العلاقة الصينية الخليجية.. رحلة البحث عن بديل لأمريكا

الاثنين 1 أكتوبر 2018 01:10 ص

رغم أن الولايات المتحدة لا تزال قوة مهيمنة في الشرق الأوسط، إلا أن الغزو والاحتلال الكارثيين للعراق عام 2003، والانهيار المالي عام 2008، والتداعيات الفوضوية لانتفاضات الربيع العربي عام 2011، كلها ساهمت في تسريع تراجع قوة أمريكا في جميع أنحاء العالم العربي.

وكما كتب "عبدالخالق عبدالله"، وهو باحث سياسي إماراتي شهير، فإن رد فعل إدارة "باراك أوباما" الفاترة على الهجوم الكيماوي للنظام السوري في أغسطس/آب 2013، في الغوطة، زاد من مخاوف عواصم دول الخليج العربية من تحالفاتها مع واشنطن.

وكان تحول "أوباما" المفاجئ عن إنذاره النهائي حول استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل "بشار الأسد" تجربة مدمرة وخسارة هائلة للثقة. وأضر ذلك بأسس العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.

وفشلت أمريكا فشلا ذريعا في العراق، وفشلت مرة أخرى في سوريا، وفي كلتا الحالتين، وضعت قيادة الولايات المتحدة على المحك.

ومن منظور خليجي، يعتبر سوء التعامل مع سوريا حدثا فاصلا، ولن تعود العلاقة أبدا لما كانت عليه. ولا توجد طريقة على الأرض قد تدفع دول الخليج العربية لتثق بأمريكا كما اعتادت على ذلك خلال العقود الستة الماضية.

ومنذ أن دخل "دونالد ترامب" المكتب البيضاوي في يناير/كانون الثاني 2017، أصبحت عملية صنع القرار في البيت الأبيض غير قابلة للتنبؤ.

ونتيجة لذلك، أصبحت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد على الولايات المتحدة كضامن للأمن، أكثر قلقا بشأن الاستمرار في الاعتماد على واشنطن في الدفاع. ورغم أن العديد من الدول العربية المتحالفة تاريخيا مع واشنطن بدأت تبحث في مكان آخر عن شراكات جديدة خارج الولايات المتحدة قبل رئاسة "ترامب"، إلا أنها تفعل ذلك بإلحاح أكبر منذ تولي الإدارة الحالية البيت الأبيض في العام الماضي.

قوة بديلة للولايات المتحدة

وفي الوقت الذي تتحوط فيه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في رهاناتهما، قد تكون بكين هي العاصمة العالمية التي قد تزود الرياض وأبوظبي بشكل ذي مصداقية من التوازن الموازي لدور واشنطن في العالم العربي.

وظلت الصين لأعوام تضخ الأموال في الاستثمار والتنمية والمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبلغت ذروتها في حزمة قروض ومعونات بقيمة 23 مليار دولار لأعضاء جامعة الدول العربية، تم الإعلان عنها في يوليو/تموز.

وتعد الصين بالفعل الشريك التجاري الأول للمنطقة، وتستورد أكثر من نصف نفطها الخام من الدول العربية. ومن المرجح أن يزداد هذا الارتباط بين الصين ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، التي ينفذها الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، والتي تصور العالم العربي كمركز دولي يربط الأسواق الآسيوية والأوروبية والإفريقية ببعضها البعض. وتضع الصين في مركز التجارة الدولية.

وتعتبر العلاقة السعودية مع بكين، على وجه الخصوص، مهمة للغاية. وفي العقد الأول من هذا القرن، أصبحت المملكة المورد الرئيسي للنفط الخام إلى الصين، واستبدلت الصين الولايات المتحدة كأكبر شريك للمملكة في مجال الصادرات. كما تعمقت العلاقات الاقتصادية الصينية الإماراتية بشكل كبير، حيث تستحوذ الإمارات حاليا على ثلث إجمالي الصادرات الصينية إلى الدول العربية، وأكثر من خمس إجمالي التجارة الصينية العربية.

وأدى صعود الصين على ظهر الهيمنة الأمريكية الضعيفة إلى توزيع أكبر للسلطة في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد، مما أثار أسئلة جوهرية حول سياسات الرياض وأبوظبي الخارجية في القرن الحادي والعشرين.

وبالنظر إلى اتجاهات استهلاك الطاقة، ستصبح الصين مشترٍ أكبر للنفط العربي في الأعوام المقبلة، حيث تصبح أمريكا الشمالية مستقلة في مجال الطاقة بشكل متزايد عن الشرق الأوسط.

وعلى هذا النحو، يتساءل صانعو السياسات السعوديون والإماراتيون عن المدى الذي ينبغي فيه لدولهم أن توازن بين التحالفات القائمة مع الولايات المتحدة وعلاقاتها القوية مع الصين الصاعدة.

وبعيدا عن الاقتصاد، هناك العديد من الأسباب التي تجعل العلاقة مع بكين تكتسب أهمية أكبر لدى السعودية والإمارات والدول العربية الأخرى.

