نيويورك تايمز تكشف تفاصيل الغداء الأخير لخاشقجي قبل اختفائه

الاثنين 8 أكتوبر 2018 09:10 ص

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تفاصيل جديدة عن الغداء الأخير للكاتب الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" قبل 24 ساعة من اختفائه بعد دخوله مقر القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية.

وذكرت الصحيفة الأمريكية، في تقرير نشرته الأحد، أن "خاشقجي" التقى اثنين من أصدقائه لتناول طعام الغداء يوم الإثنين الماضي في لندن لمناقشة موضوع مقاله الصحفي الأسبوعي (يكتبه بصحيفة واشنطن بوست) حول غياب حرية التعبير في العالم العربي.

وكان الأكاديمي الفلسطيني "عزام التميمي" ثاني اثنين مع "خاشقجي" بالمطعم، وبعد مناقشته في موضوع المقال، أشار الكاتب السعودي إلى تخطيطه للتوجه إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، في اليوم التالي، للحصول على وثيقه تمكنه من الزواج، وهو ما قابله الصديقان بتحذير الكاتب السعودي من مغبة ذلك.

وأكد صديقا "خاشقجي" أن انتقاده لحكام المملكة أثار عداوتهم له، ما يجعل من القنصلية السعودية منطقة خطرة بالنسبة له.

لكن يبدو أن "خاشقجي" لم يكن يخشى كثيرا من تعامله مع موظفي القنصلية؛ إذ كان يرى أنهم "ليسوا سوى مواطنين عاديين، والسعوديون العاديون أناس طيبون"، وفقا لما نقلته الصحيفة الأمريكية عن "التميمي".

وبعد ظهر الثلاثاء، دخل "خاشقجي" القنصلية، ولم يعثر عليه أحد منذ ذلك الحين.

صورة "بن سلمان"

وبينما نقلت "نيويورك تايمز" عن مصادر أمنية تركية أن فريقا من 15 عميلا سعوديا قتلوا "خاشقجي"، نفت السعودية ذلك، وأصرت على رواية مفادها أنه غادر القنصلية بعد وقت قصير من وصوله إليها.

وأشارت الصحيفة إلى أن ثبوت مقتل "خاشقجي" داخل القنصلية يمكن أن يفشل حملة ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، البالغ من العمر 33 عاما، لتسويق صورته في الغرب كمصلح واعد وحليف يمكن الاعتماد عليه.

كما يهدد مقتل "خاشقجي" العلاقة بين اثنتين من أهم القوى في المنطقة، ولذا أكد مستشار الرئيس التركي "ياسين أقطاي"، أن ملف القضية "لن يبقى حالة غير محسومة".

ولم يوجه المسؤولون الأتراك اتهاماتهم للسعودية بقتل "خاشقجي" علنا حتى الآن، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت أنقرة ستدعم التسريبات الصادرة عن مصادرها الأمنية، أم ستسعى لتجنب مواجهة مكلفة مع الرياض.

تركيا والسعودية

وفي هذا السياق، نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤول تركي، رفض الكشف عن هويته، أن "الحكومة تنتظر حتى يكتمل التحقيق للكشف عن الأدلة؛ بسبب الحساسيات الدبلوماسية بين البلدين".

وأضاف المسؤول التركي أن الإفصاح الكامل عن الحقيقة سيكون من خلال الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" شخصيا.

لكن "أردوغان" لم يفصح سوى عن القليل في مؤتمر صحفي عقده أمس الأحد، قائلا: "أنا أتابع ذلك، وأيا كانت الاستنتاجات، سنبلغ العالم بها".

وفي المقابل، لا زال موقف السعودية عالقا بين إنكارها الشامل لإخفاء "خاشقجي" وبين عدم تقديمها أي تفسير موثوق لخروجه من القنصلية.

اختبار الولاءات

وعن انعكاس القضية على الولايات المتحدة وعلاقاتها بالسعودية، اعتبرت "نيويورك تايمز" مصير "خاشقجي" بمثابة "اختبار ولاء" لكثير من المسؤولين الأمريكيين.

فكثير من هؤلاء المسؤولين تربطهم علاقات ود بـ"خاشقجي"، ليس فقط باعتباره من المقيمين بالولايات المتحدة، التي لجأ إليها كمنفى اختياري بعد خروجه من المملكة، بل بحكم اقترابه من النظام السعودي الحاكم إلى حد اعتباره "متحدثا غير رسمي" للقيادة السعودية في فترة سابقة، وحتى أصبح مؤخرا كاتبا معارضا في صحيفة "واشنطن بوست".

