العقوبات على إيران تصب في مصلحة الحرس الثوري

الجمعة 5 أكتوبر 2018 08:10 ص

في سبتمبر/أيلول، تم اكتشاف 52 برميلا من النفط في شاحنة في إقليم "هرمزغان" على الساحل الجنوبي لإيران كانت في طريقها لتهرب إلى مكان مجهول عن طريق البحر عبر مضيق هرمز. وعلى بعد 600 ميل في طهران، ودون علم المهربين المحبطين، كان هناك جدل قد يحسن حظوظهم بشكل كبير.

ووافق مجلس التنسيق الاقتصادي الأعلى، التابع للحكومة، على خطة لجعل النفط الإيراني الخام متاحا للبيع للمشترين الخاصين، كجزء من الجهود الرامية إلى تخفيف حدة العقوبات التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية. وتم تخصيص ما يصل إلى مليون برميل في اليوم للبيع من خلال التبادل الخاص، في تخفيف كبير لسيطرة الدولة الكاملة على صادرات النفط الإيرانية.

وقد سرت شائعات بأن وزير النفط الإيراني المخضرم "بيجن زنغنه"، يعارض مثل هذه الإجراءات التي تقوض سلطة وزارة النفط. ومع السماح بزيادة تداول الطاقة بشكل حر، عبر البرلمانيون عن مخاوفهم من أن السياسة الجديدة لن تخدم سوى تجار النفط ذوي السمعة السيئة، الذين يضعون الربح الشخصي فوق المصلحة الوطنية. لكن مقاومتهم للخطوة ليست فقط بسبب مخاوف بشأن أخلاقيات العمل، لكنها تعكس مناقشة متطورة تجري في إيران حول ما إذا كان من الحكمة استخدام بعض الأساليب الخلفية للتهرب من العقوبات وإذا ما كانت هذه الأساليب تعمل على إثراء المنافسين السياسيين وتوسيع السوق السوداء.

لكن النقاش في واشنطن حول هذه الأمور أقل تطورا. وفي الخطابات الأخيرة، حذر مسؤولو إدارة "ترامب" مرارا وتكرارا من أن الاقتصاد الإيراني "مصمم بحيث لا يمكن أبدا التفرقة بين التجارة الشرعية وبين تمويل الإرهاب"، وأن ما يبدو في الظاهر نشاطا تجاريا مشروعا "قد يكون في الواقع جزءا من مخططات النظام الإيراني المضللة لتمويل الإرهاب". ومن وجهة النظر هذه، فإن الملكية السرية للمؤسسات الكبرى من قبل مجموعات مثل الحرس الثوري الإسلامي تشكل خطرا على الأمن القومي للولايات المتحدة.

أباطرة التهريب

ولكن ما يتجاهله المسؤولون الأمريكيون هو نمط الحقائق الذي كان يشكل النقاش السياسي في طهران. ولا يعتمد تمويل الوكلاء بأي شكل من الأشكال على الإيرادات المستمدة من الاقتصاد الشرعي لإيران، حيث لا توفر الشركات والأصول سوى القليل من التدفق النقدي الضروري والعملة الصعبة اللازمة. وبالنسبة لمجموعات مثل الحرس الثوري الإيراني، فإن الفرص الحقيقية موجودة في السوق السوداء والتهريب المربح للنفط والنقود والمخدرات والسلع الاستهلاكية.

ويقلل المسؤولون الأمريكيون من دور إيرادات عمليات التهريب التي يقوم بها الحرس الثوري الإسلامي لسبب بسيط. ففي حين يمكن للعقوبات نظريا منع وصول الحرس الثوري إلى التمويل الدولي عبر الشركات الحكومية، فإن الحظر التجاري أظهر بشكل تجريبي أن له تأثيرا كبيرا على توسع حجم وقيمة التهريب في إيران، خاصة في السوق السوداء التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني.

ويعد الجدل الدائر حاليا حول تبادل الطاقة دليلا على المعضلة التي تواجهها الحكومة الإيرانية، من خلال جعل النفط الإيراني الخام متاحا لأي مشترٍ محلي، فمن المتوقع أن يتم دفع المعروض إلى السوق السوداء، التي لا تصب عائداتها في الاقتصاد الإيراني الشرعي.

وتشير تقديرات عام 2007 لعمليات تهريب الحرس الثوري إلى إيرادات سنوية تبلغ 12 مليار دولار.

