ديفيد هيرست ينعي خاشقجي: دفع حياته ثمنا لمواقفه

الاثنين 8 أكتوبر 2018 12:10 م

يصف الصحفي البريطاني "ديفيد" هيرست مدير تحرير صحيفة "ميدل إيست آي" خبر مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" بأنه أحلك يوم في حياته، ناعيا إياه في مقال مؤثر كصحفي "متواضع" دفع حياته ثمنا لمواقفه.

وفيما يلي ترجمة متصرفة للخليج الجديد لمقال ديفيد هيرست" بعنوان: "جمال خاشقجي.. نوع مختلف من السعوديين"

هذا هو أحلك يوم في فترتي كمحرر في موقع "ميدل ايست آي"، لكنه لا ينبغي أن يكون كذلك، فجمال خاشقجي ليس أول سعودي منفيّ يقتل، لكنه مختلف.

لا أحد اليوم يتذكر "ناصر السعيد" الذي اختفى من بيروت عام 1979 ولم يره أحد منذ ذلك الحين.

وهناك الأمير "سلطان بن تركي" الذي اختُطف من جنيف في عام 2003، وكذلك الأمير "تركي بن ​​بندر آل سعود"، الذي تقدم بطلب اللجوء في فرنسا واختفى في عام 2015، وأيضاً اللواء "علي القحطاني"، وهو ضابط في الحرس الوطني السعودي، توفي أثناء وجوده في الحجز، مظهراً علامات على سوء المعاملة.

وهناك الآلاف يقبعون في السجن؛ نشطاء حقوق الإنسان الذين تم وسمهم بالإرهاب ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بتهم تقول هيومن رايتس ووتش أنها "لا تشبه الجرائم المعترف بها"، وأعرف رجل أعمال كبير تم تعليقه رأساً على عقب، عاريا ومعذبا، ولم يسمع عنه شيء منذ ذلك الحين. ففي السعودية، يبعد المرء عن الموت مسافة منشور واحد على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد ألقت طائرة سعودية قنبلة أمريكية الصنع على حافلة مدرسية في اليمن أسفرت عن مقتل 40 طفلاً و 11 راشداً في رحلة مدرسية.يتم توصيل الموت عن طريق جهاز التحكم عن بعد، ولكن لا يوجد حليف غربي أو مورّد سلاح للسعودية يطالب بتفسير، ولا يتم إلغاء أي عقود، لن تتراجع أي سوق للأوراق المالية عن مغازلة إجراء أكبر اكتتاب عام أولي في التاريخ.

ما الفرق الذي سيحدثه سعودي آخر ميت إذن؟

ومع ذلك، فإن وفاة خاشقجي مختلفة.

إنها قريبة جدا، قبل دقيقة كان يجلس أمامك على الطاولة في وجبة الإفطار، في قميص مجعد، معتذرا بإنجليزيته المتقطعة عن إصابتك بعدوى البرد منه، في الدقيقة التالية، تتصل بك جهة حكومية تركية لتخبرك ما فعلوه بجسده داخل القنصلية في اسطنبول.

في يوم السبت الماضي، تحدث خاشقجي في مؤتمر "ميدل إيست مونيتور" في شارع يوستون في لندن، قائلاً أن المملكة أدركت أنها تجاوزت كثيراً في الترويج "صفقة القرن" التي وضعها الرئيس دونالد ترامب من خلال الترويج لأبو ديس كعاصمة مستقبلية للدولة الفلسطينية، وتراجعت عما ثبت أنه مشكلة ملتهبة في السعودية.

وقال: "هذا يثبت نقطة مهمة للغاية، الفلسطينيون هم وحدهم الذين سيقررون، ليس السعوديين وليس المصريين، بغض النظر عن مدى سيطرتهم على رواتب الحكومة الفلسطينية لا يمكن لأحد ان يقرر بدلاً عنهم".

بعد أسبوع من ذلك، لم يعد صوته موجودا.

لماذا أغضب النظام؟

يطلق العالم العربي اسم "الذباب الإلكتروني" على الأشخاص على الإنترنت الذي ينشرون منشورات تخلق عاصفة من الأخبار الكاذبة حول أي من جرائم النظام الروتينية، وحتى قبل أن تخرج أخبار مقتل "خاشقجي"، كانوا يثرثرون حول مصير رجل يعتبرونه خائنًا.

وقال "فيصل الشهراني" على تويتر: "غادرت بلدك بغطرسة ... نحن نعيدك مهانًا"، كان هناك مؤيد آخر للنظام لم يكلف نفسه حتى عناء إخفاء ما حدث في القنصلية، فقد أرسل الأمير "خالد بن عبد الله آل سعود" تهديداً إلى معارض سعودي آخر قائلاً: "ما ودّك تمر على السفارة السعودية؟ يبوك (يريدونك) في كلمة".

لكن تغريدات "خاشقجي" ومقالاته كانت قد ورطتهم للغاية، حيث كان قلقًا بشأن القيم المُطلقة مثل الحقيقة والديمقراطية والحرية، كان "خاشقجي" دائمًا يعتبر نفسه صحافيًا، ولم يكن داعية أو ناشطاً، وكتب "أنا سعودي، لكن مختلف"، كصحفي كان يكره الترهات، وضع شعاره على تويتر: "قل كلمتك.. وامشِ".

