية الأخيرة، التي شهدت -في المقابل- تقدما لحركة "النهضة".

 وإزاء ذلك، يرى مراقبون ان إعلان الرئيس التونسي لنهاية التوافق مع "النهضة" ليس سوى "إعلان هزيمة" أمام صعود نجم "الشاهد"، الذي نجح في تكوين قاعدة برلمانية داعمة له، إلى جانب حركة "النهضة"؛ ما دفع "السبسي" نفسه إلى التبرؤ منه وتحميله مسؤولية الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

"النهضة" قرأت محاولة "نداء تونس" تحويل "الشاهد" وحكومته إلى كبش فداء للتعثر الاقتصادي قبل الاستحقاق الرئاسي؛ لذا اتخذت موقفا مغايرا للرئيس الذي لم يعد متزعما لذلك الحزب القوي الذي فاز بانتخابات 2014.

هذا التراجع الكبير في التأثير اعترف به "السبسي" نفسه في حواره مع تلفزيون الحوار، قائلا: "لست راضيا عن الأداء في نداء تونس".

ومع توالي حالات الانهيار والتشظي الحزبي في البلاد، باتت "النهضة" أمام مستقبل ضبابي لا يمكنها فيه التعويل على تحالفات متينة، ولذا آثرت الارتكان إلى "التزام تكتيكي" بالتحالف مع "السبسي" حتى تفجرت أزمة الحكومة.

دبلوماسية تكتيكية

وفي هذا السياق، أدلى رئيس كتلة "النهضة" في البرلمان التونسي، "نور الدين البحيري"، مؤخرا، بتصريحات وصفها مراقبون بـ"الدبلوماسية"، مفادها أن "الاختلاف حول حكومة الشاهد لا يفسد للتوافق قضية"، وأن "تونس مبنية على التعدد والتنوع، والخلافات الأيديولوجية والسياسية لا تمنع التعاون".

غير أن حقيقة موقف "النهضة" هو "الترقب" لحين استفراغ حالة السيولة الحزبية في فترة ما قبل الانتخابات، التي تشهد عادة إعادة تموضع للكتل السياسية وتشكيل خارطة جديدة لها، حسبما يرى المحلل السياسي التونسي، "خالد عبيد".

ويعزز من هكذا تحليل أن رد "البحيري" على سؤاله عن الكتلة التي سيتحالفون معها في الدورة البرلمانية المقبلة (تنطلق في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، جاء مؤكدا على أن التوافق هو خيار "النهضة" الاستراتيجي، وأن الحركة "ستتعامل مع كل من يرى أن تونس تقام بالتشارك والتواصل"؛ ما يعني أنه ترك الباب مفتوحا لجميع الاحتمالات.

ومن بين هذه الاحتمالات إمكانية عودة التحالف مع "السبسي" نفسه، حتى إن كانت ترجيحاته ذات وزن نسبي ضعيف، وهو ما بدا جليا في قوله: "اخترنا الاستقرار الحكومي، ولم نختَر أن نكون ضد الشاهد أو معه أو نكون ضد الرئيس".

ولذا يصف "عبيد" العلاقة بين "النهضة" و"السبسي" بأنها "تعايش ما بعد انتهاء التوافق"، خاصة أن الرئيس التونسي يعتقد أنه قدم الكثير من الخدمات للحركة التي لم تجاريه في اتجاهه لإقالة رئيس الحكومة.

خيارات الترقب

وترتبط خيارات ترقب "النهضة" باتجاه حالة السيولة الحزبية والبرلمانية إلى 3 احتمالات؛ الأول هو أن يتمكن "الشاهد" من تمثيل البديل الذي سيواجهها انتخابيا، في 2019، بعد حسم المعركة مع "نداء تونس" لصالحه.

 وفي هذه الحالة، يرجع العديد من المراقبين، ومنهم المحلل السياسي التونسي "محمد صالح العبيدي" أن تتجه الحركة لبناء تحالف جديد مع "الشاهد" يضمن الاستقرار التونسي لخمس سنوات أخرى.

ويتمثل الاحتمال الثاني في أن يمعن "الشاهد" وكتلته في تمزيق جثة "نداء تونس" دون أن يجهز عليه أو أن يتمكن من تمثيل البديل له، وبذلك ستكون "النهضة" أمام حالة أشبه بجناحين متصارعين لحزب منقسم غير قادر على مواجهتها في أي عملية انتخابية مقبلة.