فقد عملت الصين على تعزيز العلاقات السياسية في المنطقة، فعلى سبيل المثال، حاول الرئيس "تشي" دفع قطر وجيرانها العرب نحو المصالحة، وسط أزمة ما بعد يونيو/حزيران داخل مجلس التعاون الخليجي، وأجرى زيارات دبلوماسية لمصر وإيران والسعودية والإمارات، كما أن بناء أول قاعدة عسكرية خارجية للصين في جيبوتي يشير بوضوح إلى دفع الصين لزيادة رأسمالها السياسي.

وفي أوقات الخلاف مع الولايات المتحدة، تمنح الشراكة الأعمق مع الصين السعوديين والإماراتيين المزيد من النفوذ مع واشنطن. وتتجنب الصين انتقاد سجلات حقوق الإنسان الخاصة بالحكومات الأجنبية. وتتماشى سياسة عدم التدخل الصينية هذه مع أهواء المسؤولين السعوديين والإماراتيين، الذين أكدوا رفضهم لأشكال معينة من الانتقادات العامة مؤخرا، مثلما ظهر من الخلاف بين السعودية وكندا.

وفي المقابل، انضمت ممالك الخليج العربية تقريبا إلى جميع أنظمة الشرق الأوسط في التزامها الصمت بشأن الاضطهاد في إقليم "شينجيانغ" ذي الأغلبية المسلمة في الصين، حتى مع اكتساب محنة "الإيغور" مزيدا من الاهتمام في الصحافة العالمية. ويسلط هذا الصمت الضوء على مدى تقدير السعودية والدول العربية الأخرى الغنية بالنفط والغاز لعلاقاتها المتعمقة مع الصين.

حدود الشراكة

ومع ذلك، فإن الخلافات حول مجموعة من القضايا، من العقوبات المفروضة على إيران إلى الأزمة السورية، تثير الشكوك حول ما إذا كانت السعودية أو الإمارات قد تختار الصين لتصبح القوة العالمية الأكثر تفضيلا في خياراتهما.

وفي نهاية المطاف، تؤكد رغبة الصين في التعاون مع إيران وقطر وسوريا على أن جهود بكين للحفاظ على "الحيادية" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه تحديات من جانب بعض العواصم العربية، وبالتحديد الرياض وأبوظبي، التي تسعى إلى اتباع سياسات خارجية قصوى والشروع في صراعات صفرية.

علاوة على ذلك، وإلى أن تعلن الصين عن استعدادها لتحمل مسؤولية حماية الممرات الملاحية في الخليج، بدلا من الاعتماد على البحرية الأمريكية فلن تتحرك مشيخات الخليج العربي بالكامل نحو بكين. ومع استمرار الولاءات الحالية، تظل الولايات المتحدة الضامن الأمني ​​الرئيسي للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، والمزود الرئيسي للأسلحة والمساعدات الإنسانية والدعم الاقتصادي والشريك في الحرب ضد الإرهاب.

ورغم تدهور الهيمنة الأمريكية، لم تستطع الصين استبدال هذه الهيمنة بسهولة، ولن تفعل في أي وقت قريب. وعلاوة على ذلك، فإن سياسة إدارة "ترامب" المتشددة تجاه إيران، والإنفاق العسكري الهائل لدول الخليج على الأمن هي أمور تشير إلى أن التحالف مع الولايات المتحدة قد يكون الشراكة الأكثر حكمة للسعوديين والإماراتيين في الوقت الحالي.

وفي هذا المنعطف، مع اشتداد التوتر بين واشنطن وبكين، تواجه الرياض وأبوظبي معضلات جيوسياسية صعبة، في ظل التحول نحو عالم متعدد الأقطاب.

ومن شأن الحفاظ على توازن حذر بين المصالح الصينية والأمريكية في المنطقة، والاعتراف بقيمة الاستثمار الصيني، والاعتراف بحدود الشراكة مع بكين، أن يخدم على الأرجح مصالح الرياض وأبوظبي على الوجه الأمثل.

وفي الوقت الحالي، يرى القادة السعوديون والإماراتيون أن إيران هي التهديد الإقليمي الأكبر لمصالح دولهم، ومع ملاحظة كل من الرياض وأبوظبي لرغبة بكين في عرقلة جهود واشنطن لعزل طهران، فإن الميزان يميل إلى كفة الشراكة مع الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن تعميق علاقات الصين مع السعودية والإمارات، حتى بدون دعم بكين لجهودهما للتصدي للسلوك الإيراني في العالم العربي والإسلامي، سيعطي الرياض وأبوظبي قدرا أكبر من الاستقلال، على الرغم من أنه من غير المحتمل أن تتحمل أي عاصمة منهما المخاطر الهائلة للانفصال الكامل عن الولايات المتحدة.

المصدر | جورجيو كافييرو - لوب لوج

  كلمات مفتاحية

الإمارات السعودية الصين أمريكا ترامب