ولكن ما فعله أغضب الذين يريدون إخراسه، وتوضح تغريداته المدى الذي وصلوا إليه لفعل ذلك.

لقد سخر من فكرة أن السعودية بقيادة "محمد بن سلمان" كانت تقاتل من أجل "الإسلام المعتدل"، فقد غرد قائلاً: "إن السعودية التي تحارب الإسلام السياسي اليوم، هي أم وأب للإسلام السياسي، لقد تأسست المملكة على فكرة الإسلام السياسي".

تم سب "خاشقجي" لكونه متعاطفًا مع الإخوان المسلمين، لهذا قال مغرداً: "غرد عن الحرية .. أنت إخوان، عن الحقوق… أنت إخوان، عن مواطنك المعتقل … إخوان، عن المشاركة والكرامة … إخوان، ترفض الاستبداد … طبعا إخوان، عن غزة وسورية … إخوان بالتأكيد. يا كارهي الاخوان، لقد جمعتم كل المكارم فيهم، فعملتم لهم أفضل دعاية".

كان "خاشقجي" متمسكاً بالديموقراطية وقد قال: "فقط مع حرية الاختيار يمكن للإيمان أن يتغلغل إلى الروح ويسمو بالمؤمن لأعلى الدرجات".

 "ترامب" المسؤول

وكان "خاشقجي" قاسياً في القضية التي تسببت في صدعه الأخير مع الرياض وهي الموقف من "ترامب"، حيث قال: "من وقت لآخر، يغرّد ترامب أنه يحمينا ويجب علينا أن ندفع ثمن استمرار هذه الحماية. إنه يحمينا من ماذا؟ أو يحمي من؟ أنا أعتقد أن أكبر تهديد يواجه دول الخليج ونفطها هو رئيس مثل ترامب لا يرى شيئًا فينا أبعد من آبار النفط".

كان "خاشقجي" على حق، لم يكن ليحدث له شيء مما حدث بدون "ترامب".

في ثلاث مناسبات مختلفة في الآونة الأخيرة، لم يألُ "ترامب" جهداً في إذلال المملكة، وقال في تجمع حاشد في ولاية مسيسيبي يوم الثلاثاء الماضي: "نحن نحمي السعودية ونعرف أنهم أغنياء. أنا أحب الملك سلمان لكنني قلت: أيها الملك، نحن نحميك، لن تبقى لمدة أسبوعين بدوننا، عليك أن تدفع مقابل الجيش الذي يحميك ".

وفي المقابل قال "بن سلمان" عن "ترامب": "أحب العمل معه"، والسبب واضح جداً.

فلولا "ترامب" لما أصبح "محمد بن سلمان" ولياً للعهد و"ترامب" يدرك هذا، ولذلك يعتقد أنه يستطيع أن يقول أي شيء يريده، وفي الوقت نفسه يستطيع "بن سلمان" أن ينكل بمن يشاء حتى بصحفي مقيم في واشنطن، لأنه في نهاية المطاف يعلم أن "ترامب" يدعم ظهره.

لم يتحدث "خاشقجي" لي أبداً عن الخطر الذي كان يحدق به، فهو كمحلل كان يكره الافتراضات، كان يعرف أنه تجاوز نقطة اللاعودة مع هذا النظام، وأنه لا يمكن أن يعود أبدا، وقد بدأ في خلق حياة جديدة، ووظيفة جديدة ككاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست.

لكنه اعتقد أيضًا أنه - أينما كان - كان من واجبه الاستمرار في التحدث بصوت عالٍ.

وكتب يقول: "الربيع العربي لم يكن هو المدمر. أولئك الذين قاتلوه وتآمروا ضده هم المدمرون، ومن دونهم، كان يمكن للجميع أن يستمتعوا بنسيمه وحريته وتسامحه ووظائفه ورفاهه".

حياته كانت الثمن

أراهن أنه لن يحدث شيء نتيجة لاغتيال "خاشقجي".

لقد درس "بن سلمان" الأمر وتوصل إلى أن تركيا ضعيفة للغاية بحيث لا يمكنها الرد، في ظل ما يصل إلى 700 مليار دولار من الديون العامة والخاصة التي يتعين سدادها بالليرة المنهارة.

في حين ذهبت الملايين التي دفعها الأمير السعودي لتوه إلى شركات العلاقات العامة لتلميع صورته في الغرب أدراج الرياح جراء جريمة قتل تبدو كأنها خرجت مباشرة من فيلم الجريمة "Pulp Fiction".

وكان "خاشقجي" قد غرد قائلاً من قبل: "إذا كان الأمير يستطيع دفع مليار دولار في مقابل حريته، فكم سيكون على سجين الضمير أن يدفع؟ وما مقدار الثمن الذي ندفعه جميعا للحصول على حريتنا؟".

نعرف الآن الثمن الذي دفعه أحد الصحفيين المتواضعين حتى يتمكن السعوديون في يوم من الأيام من الحصول على حقوقهم الإنسانية الأساسية، لقد دفع حياته، فليرقد بسلام.

  كلمات مفتاحية

مقتل خاشقجي ديفيد هيرست السعودية بن سلمان خاشقجي جمال خاشقجي