استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السياسة الأمريكية وأسعار النفط

السبت 29 سبتمبر 2018 06:09 ص

شهد الأسبوع الماضي حدثاً جديداً في سوق النفط العالمية. الرئيس الأميركي دونالد ترامب طالب مجموعة أوبك وروسيا بالعمل على تخفيض أسعار النفط عن طريق زيادة إنتاجهما، أو المعروض منهما في الأسواق العالمية، بمقدار مليون برميل يومياً.

وهذا يساوي تقريباً 3.3% من إنتاج "أوبك" اليومي، وحوالي 1% من صادرات النفط العالمية. وكان ترامب يهدف إلى عدم السماح لأسعار النفط بالارتفاع.

أجاب وزير النفط السعودي، خالد الفالح، يأن المملكة لن تقدر على ذلك لأسباب فنية، ولأن طاقتها الإنتاجية تراوح عند حدودها القصوى.

وكان رد الفعل الروسي أكثر وضوحاً، إذ رفضت روسيا ذلك. وبسبب هذا الموقف المحدّد من عدم التأثير المباشر على أسعار النفط لكي تنخفض، ارتفعت أسعار النفط ليتجاوز سعر البرميل ثمانين دولارا، أو بزيادة تقدر بدولار وربع الدولار، أو ما يساوي 1.6%.

ولقد أكدتُ كثيراً، عبر المقالات التي كتبتها، وفي المقابلات التلفزيونية التي أجريتُها، أن "أوبك" وحدها ربما لا تكون قادرة على التأثير على أسعار النفط صعوداً، لأن هذا يعني أنها سوف تقلّل إنتاجها فيرتفع السعر، وتدخل الدول النفطية المنتجة من خارج "أوبك" لكي تزيد إنتاجها.

ووجدت السعودية تحديداً أن استمرار الاعتماد عليها في تقليل إنتاجها اليومي الكبير لدعم الأسعار يفقدها في المدى المتوسط والطويل بعض الأسواق. ولهذا، قاومت المملكة أي ضغوطٍ عليها، لتنفرد بتخفيض إنتاجها.

وأمام هذه الظروف، تضافرت معها دول من خارج "أوبك"، وخصوصا روسيا الاتحادية، ما أحدث قوة تقدر بحوالي 39 مليون برميل إنتاجا يوميا، ما يجعل هذه الكتلة أكثر تأثيراً في تحديد السعر في الأسواق العالمية.

والسؤال المطروح على بساط البحث: لماذا طالب الرئيس الأميركي بزيادة الإنتاج في الوقت الذي أصبحت فيه الولايات المتحدة أكبر دولة منتجة للنفط؟

ولم تتبوأ الولايات المتحدة هذا المنصب إلا بسبب ارتفاع أسعار النفط السائل، ما مكّن الآبار الهامشية في الولايات المتحدة من أن تستعيد جدواها، وتبدأ في الإنتاج من جديد. وازدهرت مبيعات صناعة الحفارات للراغبين في التنقيب عن النفط.

أخيراً وليس آخراً، كلفة استخراج النفط السائل من الصخر الزيتي أعلى من كلفة استخراج النفط التقليدي. وبسبب وفرة النفط الصخري تحديداً بالولايات المتحدة، فقد زاد إنتاجها، وصارت تقول إنها صارت الأولى على العالم في إنتاج النفط.

هذه الحقائق تجعل طلب الرئيس الأميركي بوضع سقف لأسعار النفط أمراً يلحّ على إيجاد مبرّراتٍ لمثل هذا الطلب. وقد شهد الاقتصاد العالمي، خصوصا في النصف الثاني من هذا العام، زيادة ملحوظة في الطلب، ما أدّى إلى قفز سعر خام (برنت) من حوالي 70 إلى حوالي 80 دولاراً للبرميل، أو ما يعادل 71 دولارا كسعر للـ"نايمكس".

قد يكون السبب الأساسي عائداً إلى رغبة الرئيس الأميركي في إبقاء الناخب الأميركي سعيداً بعدم رفع أسعار وقود السيارات عليه. ويقدّر عدد السيارات المرخصة للسير على الطرق في الولايات المتحدة عام 2017 بأكثر من 270 مليون سيارة.

يشكل هؤلاء عدداً يفوق عدد المقترعين بكثير. لذلك، فإن رفع أسعار البنزين بالذات لن يُحدِث أثراً طيّباً على نتائج انتخابات الكونغرس النصفية، والمقرّر أن تجري في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

المبرّر الثاني لهذا الطلب أن الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز دورها الدولي في مختلف المجالات، علماً أنها بدأت تنسحب تدريجياً من الأسواق العالمية.

