ستراتفور: لماذا ينفق السيسي مليارات الدولارات على الأسلحة؟

الأربعاء 10 أكتوبر 2018 01:10 ص

على مدى الأعوام القليلة الماضية، فتحت مصر خزائنها، وشرعت في برنامج معزز لشراء الأسلحة، جعلها بسرعة واحدة من أكبر الدول المستوردة للأسلحة في العالم.

ومع ذلك، يعد حجم الأموال التي تنفقها على السلاح مذهلا في ظل الوضع الاقتصادي الهش في مصر، وافتقارها إلى خصم تقليدي كبير.

ولا تنبع دوافع هذا الإنفاق من الحاجة العسكرية فحسب، بل من الرغبة في استعادة النفوذ لبلد يحاول استعادة ذاكرته كقوة ذات ثقل في المنطقة. وفي نهاية المطاف، على الرغم من ذلك، قد يحد الاقتصاد الضعيف من استمرار موجة الإنفاق العسكري.

إنفاق متسارع

ووفقا لتقرير معهد "ستوكهولم الدولي" لأبحاث السلام الذي صدر في شهر مارس/آذار تعد مصر الآن ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم (بعد الهند والمملكة العربية السعودية).

وفي الواقع، في الأعوام الـ5 منذ أن أصبح "عبدالفتاح السيسي" رئيسا، زادت واردات البلاد من الأسلحة بنسبة هائلة بلغت 215%. وخلال تلك الفترة، وقعت مصر صفقات كبيرة مع مجموعة متنوعة من الموردين، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا، وأدت عمليات الشراء إلى رفع مستوى الترسانة المصرية إلى حد كبير، وتوفير قدرات كانت القاهرة تفتقر إليها في السابق، بما في ذلك السفن الهجومية البرمائية.

وتحسنت مؤشرات الاقتصاد المصري خلال العامين الأخيرين، على الرغم من أن موجة الشراء سبقت تعافي احتياطات البلاد النقدية. وكانت القاهرة قد ذهبت إلى صندوق النقد الدولي منذ عامين للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار وتحسنت منذ ذلك الحين مؤشرات الاقتصاد الكلي.

وظلت حكومة "السيسي" ملتزمة بالإصلاح الاقتصادي، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن استمرار تسليم الأموال مرهون بتنفيذ القاهرة لتدابير التقشف والإصلاحات الهيكلية.

ونتيجة لذلك، فإن العجز الكبير في مصر آخذ في التناقص، والتضخم يتحسن، وتبدو توقعات الديون أكثر تفاؤلا، ودفعت كل تلك الأمور البنك الدولي إلى التنبؤ بمعدل نمو يبلغ 5.8% في عام 2020. وشهدت الأعوام القليلة الماضية انتعاشا في صناعات السياحة والطاقة الأساسية، وتحسنت حتى معدلات البطالة الإجمالية، على الرغم من أن بطالة الشباب لا تزال مرتفعة، حتى بالمعايير الإقليمية.

بيد أن الضرورة العسكرية لا تكمن وراء الزيادة في مشتريات الأسلحة المصرية.

ورغم أن البلاد متورطة في مواجهة عصيبة ضد المسلحين في شبه جزيرة سيناء، إلا أن معظم مشترياتها الأخيرة، بما في ذلك الصواريخ أرض - جو، والسفن الحربية الكبرى، غير مناسبة تماما لقتال سيناء. وفي الواقع، لا يناسب سوى عدد قليل من صفقات السلاح الأخيرة احتياجات الجيش في سيناء، حيث تشن القوات المصرية إلى حد كبير حملة تعتمد على القدرات والمعدات الموجودة سابقا.

وإذا كان هناك ملاحظة بارزة، فقد عانت القوات المصرية التي تقاتل في شبه الجزيرة من نقص الموارد، وإلى حد كبير، تفتقر قوات المشاة المصرية، التي تقوم بأغلبية القتال في سيناء، إلى الدروع الواقية المتقدمة، ومعدات القتال الفردية، وسط فقر أكبر في المعدات والتدريب والإمدادات الفعالة.

وفيما يتعلق بالمركبات، نشر الجيش دبابات من طراز "إم 60 إيه 3" الأقدم، والأكثر عرضة للخطر في شبه الجزيرة، في حين أن دبابات "إم 1 أبرامز" الأكثر تقدما، والمحمية بشكل أفضل، لا تزال خارج المسرح.

ومن قبيل الصدفة لم تشترِ مصر حتى بعض المعدات الأكثر ملاءمة لمعركة في سيناء مثل المركبات المضادة للألغام. وبدلا من ذلك بدأت الولايات المتحدة في منح المئات منها إلى القاهرة مجانا في أوائل عام 2016 كجزء من برنامج قدرات الدفاع الزائدة عن حاجة البنتاغون.

كما أن مشتريات مصر لم تكن نتيجة الحاجة الملحة لردع خصوم تقليديين رئيسيين. فإلى جانب (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية، لا يقترب أي من جيران مصر القريبين من مطابقة القوة العسكرية للبلاد. ولا تمثل السعودية تهديدا عسكريا واقعيا، خاصة لأن المملكة تقدم مساعدات اقتصادية كبيرة إلى القاهرة لتعزيز حكومة "السيسي" منذ الإطاحة بالرئيس "محمد مرسي" عام 2013.