وفي هذه الحالة، ربما تلجأ الحركة إلى رفع الغطاء البرلماني عن "الشاهد" في مرحلة متأخرة قبيل انتخابات الرئاسة؛ بما يسقط مشروعه السياسي من جانب، ويضمن احتياج "السبسي" لإعادة التحالف معها للفوز بالانتخابات مجددا.

أما الاحتمال الثالث فهو أن ينجح كلا الطرفين في تمثيل البديل، بتشكيل "الشاهد" لقائمة انتخابية ذات كتلة وازنة من قواعد "نداء تونس" مقابل لجوء "السبسي" ونجله إلى تشكيل قائمة أخرى على قاعد انتخابية أخرى تقوم بالأساس على "صراع الأيدولوجيا" مع "النهضة".

ويعزز الأكاديمي التونسي "عبدالوهاب الحناشي" هذا الترجيح مرتكزا إلى شواهد تؤشر لمحاولة الرئيس التونسي تجميع المناهضين لحركة النهضة من العلمانيين المتطرفين.

ومن أبرز هذه الشواهد، إصرار "السبسي" على إحالة توصية "لجنة الحريات الفردية والمساواة" بشأن المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في الميراث، إلى البرلمان لتقنينها، وهو ما رفضته "النهضة" في 26 أغسطس/آب 2018 الماضي، باعتبارها مخالفة لدين الدولة (الإسلام) المنصوص عليه دستوريا.

ولأن توصيات اللجنة تضمنت أيضا النص على ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام وعدم تجريم الشذوذ الجنسي، فإن "السبسي" ربما يخوض الانتخابات على أساس أيدولوجي قائم على التصادم المباشر مع ما يستحيل على "النهضة" قبوله.

وربما يؤشر إلى هذا الاحتمال احتفاظ "السبسي" للمقترحين داعيا إلى "تعميق الحوار فيها"؛ ما يعني أنه لا يرفضهما من حيث المبدأ.

وفي هذه الحالة سيكون أمام "النهضة" خيار التحالف مع "الشاهد" في إطار تشكيل حكومي يترأسه، مع انتظار مرشح "توافقي" تدعمه على منصب الرئيس.

عودة "المرزوقي"

ويرى مراقبون أن مؤشرات ظهور هكذا مرشح تلوح في الأفق، بعد استقالات جماعية (80 قياديا) شهدها حزب "حراك تونس الإرادة" الذي يتزعمه "المنصف المرزوقي".

 فرغم دلالة الاستقالات على حالة الضعف التي يعاني منها الحزب إلا أن سببها، الذي تذرع به المستقيلون، يشي بأن "المرزوقي" ربما يسعى لاستعادة تحالفه مع قواعد "النهضة" مجددا.

الأمين العام السابق للحزب "عدنان منصر" كان من بين المستقيلين، مبررا ذلك بأن "الحزب فقد هويته السياسية كمعارض ينتمي إلى العائلة الديمقراطية والاجتماعية".

وأشار "منصر" إلى أن المستقيلين حاولوا ضبط توجهات "حراك تونس الإرادة" ليكون معارضا لخيارات الائتلاف الحكومي الذي يقوده "نداء تونس" و"النهضة"، لكن "الحزب أصبح وكأنه في تبعية لحركة النهضة لغايات انتخابية"، حسب قوله.

واتهم القيادي السابق بالحزب "المرزوقي" بأنه يعول على أصوات قواعد "النهضة" ذات الجذور الإسلامية لدعم ترشيحه مجددا للانتخابات الرئاسية.

 وفي هذه الحالة ستكون "النهضة" أمام تحالف رئاسي حكومي تملك فيه مفاصل التحريك بشكل كبير، باعتبار حالة الضعف التي يعاني منها "حزب المرزوقي" وحداثة تجربة "الشاهد".

لم يكن "حراك تونس الإرادة" ليضحي بأقرب المقربين من "المرزوقي" سوى لمكسب سياسي كبير، حسبما يرى مرجحو هذا الاحتمال، خاصة بعد تصريح الأمينة العامة للحزب "درة إسماعيل" بأن "حراك تونس الإرادة ليس مبنيا على الأشخاص" في إشارة إلى عدم الاكتراث بموقف المستقيلين.

لا دليل على رجحان قطعي لأي من الاحتمالات السابقة، لكن المؤكد أن "النهضة" تمارس السياسة بشكل دقيق، وتلعب بأوراقها بذكاء يصل بها إلى هدف استراتيجي مفاده أن تظل رمانة ميزان الساحة التونسية.

  كلمات مفتاحية

تونس راشد الغنوشي يوسف الشاهد نداء تونس حركة النهضة منصف المرزوقي قائد السبسي