رحلة خاشقجي المثيرة.. من الترحال مع بن لادن لمعارضة الأمراء

الاثنين 8 أكتوبر 2018 06:10 ص

ربما لم يتم استقبال أخبار انتخاب "دونالد ترامب" رئيسا بفرحة أكبر مما كان عليه الأمر في المملكة العربية السعودية، التي غضب حكامها عندما تقارب سلفه مع إيران، عدو المملكة اللدود، ورحبوا بإمكانية وجود رئيس جمهوري أكثر تماشيا مع تفكير السعودية.

وكان أحد السعوديين الذين خرجوا عن الإجماع الساحق في المملكة هو "جمال خاشقجي"، البالغ 59 عاما، وهو صحفي مخضرم وصانع رأي، أعرب عن شكوكه بشأن الآثار المترتبة على رئاسة "ترامب" بالنسبة للشرق الأوسط.

وحذر من أن مشاعر "ترامب" المناهضة للمسلمين، وقربه من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، من شأنه أن يعرض المصالح السعودية للخطر، واعتقد أن ثقة العائلة المالكة به في غير محلها.

وبسبب تلك الآراء، التي ورد ذكرها في صحيفة "واشنطن بوست"، وفي التغريدات، وفي مراكز الأبحاث في واشنطن، فقد أمرته السلطات السعودية بالتوقف عن الكتابة والتحدث علانيةً، ما أطلق سلسلة من الأحداث التي ربما تكون قد بلغت ذروتها باختفائه ومقتله المحتمل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، الأسبوع الماضي.

وبحلول صيف عام 2017، استنتج "خاشقجي" أنه إذا كان سيستمر في متابعة عمله كصحفي، فإنه لم يكن لديه خيار سوى مغادرة المملكة العربية السعودية.

وانتقل إلى واشنطن، حيث أصبح ناقدا صريحا لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، حيث اكتسبت وجهة نظره أهمية كبيرة، من خلال عمود منتظم في صحيفة "واشنطن بوست".

وهناك الآن مخاوف من أن آراءه قد تكون كلفته حياته، أو على الأقل حريته.

وتوصلت الحكومة التركية، بحسب شخصين على دراية بالتحقيق، إلى أن "خاشقجي" قد قُتل بعد وقت قصير من دخول القنصلية السعودية في إسطنبول، الثلاثاء، لتأمين وثيقة يحتاجها للزواج من خطيبته في تركيا.

ونفت السعودية أي ضلوع في الأمر، قائلة إن "خاشقجي" غادر القنصلية بعد ظهر ذلك اليوم.

ومع مرور الأيام دون أي أخبار عن مكان وجوده أو مصيره، تتزايد المخاوف من أن الرجل الذي أثار جدلا طوال حياته ربما سقط ضحية لمحاولة السعودية الأكثر إثارة للجدل حتى الآن لإسكات أحد المنتقدين.

ولا يمكن اعتبار "خاشقجي"، وهو ابن عم تاجر السلاح الراحل الملياردير "عدنان خاشقجي"، معارضا حقيقيا، كما يقول الأصدقاء والزملاء، وأشاروا إلى أنه لم يعارض النظام الملكي، ولم يدع إلى تغيير النظام، ولم يحث حتى على استبدال "بن سلمان"، مهندس القمع الصارم في السعودية.

هدف للغضب

لكن أيا من كتاباته لصحيفة "واشنطن بوست"، التي تنتقد أساليب "بن سلمان"، كان من الممكن أن تجعل من "خاشقجي" هدفا لغضب العائلة المالكة، في الوقت الذي تم فيه سجن النساء السعوديات اللاتي رحبن بإصلاحات الأمير، بسبب جرأتهن في المطالبة بتغييرات أخرى.

وفي سبتمبر/أيلول 2017، عبر "خاشقجي" عن يأسه إزاء تزايد الاضطهاد في المملكة العربية السعودية، وكذلك دعمه لمحاولة "بن سلمان" لتحديث المملكة المحافظة.

وقال: "أصدقائي، أشعر بالعجز وأنا أعيش في الخارج. نريد أن يزدهر بلدنا، وأن نرى رؤية 2030 تتحقق"، في إشارة إلى برنامج "بن سلمان" الاقتصادي.