فقبل أيام، بدأت إدارة ترامب تطبيق زيادة التعرفة الجمركية على مستوردات إضافية من الصين بقيمة مائتي مليار دولار، وبنسبة 10%، وفعلت الشيء نفسه، قبل ذلك مع أوروبا. وتفرض عقوبات اقتصادية على دول كثيرة، وتدخل في حرب عملاتٍ وغيرها.

تعتمد إدارة الرئيس ترامب في التفاوض على إثبات قدرة إدارته على انتزاع تنازلاتٍ من غُرَمائه التجاريين والاقتصاديين. لذلك يريد دائماً أن يبقى، في نظر باقي العالم، السيد الآمر الناهي. لذا، لم يجد قبولا لهذا الطلب حتى من حلفائه.

المقاربة بين ما فعلته الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل احتواء هيبة منظمة "أوبك"، واستبدال مؤثرات أساسية على أسعار النفط لتعتمد على كل ما هو أميركي مثل سعر صرف الدولار، وسعر الفائدة على الدولار، والتغير في المخزون الأميركي من الوقود، وغيرها قد بدأت تثبت أن الأمور آخذةٌ في التغير.

الموقف الأخير للسعودية ومجموعة أوبك وروسيا يسعى إلى تذكير الأميركيين بأن سمة الاقتصاد الدولي هو التغير، وأن الطبيعة تكره الفراغ، فانسحاب أميركا إلى الحمائية، والانزواء الداخلي يفتح المجال أمام دول كبرى، مثل روسيا والصين والهند واليابان، والاتحاد الأوروبي، لملء الفراغ.

ولعل المبرر الثالث هو السعي، عن طريق تخفيض سعر النفط، إلى إيذاء خصوم الولايات المتحدة المعتمدين على النفط بشكل خاص مصدرا أساسيا لإيراداتهم، مثل روسيا وفنزويلا، وبالطبع إيران.

مع نجاح سياسة إرباك اقتصادات بعض الدول، عن طريق التلاعب بأسعار صرف عملاتها، كما حصل في إيران وتركيا وفنزويلا والأرجنتين، فإن الإدارة الأميركية قد تسعى إلى فرض مزيد من الضغوط عليها، بحرمانها من إيرادات النفط.

ومن المفارقات اللافتة أن الولايات المتحدة نفسها قد ساهمت بسياساتها من أجل حرمان إيران من تصدير نفطها، ورد إيران بأنها ستغلق مضيق هرمز لمنع تصدير نفط دول الخليج عبره، وغيرها من التهديدات ساهم في تحريك أسعار النفط إلى الأعلى.

النقطة الأخيرة التي تستحق التأمل هي لماذا صرّح وزير النفط والصناعة السعودي، وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو، رافضاً الطلب الأميركي.

قد يتصل السبب الأول بالقرار الذي أجل عرض 5% من أسهم شركة أرامكو في أسواق البورصة العالمية، والذي كان متوقعاً أن يستقطب حوالي 100 مليار دولار للشركة، بافتراض أن قيمة الشركة تساوي تريليوني دولار.

وإذا ارتفع سعر النفط، فإن قيمة أرامكو سوف تزداد، وترتفع معها قيمة سهم الشركة في الأسواق العالمية.

وقد يكون السبب الثاني هو كلفة حرب اليمن، خصوصا المبالغ المدفوعة للولايات المتحدة مقابل خدمات لوجستية وفنية واستخباراتية تقدمها وحدات الجيش الأميركي لقوات التحالف. وبحسب تقارير منشورة، تصل كلفة هذه الخدمات إلى عشرة مليارات دولار شهرياً.

وقد يكون السبب الثالث متصلاً بتغير الموقف السعودي الرسمي حيال نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة يهودية. وقد صرح العاهل السعودي، قبل شهرين، إن حل الدولتين قائم، وإن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

وضع حد للتدخل الأميركي في القضايا العربية بادعاءات أن دول الخليج تقف معه في كل مشاريعه العدوانية في المنطقة يجب أن يُدحض، لأن شهية إدارة ترامب، ولامعقولية طلباته من حلفائه، تزداد كماً وكلفةً، كلما وجد استجابة من هؤلاء الحلفاء.

وإن خالفوه مرّة، فإنه يمسح كل ما قدموه له سابقاً، ويعتبر أن شيئاً لم يكن. وهو يفعل هذا مع أقرب الحلفاء إليه في أميركا الشمالية وأوروبا والمحيط الهادئ.

* د. جواد العناني خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.

  كلمات مفتاحية

ترامب أسعار النفط أميركا السعودية أوبك روسيا أسواق النفط أرامكو إيران محمد كوثراني