وفي المقابل، فإن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ومستشاريه، بما في ذلك صهره ومبعوث الشرق الأوسط "جاريد كوشنر"، احتضنوا ولي العهد السعودي باعتباره حليفا محوريا، وأعلنوا مرارا ثقتهم به.

وإزاء ذلك، اكتفى مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية بالتأكيد على أن واشنطن لا تستطيع تأكيد مصير "خاشقجي" حتى الآن لكنها تتابع القضية عن كثب.

بينما عبر نواب بالكونغرس، بينهم السيناتور الديمقراطي "كريس ميرفي" عن موقف صريح بقوله: "يتعين على الولايات المتحدة ألا تقوم بأعمالها كالمعتاد مع حليف يمكن أن يقوم بمثل هذا القتل".

وعبر حسابه على "تويتر"، أضاف "ميرفي": "إذا كان هذا صحيحا، فإن السعوديين استدرجوا مقيما أمريكيا في قنصليتهم وقتلوه، يجب أن يمثل ذلك تغييرا جوهريا في علاقتنا مع السعودية".

 

 

"خاشقجي" والسلطة

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن "خاشقجي" صنع لنفسه اسما لامعا خلال الجهاد المدعوم من السعوديين والأمريكيين ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أجرى مقابلة مع "أسامة بن لادن" الذي أسس تنظيم "القاعدة" لاحقا.

وأضافت أن علاقته بالنظام السعودي كانت قريبة إلى حد عمله كمستشار لرئيس الاستخبارات السعودية الأمير "تركي الفيصل"، وكذلك مستشارا لسفيري السعودية بالولايات المتحدة وبريطانيا.

لكن استقلالية "خاشقجي" كانت تتجاوز حدود السلطة السعودية أحيانا، ما أدى إلى إقالته مرتين من صحيفة "الوطن" السعودية بعد أن نشر مقالات تنتقد المؤسسة الدينية.

ورغم ذلك، ظل "خاشقجي" على اتصال دائم بالصحفيين الأمريكيين والدبلوماسيين الذين يبحثون عن تفسير مقنع لمنظور الحكام السعوديين.

وجاء صعود الملك "سلمان" إلى العرش السعودي قبل 3 سنوات، متزامنا مع نزوع ابنه الأمير "محمد" باتجاه توطيد سلطته، بعد أن رسم لنفسه صورة المصلح الذي يقلص من صلاحيات الشرطة الدينية ويسمح للنساء بقيادة السيارات، فشن حملة صارمة حتى على أشكال المعارضة.

ولذا فر "خاشقجي" من المملكة إلى واشنطن، حيث نصب نفسه كـ"معارض موال" يدعم النظام الملكي، لكنه ينتقد سياساته (مثل حربه في اليمن أو عدم تسامحه مع الإخوان المسلمون) في الوقت ذاته.

كتب "خاشقجي" في مقاله الأول بـ"واشنطن بوست": "لقد تركت بيتي وعائلتي وعملي، وأرفع صوتي"، مشيرا إلى أن "القيام بخلاف ذلك سيكون بمثابة خيانة لأولئك الذين يقبعون في السجن".

وبينما حاولت السلطات السعودية استدعاء "خاشقجي" للعودة إلى المملكة بهدوء، ووعدته بمواقع وظيفية تليق به، كانت تهاجمه بشراسة على الإنترنت باعتباره "عميلا" مدعوما من الخارج، ومنعت بعض أقاربه من مغادرة المملكة، ليقوده المنفى إلى الطلاق.

وهذا ما قاد "خاشقجي" إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، إذ كان الكاتب السعودي، الذي ترتبط عائلته بجذور تركية، يعتزم الزواج من (خديجة) طالبة الدراسات العليا المتخصصة في دراسة السياسة الخليجية.

اشترى الكاتب السعودي البارز شقة واعتزم إقامة عرس صغير، لكن اشتراط القانون التركي تقديمه لوثيقة من القنصلية السعودية للمصادقة على طلاقه، دفعه للذهاب إلى القنصلية.. وكان ما كان.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خاشقجي نيويورك تايمز القنصلية السعودية إسطنبول خديجة تركيا عزام التميمي واشنطن بوست محمد بن سلمان