وأضاف: "نحن لا نعارض حكومتنا، ونهتم بعمق بالمملكة، فهي الوطن الوحيد الذي نعرفه أو نريده".

وقد ساعدت أعمدته، وبعضها، بما في ذلك تلك التي ترجمتها "واشنطن بوست" إلى اللغة العربية في زيادة شعبيته، وفي زيادة غضب العائلة المالكة السعودية، كما يقول "هشام ملحم"، زميل "خاشقجي" في "واشنطن".

وقال: "إنه بارز بسبب المنصة التي توفرها له صحيفة واشنطن بوست، لذا فقد كانوا غاضبين جدا منه في المملكة".

وقال "فريد هت"، محرر صفحة الرأي في "واشنطن بوست"، إن "خاشقجي" كان يعلم أنه معرض للمخاطر، من خلال انتقاد الحكومة السعودية، رغم أنه كان في الخارج.

لكنه شعر بالتزام بالتحدث، فيما كان الكثير من مواطني بلاده يتعرضون للسجن أو القمع.

وباعتباره صحفيا ذا خبرة عالية، من وجهة نظر الكثيرين، فقد كان مناسبا تماما لقائمة كتاب الأعمدة، ونحن فخورون بنشر أعماله.

وحتى مع إنكار تورط السعودية في اختفائه، سعى مؤيدو الحكومة السعودية على "تويتر" إلى تشويه سمعة "خاشقجي"، ليس بصفته ناقدا للحكومة، ولكن تم اتهامه بأنه كان مؤيدا لجماعة "الإخوان المسلمون"، وهي حركة إسلامية محظورة الآن في السعودية.

الأيام الأولى

وتعود هذه الفترة إلى الأيام الأولى من حياته المهنية، عندما كان مراسلا يغطي الحرب في أفغانستان، في الثمانينات والتسعينات، بما في ذلك صعود "أسامة بن لادن" غير المعروف آنذاك.

وكان "خاشقجي" على علاقة مع مجموعة من المقربين من "بن لادن"، وسافر على نطاق واسع مع زعيم القاعدة في أفغانستان، بعد أن دعاه "بن لادن" شخصيا لمرافقته إلى أفغانستان، وفقا لـ"بيتر بيرغن"، مؤلف كتاب "أسامة بن لادن الذي أعرفه".

أما "سلامة نعمت"، الصحفي الأردني المقيم في الولايات المتحدة، والذي كان زميلا لـ"خاشقجي" ومحرره في جريدة "الحياة" في ذلك الوقت، والذي ظل صديقا له مدى الحياة، فقد ذكر مرارا وتكرارا بأنه يرغب في إنقاذ "خاشقجي" من الخلافات مع السلطات بسبب الشكوك حول علاقاته مع الإسلاميين.

وفي إحدى المرات، في أوائل عام 2000، اضطر "نعمت" إلى إقناع سلطات المطارات الأردنية بعدم ترحيل "خاشقجي"، بعد الاشتباه في أنه على صلة بتنظيم القاعدة.

وقال "نعمت": "لقد كان يواجه المتاعب طوال الوقت بسبب صلاته بتنظيم القاعدة، لكنه كان يفعل ذلك كصحفي يقوم بعمله".

وقال "نعمت"، إن "خاشقجي" لم يعرب في أي لحظة عن دعمه للجماعات المتطرفة، وبدلا من ذلك، كان يرى أن "عليك أن تتعامل مع الإسلاميين المعتدلين كحقيقة سياسية، وإلا سيكون عليك التعامل مع المتطرفين". وقال إن "الفشل في التعامل مع التيار الإسلامي السائد سيؤدي إلى الاستيلاء على تلك المساحة من قبل المتطرفين".

وأكد "نعمت": "يمكنك أن تقول إنه لم يبرر تصرفات الإسلاميين أو المتطرفين، ولكنه آمن بأن هؤلاء الناس لديهم مشاعر من الظلم، والقمع، وأن ذلك نتاج أنظمة عنيفة وقاسية".

