فورين بوليسي: لماذا يخاف بن سلمان من المهاجرين السعوديين؟

الأربعاء 10 أكتوبر 2018 12:10 م

بعد أكثر من أسبوع من دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، لا يزال الصحفي السعودي المخضرم والكاتب الصحفي في "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، في عداد المفقودين وسط تقارير عن احتمال أنه قد تم اغتياله بناء على أوامر من الحكومة السعودية، ولقد طالب العديد من المشرعين والصحفيين والناشطين الأمريكيين بإجابات من الحكومة السعودية، وقوبل ذلك بنفي رسمي واضح لأي تورط سعودي.

وإذا تبين في نهاية المطاف أن الحكومة السعودية قد تورطت في سوء معاملة "خاشقجي"، ناهيك عن موته، فإن السؤال الكبير سيكون حول السبب. ففي الوقت الذي أنفق فيه "محمد بن سلمان" مليارات الدولارات لتجديد صورته في الخارج، فلماذا سارت المملكة العربية السعودية بعد هذا في مسار اغتيال كاتب معروف كان يعيش في منفاه الاختياري واشنطن بطريقة فجة دفعت المعلقين البارزين الذين سبق لهم أن أشادوا بإصلاحات "بن سلمان" إلى التحذير من أن اختطاف -قتل خاشقجي- سيثبت أنه كارثة على السعوديين.

هروب السعوديين

ويصبح من الأسهل فهم المنطق وراء الفعل المزعوم عندما يُنظر إليه بشكل ملائم على أنه جزء من نمط أكبر. وكان صعود "خاشقجي" إلى مقدمة المشهد جزءا من تطور لم يسبق له مثيل جعل "محمد بن سلمان" يتعامل معه كتهديد لحكمه، فلقد هرب عدد من السعوديين أكثر من أي وقت في الذاكرة الحديثة من المملكة، كلاجئين إلى الدول الغربية.

 بدأ هذا الاتجاه مع وصول الأمير الشاب إلى السلطة عام 2015 عندما كان وزيرا للدفاع، واستمر مع توليه منصب ولي العهد في يونيو/حزيران 2017، ووفقا لبيانات من وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، فقد تم منح 47 سعوديا اللجوء في العام 2016، مقارنة بـ39 و33 في العامين السابقين. وكانت الأرقام تميل إلى أن تكون أقل من 10 سنويا في الأعوام بعد 11 سبتمبر/أيلول، وأقل من 20 بعد الربيع العربي. ولم تشهد أي دولة خليجية مثل هذه الزيادة في طالبي اللجوء، ويبدو أن الأرقام، ولو كانت صغيرة إذا ما قورنت بأعداد بلدان أخرى في المنطقة، ليست سوى مؤشر بسيط على اتجاه أوسع. ويقول الناشطون والمسؤولون إن عددا أكبر من المعارضين السياسيين يعيشون في المنفى الاختياري بدون طلب اللجوء رسميا، كما فعل "خاشقجي".

وبنفس القدر من الأهمية يجب التفكير في الأسباب التي يفر لأجلها السعوديون. وفي الوقت الذي كانوا يميلون فيه إلى المغادرة بسبب الاضطهاد الاجتماعي المتصل بالتوترات الطائفية، أو التمييز ضد الجنس، يغادر السعوديون الآن بشكل متزايد لأنهم يشعرون بأن حرية التعبير لديهم، خاصة الحق في انتقاد حكومتهم، أصبحت مقيدة بلا داع في وطنهم. وهذا هو السبب وراء سعيهم للعيش في الخارج بعيدا عن متناول الرياض، حيث يمكنهم التكلم والتفكير بعقولهم بحرية.

دائرة الخوف

وردت الحكومة السعودية بمحاولة تخويف هذا العدد المتزايد من المغتربين. وقد أصبح هذا الأمر واضحا في كندا، التي وجدت نفسها مؤخرا في خلاف دبلوماسي مع الرياض، بسبب انتقادها لسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان، وهي من بين الدول التي شهدت ارتفاعا في طلبات اللجوء السعودية. ووفقا لوسائل الإعلام المحلية الكندية، فإن ما لا يقل عن 20 طالبا تقدموا بطلب للحصول على اللجوء في كندا، بعد تحديهم لأوامر الحكومة بالعودة إلى ديارهم على الفور أو التوقف عن التحدث إلى وسائل الإعلام عن محنتهم.

وحتى في كندا، يقول بعض السعوديين إنهم ما زالوا غير آمنين. وتلقي قضية "عمر عبدالعزيز"، وهو سعودي يتمتع بحق اللجوء السياسي في كندا، الضوء على الظروف المحيطة باختفاء "خاشقجي". ويقول "عبدالعزيز" إنه في شهر أغسطس/آب، اقترب رجلان منه يدّعيان أنهما يحملان رسالة شفهية من "محمد بن سلمان" تطالبه بالعودة إلى الوطن، حيث سيكون محصّنا رسميا من الأذى. وبعد رفض العودة، تم اعتقال 2 من إخوته، وعدد من أصدقائه. ويعتقد السعوديون الذين يعيشون في المنفى أن محاولات كهذه مصممة لاحتواء النقد خارج البلاد وهم قلقون من زملائهم السعوديين الذين يقتربون منهم برسائل مماثلة.

وقال أحد المواطنين السعوديين الذين يعيشون في المنفى في الولايات المتحدة، إن عدد المعارضين غير مسبوق. وقال: "أعرف الكثير ممن انخدعوا وعادوا ثم تم اعتقالهم، وقد تم ذلك مرات عديدة. إنها ممارسة تقليدية لخداع الناس للعودة".

وفي الداخل، فإن عدد السعوديين الذين يعاقبون على المعارضة صار مذهلا. وقال مسؤول كبير من دولة خليجية متحالفة مع السعودية، إن عدة آلاف من الشخصيات العامة السعودية تم اعتقالهم منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وهو رقم بعيد كل البعد عن الأرقام الواردة في وسائل الإعلام المحلية والدولية. وقد تم الإفراج عن معظم من تم اعتقالهم بعد التوقيع على بيان تعهدوا فيه بالامتناع عن انتقاد الحكومة. ويقول السعوديون المطلعون على العملية إن الناس مجبرون على التوقيع.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي اللجوء السياسي عمر عبد العزيز محمد بن سلمان