ماذا وراء تهنئة أمريكا والسعودية لرئيس وزراء العراق عبدالمهدي؟

الخميس 4 أكتوبر 2018 08:10 ص

التهاني انهالت على الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة العراقية "عادل عبدالمهدي"، وإن كان وراء كل تهنئة أبعاد أخرى ونوايا خفية، في ظل حالة الصراع الإيراني السعودي على النفوذ في الدولة التي تعاني من ويلات الحرب منذ عقود.

وبحلول ليل الثلاثاء الماضي، أنجز العراق مهمّة تسمية رئيس جديد للبلاد هو "برهم صالح"، وتكليف رئيس حكومة هو "عادل عبدالمهدي"، في سلّة اتفاقات واحدة، أقصت الأحزاب الرئيسية الثلاثة التي احتكرت السلطة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.

"عبدالمهدي" الذي تنقل في دوائر دبلوماسية عدة في العراق، يعتبر نفسه اليوم مستقلا، ويُحسب له أنه شخصية إجماع دولي، في بلد يجد نفسه، شاء أم أبى، في خضم التوتر بين الخصمين اللدودين إيران من ناحية، والولايات المتحدة والسعودية من ناحية أخرى.

اعتراف بالفشل

ولكن هذا الاستقلال، لم يكن كاملا، خاصة أن صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، اعترفت أن المرجعية الدينية في مدينة النجف وهي أحد الأذرع الإيرانية في العراق، هي من دعمت "عبدالمهدي"، ضمنيا لرئاسة الحكومة، وذلك بعد توافق تحالفي "مقتدى الصدر" و"هادي العامري" عليه، ما يشير إلى فشل سعودي في فرض كلمتها على هذا المنصب.

الأمر ذاته، كشفه وزير عراقي بارز بحكومة تصريف الأعمال، الذي قال إن "تكليف عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة، نتج عن اتفاق بين تحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وبمباركة النجف وقبول إيران".

وأشار إلى أنّ النجف، دعمت تكليف "عبدالمهدي"، لسبب رئيسي واحد، وهو أنه "شخصية لها علاقات جيّدة مع إيران، كما أنّها غير متقاطعة مع الأمريكيين، وهو ما تريده إيران على أقلّ تقدير، أي رئيس حكومة لا يختلف معها"، حسب صحيفة "العربي الجديد".

هذا الفشل، لم يكن سعوديا فقط، بل كان أمريكيا أيضا، حيث تلاقت المصالح الأمريكية السعودية، في مواجهة إيران، وذلك من خلال دعم قوى سياسية مناهضة للوجود الإيراني، حتى خرج بيان للحشد الشعبي، قال صراحة إن الأمريكان والسعوديين يتدخلون في تشكيل الحكومة، ويدعمون الأطراف المعادية لإيران لتسلم السلطة بالعراق.

وجاء بإحدى فقرات البيان: "مؤامرة جديدة هي الأخطر نسج خيوطها التحالف الأنجلوأمريكي وتورط معهم بعض الساسة العراقيين، لتكون تدخلاً سافرًا بالعملية السياسية، وفرض إرادة هذا التحالف الشرير على العراقيين، وتشكيل حكومة هزيلة ضعيفة تأتمر بأوامر الثنائي (مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي بريت) مكغورك و(وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر) السبهان".

إعادة تموضع

ورغم هذا الفشل السعودي الأمريكي، لكن كلا البلدين تقدم بالتهنئة لـ"عبدالمهدي"، في محاولة لكسب ما يمكنهما من إعادة التموضع في العراق، حسب مراقبين، خاصة أن الرجال الثلاثة الأبرز في العراق حاليا محسوبون على إيران.

وقرأت أوساط المراقبين، في اختيار الثلاثة، رسالة إيرانية قوية إلى الولايات المتحدة، تنبئ بما يمكن أن تفعله طهران في الملف السياسي العراقي، لافتين إلى أن النفوذ الأمريكي الهائل في بغداد "في خطر"، إذ وضعت طهران يدها على السلطتين التشريعية والتنفيذية في العراق.