وقد أجرى "بيرغن"، وهو الآن خبير في تنظيم "القاعدة" في مركز أبحاث أمريكا الجديدة، مقابلات مع "خاشقجي" بشكل مكثف حول تجاربه مع "بن لادن"، وخلص إلى أن "خاشقجي" كان على الأقل متعاطفا مع الحركات الإسلامية المعتدلة، مثل جماعة "الإخوان المسلمون".

لكن "بيرغن" قال إنه في وقت لاحق من حياته، تحرك نحو وجهة نظر أكثر ليبرالية وعلمانية.

وبحلول عام 1999، كان "جمال" قد أنهى أسفاره، وأصبح صحفيا بارزا في المملكة، وغالبا ما كان يجذب الجدل، ولكنه دائما ما كان ينجح في البقاء داخل دوائر المؤسسة.

وقد تمت إقالته مرتين كمحرر لصحيفة "الوطن" السعودية اليومية، وتم وأد محاولة له في عام 2015 لإطلاق الشبكة التليفزيونية "العرب"، في غضون أيام، لأسباب لم يتم شرحها علانية.

وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان على مقربة من الأمير "تركي الفيصل"، الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية، وخلال فترة توليه منصب سفير المملكة في لندن ثم واشنطن، بين عامي 2003 و2006، عمل "خاشقجي" مستشارا لـ"تركي"، وأصبح الناطق الرسمي باسم السفارة السعودية، كما يقول "ملحم"، الذي استضافه عدة مرات في برنامجه الحواري كممثل للحكومة السعودية.

وفي غضون ذلك، جاء العديد من أعضاء وسائل الإعلام الدولية لرؤية "خاشقجي" كمعلق موثوق على الشؤون السعودية، وهو شخص من الداخل يمكن الاعتماد عليه لإعطاء فكرة عن تفكير الملكية الغامض، ولكنه لم يكن صريحا بما يكفي لعدم اعتباره لسان حال للحكومة، وكان دائما يرد على المكالمات.

وقال "حسين إيبيش"، الباحث في معهد دول الخليج في واشنطن، الذي عرف "خاشقجي": "لقد كان قريبا جدا من العائلة المالكة وصانعي القرار، وكان تقريبا متحدثا غير رسمي لفترة طويلة، ثم أصبح غريبا".

وخلال اجتماع في واشنطن، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحدث "خاشقجي" عن الثمن الشخصي الهائل الذي دفعه لقراره بالذهاب إلى المنفى لمواصلة الحديث، وكانت زوجته قد تقدمت بطلب الطلاق، كما تجنبه العديد من أفراد أسرته وفقد منزله وممتلكاته.

وعندما دخل إلى القنصلية السعودية في إسطنبول الأسبوع الماضي، فإنه كان يسعى لإعادة بناء حياته.

وقد التقى وانخرط مع "خديجة جنكيز"، وكان يبحث عن وثيقة مطلوبة بموجب القانون التركي، تؤكد أنه ليس متزوجا قانونيا في مكان آخر، وكانا يخططان للزواج قريبا، كما قال أصدقاؤه.

وفي غياب أي أدلة قاطعة على مكان وجوده، من المستحيل معرفة ما حدث له، كما قال "نعمت"، لكنه يخشى أن تكون زيارة "خاشقجي" للقنصلية قد أتاحت الفرصة أمام السلطات السعودية لإسكات صوته.

وقال إن "انتقاد جمال كان شديد الخطورة بالنسبة لهم، لأنه قوض علاقة السعوديين بالولايات المتحدة، وربما ظن السعوديون أن هذا هو الوقت المناسب لإسكاته، سواء تم اختطافه أو قتله".

وفي عموده منذ عام، وصف "خاشقجي" عزمه على مواصلة الحديث، وكتب يقول: "إن القيام بخلاف ذلك سيكون خيانة لأولئك الذين يقبعون في السجون، فأنا يمكنني التحدث فيما لا يستطيع الكثيرون ذلك".

المصدر | ليز سلاي - واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

اختفاء جمال خاشقجي القنصلية السعودية إسطنبول تركيا جمال خاشقجي محمد بن سلمان