ستراتفور: كيف يمكن لاختفاء خاشقجي أن يحدث تأثيرا عالميا؟

الثلاثاء 9 أكتوبر 2018 10:10 ص

كان "جمال خاشقجي" يحتاج فقط إلى إنهاء بعض الأعمال الروتينية، وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول، وصل الصحفي السعودي المحترم، والناقد للحكومة، إلى قنصلية بلاده في إسطنبول، لإنهاء إجراءات الطلاق، فيما انتظرت خطيبته في الخارج.

لكن "خاشقجي" لم يعاود الظهور، وبعد 3 أيام، أعلنت السلطات التركية أنه لديها سببا للاعتقاد بأن فريقا أمنيا سعوديا مكونا من 15 شخصا قد قام بتعذيب وقتل صحفي "واشنطن بوست".

ولقد أعطت هذه القنبلة الاختفاء المقلق مستوىً من الجدية والخطورة من المؤكد أنه سيكون له تداعيات في جميع أنحاء المنطقة.

إسكات المعارضين

ولا يعد ما أعلنته تركيا على أنها جريمة قتل وحشية، مجرد مسألة إسكات للصحافة الحرة، لكنه يتعلق الأمر بالمدى الذي ستذهب إليه السعودية في إخماد معارضة مواطنيها، والعواقب بعيدة المدى لمثل هذا التغيير في السياسة.

فكيف سيستجيب حلفاء المملكة العربية السعودية الرئيسيون، من الولايات المتحدة إلى شركائها الأوروبيين، لمثل هذا الفعل الوقح الخارق لكل الأعراف، الذي يتجاوز الحدود الإقليمية، إذا ثبت أن تقييم تركيا كان صحيحا؟

وكيف سيستجيب المستثمرون الأجانب، وهم قلقون بالفعل بشأن الميول غير المستقرة في القصر؟

وكيف سترد تركيا التي تعد علاقتها متوترة بالفعل مع القوة السنية الأكبر؟

وهناك عدد من الأسباب التي قد تجعل الحكومة ترغب في إسكات "خاشقجي"، وهو صحفي معروف في المملكة، عمل لعقود في التحقيقات والتحرير الصحفي.

وقد أثارت كتاباته الأخيرة غضب ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، حيث انتقد الجوانب الأكثر قسوة في مساعيه للإصلاح.

ولطالما رأى "خاشقجي" الإصلاح ضروريا، ولكنه لا يكون مثاليا عندما يكون نهجا من القمة إلى القاعدة.

وتحدى "خاشقجي" النظام الملكي، ليس بالنسبة لأهداف الإصلاح النهائية، فهو يتفق عموما مع العديد من التغييرات الاجتماعية التي تطرحها المملكة، ولكن بشأن مسألة أصول هذا التغيير الاجتماعي.

وفي المملكة العربية السعودية، حيث يتم تفضيل الثقافة الهرمية من القيادة إلى القاعدة، فقد تحدت آراء "خاشقجي" القيم الوطنية السعودية الأساسية، فهو لم ينتقد العائلة المالكة وشرعيتها فحسب، بل أيضا التفاهمات التاريخية التي تعتمد على هياكل السلطة هذه في إدارة شؤون الحياة اليومية، وقد جعله هذا صوتا مهددا بشكل فريد بين النقاد الكثيرين للنظام الملكي السعودي.

لذا فمن الطبيعي أن يكون للمملكة هدف واضح ومصلحة في إسكات الناقد المعروف.

وإذا كان تقرير الشرطة التركية صحيحا (التحقيق مستمر)، فقد اعتمدت السعودية مستوىً جديدا من الوقاحة في جهودها لإسكات المعارضة، ومن الواضح أنها لا تتورع في تجاوز الحدود للقيام بذلك.

وقد نفت السعودية بشكل قاطع التقييم الأولي للشرطة التركية، لكن إذا كانت الرياض قد تحركت لإسكات الصحفي، أو إذا ظل مكانه غير واضح، فستكون هناك آثار عميقة.

وعلى الصعيد المحلي، من الطبيعي أن يكون للمملكة هدف واضح ومصلحة في إسكات الناقد المعروف، ثم إنكار ذلك.

وتأتي الأخبار غير المؤكدة حول أن "خاشقجي" قد يكون قد عانى من نهاية وحشية بمثابة تحذير صارخ لكل من قد يتبع خطاه، من حيث نقد المملكة، خاصة إذا كان لديك منصة تصل بصوتك للعالم، كما فعل "خاشقجي".

وحتى الآن، دعم السعوديون إلى حد كبير إنكار حكومتهم لأي تورط في اختفاء "خاشقجي".

واتهم الإعلام السعودي والإماراتي، على سبيل المثال، قطر بنشر قصة الشرطة التركية عن مقتله في القنصلية، وهي فكرة يدعمها الجمهور السعودي.

وحتى الآن على الأقل، يمتلك ولي العهد سيطرة كافية على الرسالة في الداخل.

هل يأتي كل هذا دون تكلفة؟

منذ وفاة الملك "عبدالله"، في يناير/كانون الثاني 2015، كانت السياسة الخارجية السعودية جريئة، وحتى غير منتظمة، حيث تسعى الرياض إلى معالجة ضروراتها المحلية الحرجة للحفاظ على نظامها الملكي.

وفي كل مرة، كانت المملكة على استعداد للمخاطرة بعلاقاتها الخارجية والاقتصادية، وفي العديد من الحالات، خرجت البلاد سالمة، حتى بعد فشل سياساتها.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، على سبيل المثال، أجبرت المملكة رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" على الاستقالة،  ثم جمعت مئات رجال الأعمال وغيرهم من كبار المسؤولين في حملة قمع استخدمت فندق "ريتز كارلتون" كمكان للاحتجاز.