وكانت تعول السعودية والولايات المتحدة، على ائتلاف "نوري المالكي"، للحفاظ على منصب رئاسة الوزراء، لأحد صقور حزب "الدعوة" الإسلامية.

حتى إن صحيفة "عكاظ"، المقربة من السلطات السعودية، تساءلت في تقرير لها، عن سر ترشيح الرجل من قبل خصوم السياسة المتناحرة.

وأضافت: "وافق عليه (عبدالمهدي) رجل إيران في العراق هادي العامري، مع مقتدى الصدر المناوئ لطهران، وهو الأمر الذي يثير الاستغراب"، حسب التقرير.

ولكن أمام هذا الفشل، اضطرت القيادة السعودية، إلى تهنئة "صالح" و"عبدالمهدي"، ورئيس مجلس النواب (البرلمان) "محمد الحلبوسي"، بحيازة ثقة الشعب العراقي.

فأجرى الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، اتصالاً هاتفياً بـ"صالح"، وبعث له ببرقية تهنئة، أعرب خلالهما له عن التمنيات بالتوفيق، ولشعب العراق بالتقدم والنماء، مؤكدا عمق العلاقات الأخوية بين البلدين.

كما أجرى اتصالاً هاتفياً، وبعث ببرقية تهنئة إلى رئيس الوزراء العراقي، بمناسبة تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

في المقابل، هنأ السفير الأمريكي "دوغلاس سيليمان"، "عبدالمهدي"، بمناسبة تكليفه، مؤكداً وقوف بلاده مع "رئيس الحكومة الجديد ومساعدته على تلبية احتياجات الشعب العراقي وتطلعاته".

فيما دعا "ماكغورك"، في تغريدة على "تويتر"، "عبدالمهدي"، إلى "تشكيل حكومة وطنية قوية قبل انتهاء مدة تكليفه دستورياً".

ويقلل الفريق السياسي العراقي، الموالي للولايات المتحدة والسعودية، في سيطرة إيران على "عبدالمهدي"، مستندين إلى أن طهران سبق لها أن أقصته مرتين من سباق الترشح لرئاسة الوزراء، في حكومتي 2010 و2014، بسبب صلاته الوثيقة بالولايات المتحدة والغرب.

ويشير هذا الفريق، إلى أن "أجواء اختيار عبدالمهدي لم تذهب بعيدا عن الترتيبات الأمريكية، ما يعني أن واشنطن بإمكانها الرد على الصفعة الإيرانية".

هذا الرأي، يناقض الرأي المعلن من وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، الذي قال الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي عقده في واشنطن، إن "الحكومة العراقية الجديدة يجب ألا يتم التحكم بها من قبل الإيرانيين".

سيطرة إيرانية

ويشير مراقبون إلى أن "عبدالمهدي"، لا يمكن أن يكون مرشحا قريبا من محور أمريكا والسعودية، في هذا الوقت بالذات، خاصة أن الكثير من الملفات الخاصة بالعلاقة الإيرانية العراقية يمكن ألا يكون وجود "عبدالمهدي" عنصرا مساعدا على فتحها، لا لأنه يميل إلى إيران فحسب، بل وأيضا لأن ميزان القوى يشير إلى إمكانية استضعافه من قبل القوى التي تميل إلى نصرة إيران في صراعها مع الولايات المتحدة.

"عبدالمهدي"، قال في تصريح له عقب اختياره، إن إيران قمت له التهاني، وتتمنى منه أن يشكل حكومة قوية، تعزز العلاقات بين البلدين.

وكشف أنه سيزور إيران، عقب الانتهاء من تشكيل الحكومة.

 

اول تصريح ل #عادل عبد المهدي :
ايران هنئتني وسأزور ايران بعد تشكيل الحكومه ( طبعاً تزورها لان لو مو ايران متصير رئيس وزراء الفضل كله الهم ) pic.twitter.com/8SZ6bwXXky

— سِرّ (@seralalam) October 3, 2018

 

"عبدالمهدي" وإن كان قد شهدت حياته عدة تحولات، لكنه يبقى محسوبا على إيران، لأبعد حد، حسب المراقبين، الذين قالوا إنه انتمى في بداية شبابه إلى حزب البعث، عندما كان في سنوات تأسيسه الأولى، لكنه ترك الحزب عام 1963.

