ذا نيويوركر: هل قتل النظام السعودي جمال خاشقجي؟

الاثنين 8 أكتوبر 2018 10:10 ص

في آخر مرة تحدثت فيها مع "جمال خاشقجي"، في أغسطس/آب، كان قلقا على حياته. وكان المعارض السعودي، وهو محرر سابق ومستشار حكومي يبلغ من العمر 52 عاما، مقتنعا بأن قيادة المملكة الجديدة تريد قتله. وقال: "بالطبع، هم يرغبون في رؤيتي خارج الصورة". ولقد قال لي ذلك من قبل، لكن في ذلك الوقت كان في المنفى، في واشنطن، لأكثر من عام، لذا ظننت أنه يبالغ بشأن المخاطر، لكن يبدو أنه لم يكن يبالغ. ولم تتم مشاهدة "خاشقجي" منذ ذهب إلى القنصلية السعودية في إسطنبول يوم الثلاثاء، للحصول على أوراق تحقق من طلاقه حتى يتمكن من الزواج مرة أخرى، من خطيبته، التي انتظرت خارج القنصلية 11 ساعة، والتي قالت إنه لم يخرج أبدا.

ولقد مرت 5 أيام دون أي دليل على حياته، وتزعم جماعات حقوق الإنسان الدولية الآن أن "خاشقجي" قد تم اختطافه. ويوم الأحد، قال "ياسين أقطاي"، وهو مستشار للرئيس التركي "رجب أردوغان"، لـ "رويترز"، إن تركيا تعتقد أن "خاشقجي" قد تم قتله داخل القنصلية السعودية، مضيفا أن 15 سعوديا متورطون في اختفاء "خاشقجي". وقال "أردوغان" للصحفيين إن حكومته تحقق في الحادث، وقال للمراسلين: "يتم البحث عن سجلات الدخول إلى السفارة، والمطار، وجميع سجلات الكاميرات". كما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تتابع القضية عن كثب. وأخبر زميل تركي لـ "خاشقجي" الصحفيين، الأحد، بأن الحكومة التركية نصحته بـ "إعداد الجنازة". وقد تم قتل "خاشقجي" بطريقة بربرية، ثم تم تقطيع أوصاله، بحسب ما قاله "توران كشلاكجي"، الذي يرأس جمعية الإعلام العربية التركية، لوكالة أسوشيتد برس. وزعم تقرير آخر أن جثته قد تم إعادتها إلى المملكة العربية السعودية.

ولطالما كان "خاشقجي" صوتا مهما في المملكة. ولقد عرفته منذ عقود. وكان مخلصا للعائلة المالكة، وبالنسبة للعديد من الصحفيين والخبراء الأجانب، كان دائما مصدرا جيدا لفهم تفكير النظام الملكي. وقد عمل "خاشقجي" كمحرر لصحيفة "الوطن" السعودية اليومية. لكنه أصبح أكثر انتقادا للحكومة، وفي يونيو/حزيران 2017، قرر الرحيل. وحتى في المنفى، كان لا يزال يؤثر في الجدل حول مستقبل المملكة، حيث لديه ما يقرب من 1.7 مليون متابع على تويتر، وعمود شهير في صحيفة "واشنطن بوست"، ويظهر بانتظام في قنوات التلفزيون العالمية.

اتجاه أوسع

ويعد الغموض الغريب الذي يحيط باختفاء "خاشقجي" جزءا من اتجاه أوسع يسود منذ تصعيد الأمير "محمد بن سلمان"، ولي العهد السعودي الشاب، في شهر يونيو/حزيران من العام الماضي. وتعهد الشاب، البالغ من العمر 33 عاما، بإصلاحات شاملة، لكن حكمه أصبح قاسيا بشكل متزايد، مع اعتقالات جماعية في صفوف رجال الأعمال، وحتى الأمراء الآخرين، وإصدار أحكام بالإعدام هذا العام على ناشطة في مجال حقوق المرأة، فضلا عن مطالبات بإعدام رجال الدين المعتدلين الذين غالبا ما وقفوا ضد التطرف. وقالت "سارة ليا واطسون"، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، الأحد: "بخلاف اضطهاد الناشطين والكتاب ورجال الدين والعلماء ورجال الأعمال داخل السعودية، فإن الاختطاف الواضح لخاشقجي أصبح الآن نمطا من الهجمات التي يتعرض لها السعوديون".

وأشارت إلى أن حملة التخويف المتنامية تشمل القبض، في شهر مايو/أيار، على "لجين الهذلول"، الناشطة في مجال حقوق المرأة، التي كانت في الماضي تحتل المرتبة الثالثة بين أقوى مائة امرأة عربية في العالم، في الوقت الذي قالت فيه المملكة إنها تسعى للانفتاح وتوفير الفرص للنساء عبر السماح لهن بالقيادة، وهي قضية دافعت عنها "الهذلول". وقالت "سارة ليا ويتسن": "تعكس كل هذه الأفعال مجتمعة طبيعة ولي العهد السعودي، التي تشبه طبيعة القذافي، وفي مقدمتها رسالته إلى السعوديين داخل البلاد وخارجها، وهي أنه من الأفضل لك أن تصمت: أنت غير آمن، ولا يوجد قانون قد يحميك".