لكن بعد بضعة أشهر، شوهد "الحريري" وهو يلتقط صورا مع ولي العهد، كما فعل العديد من المعتقلين من فندق "ريتز".

وقد قطعت المملكة العلاقات التجارية مع الشركات الألمانية عندما انتقدت برلين طريقة تعامل "بن سلمان" مع قضية "الحريري"، وقللت من شأن العلاقات مع كندا وتخلت عنها بعد تغريدة من وزارة الخارجية في أغسطس/آب.

ومع ذلك، استخدمت ألمانيا الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة للتفاوض على عودة مبعوث الرياض إلى برلين، في حين لا تزال كندا ملتزمة بتسليم صفقة أسلحة كبيرة إلى المملكة.

وبالنسبة للرياض، فإن التكلفة التي تتمثل في إزعاج العلاقات بشكل مؤقت مع الأصدقاء، مع استعادتها لاحقا تعد تكلفة معقولة.

لكن الخطر الكبير الذي تواجهه المملكة في هذه السياسة هو تأثيرها المحتمل على توجهات المستثمرين الأجانب.

وفي الوقت الحاضر، تحاول المملكة يائسة حشد الاستثمار الأجنبي، وحتى الآن، تتضاءل مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بما ترغب الرياض في تحقيقه في إصلاحاتها الطموحة.

وحتى الآن، عبرت فرنسا والمملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة عن "قلقها" بشأن اختفاء "خاشقجي"، لكنها لم تضغط بعد على الرياض بقوة للحصول على إجابات.

وقد تخشى الشركات الأجنبية على سلامة استثماراتها، فبينما تقوم هذه الشركات بحساب الخطر الجيوسياسي المتمثل في زيادة المشاركة في السعودية، فإنها تريد أن تضمن عدم تعامل الحكومة معها بنفس الطريقة المتقلبة التي عالجت بها الأمور مع بعض مواطنيها ومع علاقاتها الخارجية.

علاوة على ذلك، فقد يحظى نشاط السعودية خارج حدود البلاد ضد معارض لها برد بارد من إدارة "ترامب" الصديقة للرياض، لكنه الصدى سيكون مختلفا في الكونغرس الأمريكي.

ويعتمد البيت الأبيض بشدة على السعودية في جهوده لاحتواء خصمهما المشترك، إيران، كما تسعى واشنطن إلى التعاون السعودي لتهدئة أسعار النفط.

لكن السياسات السعودية الأكثر إثارة للجدل أصبحت فوق الاحتمال، ما قد يدفع الكونغرس لمحاولة إعادة تشكيل العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.

ولقد أظهر الحزبان بالفعل تحركات جدية ضد سلوك الرياض في اليمن عبر مجلس النواب، لكنه تم إحباط هذه الجهود في مجلس الشيوخ، لكن مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي، فإن المملكة قد تواجه قريبا هيئة تشريعية أمريكية أكثر عدائية.

تدمير العلاقات مع تركيا

وقد يسبب مصير "خاشقجي" تدميرا للعلاقة بين المملكة العربية السعودية وتركيا، في الوقت الذي يتصارعان فيه بهدوء للحصول على النفوذ والسلطة في العالم السني.

وقد أصبحت تركيا قريبة جدا من قطر، ويراقب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" التحقيق، ويمكنه استخدام هذه القضية لتعزيز صورة تركيا كدولة إسلامية معتدلة مقارنة بالمملكة السعودية.

لكن يبقى السؤال مفتوحا حول إلى أي مدى ستدفع تركيا هذه القضية، خاصة أن بعض القضايا الأخرى، مثل الأزمة الاقتصادية في البلاد ومنطقة "خفض التصعيد" في سوريا، قد تشغل المزيد من الاهتمام الدبلوماسي والسياسي لتركيا.

وأخيرا، يهز استخدام المملكة الجريء لقنصلية كمكان للنشاط الأمني ​​العقابي من مكانة البعثات الدبلوماسية السعودية في كل مكان.

كما أنه يثير مسألة تساؤلات حول الشخص الذي أمر بالعملية المزعومة ولماذا؟

ولا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كان الملك "سلمان" مشاركا بشكل مباشر في القرار.

ومن غير المعروف ما إذا كان ولي العهد قد أمر بالعملية بنفسه، أو ما إذا كانت هناك نية من البداية لاغتيال "خاشقجي".

ومع ذلك، فإن للإجابات آثار حاسمة على مستقبل المملكة، وقد تدفع مثل هذه الأنشطة الملك "سلمان" إلى محاولة الحد من استقلالية ابنه.

وقد أشارت المملكة إلى أنها ستحمي مصالحها الأساسية، حتى لو بتكلفة باهظة.

وبالنسبة إلى المعارضين السعوديين في كل مكان، فقد تتحول القنصليات والبعثات الدبلوماسية إلى مناطق محفوفة بالمخاطر.

وبالنسبة للعلاقات السعودية في الخارج، فسوف يمثل هذا الحادث اختبارا لتحمل الآخرين لسياسات الرياض الخارجية الجريئة.

لكن بعيدا عن مصير الصحفي المعارض، فإن قضية إسطنبول ستؤدي في النهاية إلى المزيد من عدم اليقين بشأن مستقبل السعودية الاقتصادي والسياسي.

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي اختفاء خاشقجي القنصلية السعودية العلاقات السعودية التركية