وعلى خلفية نشاطاته كمعارض تعرض للسجن لفترة وجيزة، وعندما أفرج عنه سافر إلى فرنسا، حيث واصل نشاطاته المعارضة في المهجر، وبسبب ذلك صدر ضده حكم غيابي بالإعدام في ستينات القرن الماضي.

تأثر بالأفكار القومية العربية والاشتراكية، ثم الشيوعية الماوية أثناء وجوده في فرنسا، ثم انخرط في التيار الإسلامي الشيعي بعد الثورة الإيرانية.

وانضم "عبدالمهدي" في 1982 رسمياً إلى "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، الذي تأسس في إيران، وذلك قبل أن يشارك في الحرب الإيرانية العراقية، بجانب قوات الحرس الثوري، وهو ما نقلته مقاطع فيديو نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.

((رئيس الوزراء العراقي)) المكلف قبل قليل عادل عبد المهدي خلال مشاركته بمقاتلة الجيش العراقي الى جانب الإيرانيين بالثمانينات

المكان قرب ديزفول الذي كانت البصرة والعمارة وقلعة صالح تقصف بالصواريخ منه يوميا pic.twitter.com/Nuv0HFrH3m

— عثمان المختار (@othmanmhmmadr) October 2, 2018

 

فقط لكي لا ينسى الشعب العراقي من هو رئيس وزراء بلاده!#عادل_عبد_المهدي الذي كان يحارب الشعب العراقي ويحمل السلاح بوجه الشعب العراقي ابان الحرب الإيرانية العراقية.#شاهد| عادل عبدالمهدي برفقة #صبيان_المرشد في عرض عسكري في قاعدة "دزفول" العسكرية بـ #الأحواز_المحتلة. pic.twitter.com/1MXsRY9WhU

— قاسم المذحجي الأحواز (@naissy_q) October 3, 2018

 

وشغل "عبدالمهدي"، حقيبة المالية في حكومة "إياد علاوي"، بين عامي 2004 و2005، وكان له دور بارز في مفاوضات خفض وإسقاط ديون العراق في "نادي باريس".

عمل كمساعد لمؤسس المجلس "محمد باقر الحكيم"، ومثله في العديد من الدول والمناسبات، لكنه جمد نشاطه الحزبي منذ 2015

وفي يوليو/تموز 2017، أصبح "عبدالمهدي"، خارج دائرة التحزب، بعد انفراط عقد "المجلس الأعلى"، وخروج رئيسه حينذاك "عمار الحكيم"، عنه وتأسيسه "تيار الحكمة".

خطة حكومة

النفوذ الإيراني والسيطرة على "عبدالمهدي" لم تقتصر على ذلك، بل حددت المرجعية الدينية في النجف (المتمثّلة في "علي السيستاني")، لـ"عبدالمهدي"، خطة عمل الحكومة ومداها الزمني لتنفيذ البرنامج.

مصادر، قالت إن مهلة مدتها سنة ونصف السنة، وضعها "السيستاني"، أمام "عبدالمهدي"، في سبيل المضي بتحقيق تقدّم سياسي وتنفيذ برنامج حكومي خدمي.

وأوضحت أنّ المرجعية "أكّدت ضرورة تنفيذ برامج خدمية تنقذ العراقيين، ولا سيما المتضررين من تنظيم الدولة الإسلامية من اليتامى والمنكوبين، بالإضافة إلى رعاية ملف البصرة وأزمة المياه فيها، والبدء بفتح ملفات الفاسدين في الحكومات السابقة".

وأضافت أنه "في حال عدم استطاعته (عبدالمهدي) تحقيق التقدّم في أي من هذه الملفات، خلال الفترة المحددة، فسيكون عليه أن يقدّم استقالته أمام مجلس النواب ويعتذر للعراقيين".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران السعودية تهاني عادل عبدالمهدي دعم إيراني الصدر السيستاني أمريكا السنة