وقد يعطي التاريخ الطويل للصراع بين مصر و(إسرائيل) سببا للحفاظ على دفاع عسكري قوي، للحيلولة استعدادا لأي خطر قد ينتج عن حدوث تراجع في العلاقات مع (إسرائيل)، لكن مثل هذا الاحتمال يبدو بعيدا في الوقت الحاضر. وبعد كل شيء، تحسنت علاقات مصر مع (إسرائيل) بشكل واضح في ظل حكومة "السيسي"، وقدمت (إسرائيل) مساعدات غير مباشرة للجيش المصري في عمليات سيناء.

استعادة المجد الضائع

ويكمن التفسير الأكثر إقناعا لمشترياتها الأخيرة من الأسلحة في العوامل الجيوسياسية الأوسع نطاقا من مجرد الحاجة العسكرية المباشرة. وكانت مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان (يبلغ عدد سكانها الآن نحو 100 مليون نسمة)، أكثر دول الشرق الأوسط نفوذا، ولا سيما خلال الحرب الباردة. لكن خلال العقدين الماضيين، تضاءل نفوذها بسبب تزايد الثقل الاقتصادي لمجلس التعاون الخليجي، وعودة تركيا إلى المنطقة، وتحرك إيران لتعزيز وجودها في العراق وسوريا ولبنان في أعقاب سقوط الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003.

وحولت العوامل الداخلية، مثل الربيع العربي وما بعده، تركيز مصر أيضا إلى الداخل لبعض الوقت. ولكن في محاولة لاستعادة بعض من تألقها السابق وهيبتها، تقوم الحكومة بمحاولة الحصول على أسلحة متطورة، بما في ذلك السفن الهجومية البرمائية الضخمة من طراز "ميسترال"، لتسليط الضوء مرة أخرى على قوتها العسكرية ونفوذها.

ولا يعد قرار مصر بالبحث على نطاق واسع عن الموردين مصادفة أيضا، لأن البلاد لطالما كانت تخشى من مخاطر الاعتماد المفرط على مورد أجنبي واحد مثل الولايات المتحدة، التي زودت معظم المعدات العسكرية العملاقة إلى الشرق الأوسط منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1978.

وفاقمت واشنطن من مخاوف القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، عندما قطعت المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر بسبب دور الجيش في الإطاحة بـ "مرسي" من السلطة. وأثار قرار الولايات المتحدة غضب الجيش المصرى، والذى زاد من انزعاجه من احتمال أن يصبح رهينة لسياسة الولايات المتحدة. ولم تتجنب مصر عبر خيار تنويع قاعدة مورديها فقط مخاطر الاعتماد المفرط على مورد واحد، وإنما أيضا استطاعت تعزيز نفوذ البلاد بعدد من القوى الأجنبية القوية، بما في ذلك فرنسا وروسيا.

غير أن تكلفة شراء المزيد من الأسلحة من موردين مختلفين لم تكن مالية فقط. وبشكل عام، تكون الجيوش أكثر فعالية عندما تتمكن من تشغيل معدات وأسلحة تتشابه إلى حد كبير. وييسر مثل هذا التوحيد، إلى حد كبير، الخدمات اللوجيستية والصيانة والتدريب لأن قطع الغيار يمكن الحصول عليها بسهولة ولا تحتاج القوات إلى التعامل مع خليط من المعدات. ومن ثم، فإن ترسانة مصر شديدة التنوع تفرض قيودا كبيرة على قوتها العسكرية. فعلى سبيل المثال، تعمل قوات الدفاع الجوي التابعة لها على تشغيل بطاريات صواريخ أرض جو من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا الآن. وتتجمع البطاريات على منصات مختلفة مما يجعل من الصعب للغاية تدريب القوات على مختلف المعدات.

كعب أخيل مصر

وعلى الرغم من قروض صندوق النقد الدولي، سيظل الاقتصاد هو كعب أخيل البلاد (يشار بكعب أخيل إلى نقطة الضعف المميتة لشخص أو جهة رغم القوة التي عليها هذا الشخص أو الجهة). وفي النهاية، لا يمكن لأي قدر من النمو الاقتصادي أن يتجاوز معدل نمو السكان الاستثنائي واحتياجات المواطنين من الخدمات والموارد الأساسية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه بحلول عام 2050، سيبلغ عدد سكان مصر 150 مليون نسمة، و200 مليون بحلول عام 2100. وعلى الرغم من أن جيش البلاد محاصر في معركة صعبة مع الميليشيات الإسلامية في سيناء، فقد أشار "السيسي" إلى النمو السكاني غير المنظم في البلاد كأعظم تهديد للأمن القومي، بسبب قدرته على إلحاق الضرر بالاقتصاد والحكومة.

وربما تحسن الاقتصاد المصري في الأعوام القليلة الماضية، لكن لا يمكن للبلاد أن تستمر في تعزيز ترسانة أسلحتها المتطورة الضخمة على المدى الطويل، خاصة وأن الكثير من هذه الأسلحة تم تمويلها من خلال قروض لا تزال القاهرة بحاجة إلى سدادها.

  كلمات مفتاحية

مشتريات السلاح الإنفاق الدفاعي الجيش المصري صندوق النقد الدولي السيسي

السيسي لمجندي الجيش: أزمة الدولار هاتبقي تاريخ