وفي مقابلة مع "بلومبرغ"، الأربعاء الماضي، نفى ولي العهد التقارير عن خطف "خاشقجي"، وقال إنها "شائعات لا أساس لها"، وتعهد بالتحقيق في القضية إلى جانب السلطات التركية، قائلا إنه ليس لديه ما يخفيه.

ويوم السبت، بعد 4 أيام من اختفاء "خاشقجي"، أخذ القنصل العام السعودي في اسطنبول، "محمد العتيبي"، صحفيين من "رويترز"، في جولة في القنصلية المكونة من 6 طوابق، وفتح الخزائن والأبواب لإثبات أن "خاشقجي" لم يكن هناك.

أكثر تشاؤما

لكن الخبراء في شؤون المملكة أكثر تشاؤما. وأخبرني "بروس ريدل"، موظف مجلس الأمن القومي السابق الذي يعمل الآن في معهد "بروكينغز": "إنها دموع التماسيح من قبل ولي العهد والمسؤولين السعوديين الآخرين، وهي على الأرجح تهدف للخداع والمراوغة. فاختفاء جمال يتناسب مع نمط من الترويع المطلق وإسكات النقد والمعارضة الذي تتبعه الحكومة السعودية".

وكان "خاشقجي"، في أغسطس/آب، قد أخبرني أن ولي العهد "ليس لديه تسامح أو رغبة في استيعاب النقد". وعلى الرغم من أنه من الناحية الرسمية لا يزال ينتظر دوره في وراثة العرش، يقول "خاشقجي" إنه يتصرف بوصفه قائد الأمر الواقع في البلاد، وأصبح أكثر استبدادا من أي من الملوك الستة السابقين، الذين حكموا منذ وفاة "ابن سعود"، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة عام 1953.

وعندما تحدثنا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قارن "خاشقجي" النظام الملكي السعودي بالثيوقراطية الإيرانية. وقال: "لقد أصبح بن سلمان الآن المرشد الأعلى"، في إشارة إلى السلطة العليا في إيران، التي تملك حق "الفيتو" على كل فرع من فروع الحكومة. ومنذ أن أصبح والده ملكا، عام 2015، عزز "بن سلمان" سيطرته على قطاعات القوة الـ 5 الرئيسية، حيث عمل كوزير للدفاع، ورئيسا للمجلس الاقتصادي الجديد، ورئيسا للديوان الملكي. وأخبرني "خاشقجي" في أغسطس/آب: "إنه مستبد للغاية وغير ليبرالي. لقد عملت في الحكومة لمدة 4 أو 5 أعوام ولم أظن بأنني سيتم القبض علي، لكن الآن قد يحدث ذلك. وهذا هو السبب في أنني غادرت". وكان وضع "خاشقجي" قد أصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى، حيث زادت انتقاداته للنظام الملكي في الأشهر الأخيرة.

وقد وصفت منظمة العفو الدولية التقارير التي تحدثت عن اغتيال خاشقجي "بالسابقة الخطيرة. فحدوث مثل هذا الاغتيال داخل القنصلية، التي هي أراض خاضعة للولاية القضائية للسعودية، سيكون بمثابة إعدام خارج نطاق القضاء. وتثير هذه الحالة صدمة بين المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة والمعارضين في كل مكان، مما يؤدي إلى تآكل أي فكرة للبحث عن ملاذ آمن في الخارج".

وفي أحد أعمدته، في سبتمبر/أيلول 2017، قال "خاشقجي" إن الأمر استغرق وقتا طويلا حتى يصل إلى تحدي حكومته، وأن الأمر كان مؤلما بالنسبة له. وقال: "منذ عدة أعوام، عندما تم اعتقال العديد من الأصدقاء لم أقل شيئا. لم أكن أريد أن أفقد وظيفتي أو حريتي، وكنت قلقا على عائلتي. ولقد اتخذت خيارا مختلفا الآن، حيث تركت بيتي وعائلتي وعملي، وقررت رفع صوتي، وأرى أن فعل خلاف ذلك من شأنه أن يكون خيانة لأولئك الذين يقبعون في السجون. يمكنني التحدث فيما لا يستطيع الكثيرون ذلك، وأريدكم أن تعرفوا أن المملكة العربية السعودية لم تكن دائما كما هي الآن، وأننا - نحن السعوديين - نستحق أفضل من ذلك".

المصدر | روبن رايت- ذا نيويوركر

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي اغتيال خاشقجي القنصلية السعودية محمد بن سلمان