وتقدر وزارة الخارجية أنه منذ عام 2012 "أنفقت إيران أكثر من 16 مليار دولار لدعم نظام الأسد، وشركائها الآخرين، ووكلائها في سوريا والعراق واليمن"، ومن المؤكد أنه يمكن لعائدات التهريب وحدها أن توفر هذه التحويلات بسهولة.

وفي عام 2014، وفي ذروة العقوبات الدولية، تم تهريب منتجات نفطية بقيمة 7 مليارات دولار، بما في ذلك 125 ألف برميل من النفط يوميا، إلى خارج البلاد، وفقا لمسؤولين من الوكالة الإيرانية لمكافحة التهريب. وإذا ظهرت تجارة مشابهة بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية، وإذا انخفضت صادرات إيران المشروعة إلى أقل من مليون برميل في اليوم، قد تمثل التجارة غير المشروعة أكثر من 10% من إجمالي صادرات إيران.

في صالح الحرس

وفي أغسطس/آب، عندما تم استدعاء الرئيس "حسن روحاني" أمام البرلمان الإيراني، للإجابة عن إدارته لاقتصاد البلاد المتعثر، تم الضغط عليه بسبب الارتفاع الحاد في التهريب الذي مكنته أزمة العملة؛ واعترف "روحاني" بمشكلة التهريب، زاعما أن حكومته نجحت في خفض القيمة الإجمالية للإتجار غير المشروع من 22 مليار دولار إلى 12.5 مليار دولار، منذ بداية ولايته. وعلى وجه الخصوص، أشار إلى تهريب النفط ومشتقاته، مثل البنزين والكيروسين. وفي شهر مارس/آذار، أعلن الحرس الثوري الإيراني، على نحو غير مقنع، عن استعداده لمحاربة التهريب.

وتدرك إدارة "ترامب" بالتأكيد دور الحرس الثوري الإيراني في التهريب، حيث استهدفت الجهات الفاعلة وراء العديد من عمليات تهريب محددة بفرض العقوبات. لكن العمليات المستهدفة هي تلك التي يقوم فيها الحرس الثوري بأنشطة غير مشروعة خارج حدود إيران. لكن ما يفشل صانعو السياسة الأمريكية في فهمه هو حقيقة أن العقوبات تخلق ظروفا مثالية لسوق التهريب داخل إيران، حيث يتنازل كل من القطاع الخاص والجهات الفاعلة الحكومية عن أجزاء من الاقتصاد لصالح الحرس الثوري الإيراني كجزء من الضروريات العملية لمحاولة الحفاظ على الغطاء المالي في ظل العقوبات.

والأهم من ذلك، أن الدليل على أن العقوبات تعزز جيوب الحرس الثوري هي أقوى من الأدلة على أن تخفيف العقوبات يفيد وكلاء إيران. وفي شهادته في مايو/أيار 2017 أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، قدم الجنرال "فينس ستيوارت"، الذي كان حينذاك مدير وكالة الاستخبارات العسكرية، تقييمه لاستخدام إيران لعائداتها من تخفيف العقوبات، وقال إنه "على الأرجح فقد ذهبت الأموال إلى التنمية الاقتصادية والبنية التحتية".

على الجانب الآخر، فإن استراتيجية زعزعة استقرار النظام الإيراني الذي تتباناها إدارة "ترامب" تعمل على عكس التقدم الذي أحرزته إدارة "روحاني" مؤخرا في التغلب على هيمنة الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني. ومع فشل العقوبات في كبح الحرس الثوري الإيراني، فإن ذلك يفتح الباب أمام احتمالية نشوب مواجهة عسكرية.

وفي مقابلة مع صحيفة "الغارديان"، العام الماضي، قال "محسن سزغارا" وهو عضو مؤسس في الحرس الثوري الإيراني يوجد الآن في المنفى: "لقد أنشأنا جيشا شعبيا للدفاع عن البلاد، والمساعدة أيضا في حالات الطوارئ، لكنه تحول إلى وحش". ويقوم هذا الوحش بتمويل وكلائه عن طريق التهريب الذي يتعزز نتيجة للعقوبات، وبهذا، يبدو أن إدارة "ترامب" حريصة على إطعام هذا التنين ذي السبعة رؤوس.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

الحرس الثوري الإيراني العقوبات الأمريكية تهريب النفط السوق السوداء إيران