سيارة وطائرة وساعة.. 3 خيوط تحل لغز اختفاء خاشقجي

الأربعاء 10 أكتوبر 2018 06:10 ص

"الجريمة الكاملة وهم يغري الأغبياء بارتكابها"..

حكمة تداولها العديد من المراقبين، الأربعاء، للتعليق على تفاصيل ما كشفت عنه التحقيقات بشأن اختفاء الكاتب الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، إثر دخوله قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

فرغم تأكيد سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، "خالد بن سلمان"، أن كاميرات المراقبة التابعة للقنصلية "لم تكن تسجل" في يوم دخول "خاشقجي" لها (وهو ما سبق أن أكدته القنصلية ذاتها)، إلا أن الاستناد إلى ذلك باعتباره إخفاء لكل آثار الجريمة ثبت أنه غير صحيح.

إذ كشف تتبع جهات التحقيق التركية لحركة الدخول والخروج إلى القنصلية قبل وأثناء وبعد اختفاء "خاشقجي" عن 3 خيوط تقود لحل لغز عملية اختفائه، وهو ما استعرضته وكالة "رويترز"، الأربعاء، استنادا إلى مقابلات مع مسؤولين أتراك، وخطيبة خاشقجي (خديجة جنكيز)، وأكثر من 12 من أصدقائه، الذين ألقوا الضوء على حالته في الأيام التي سبقت اختفائه.

ساعة آبل

أفادت المصادر بأن "خاشقجي" كان يرتدي ساعة سوداء من طراز "آبل" عندما دخل القنصلية السعودية بإسطنبول، وأشاروا إلى أنها كانت متصلة بهاتف محمول تركه بالخارج مع خطيبته؛ ما يمثل الخيط الأول أمام المحققين في واقعة اختفاء "خاشقجي".

وفي هذا السياق، تنقل "رويترز" عن "خديجة" أن خطيبها ترك هاتفه المحمول معها خارج القنصلية، وترك لها تعليمات واضحة بضرورة الاتصال بـ"ياسين أقطاي"، مستشار الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"؛ إذا لم يعاود الظهور خارجا من القنصلية مرة أخرى.

كان "خاشقجي" يرتدي ساعته السوداء، المتصلة بهاتفه، عندما دخل مبنى القنصلية، وهو الخيط الذي أكد مسؤول أمني رفيع أنه بات في قلب التحقيق التركي حول اختفاء الرجل.

وأضاف المسؤول أن المحققين يحاولون تحديد المعلومات التي تنقلها الساعة حاليا، مشيرا إلى أن "أجهزة الاستخبارات ومكتب المدعي العام وفريق تكنولوجي يعمل على ذلك".

ولفت المصدر إلى أن أي أجهزة متصلة بساعة "خاشقجي" السوداء، يمكن أن تقدم بيانات عن ما جرى له بعد دخوله القنصلية السعودية، وفقا لما نقلته "رويترز".

ويقول خبراء التقنية أن ساعات آبل يمكنها أن توفر بيانات مثل موقع حاملها ومعدل ضربات قلبه، لكن ذلك يعتمد على طرازها، وما إذا كانت متصلة بالإنترنت ومدى قربها من جهاز هاتف محمول من طراز (آيفون iPhone) لمزامنته.

طائرة مستأجرة

ويركز المحققون أيضا على 15 رجلا سعوديا دخلوا القنصلية بالتزامن مع تواجد "خاشقجي" فيها، قبل أن يغادروا البلاد في اليوم ذاته.

وقال مسؤولون أتراك إن هؤلاء الرجال وصلوا قبل ساعات من الرياض، وكان 9 منهم على متن (طائرة خاصة مستأجرة)، و6 على متن رحلات جوية تجارية، وفي نهاية اليوم غادروا إلى القاهرة ودبي.

تلقت صحيفة "صباح" التركية، الأربعاء، تسريبات حول هوية الـ15 سعوديا، مشيرة إلى أنهم ينتمون إلى الاستخبارات السعودية، وأن أحدهم خبير في الطب الشرعي، وهو ما لم ينفه أي مصدر تركي بشكل رسمي.

ومثل ذلك الخيط الثاني في حل لغز اغتيال "خاشقجي"؛ إذ كشفت مصادر "رويترز" أن بيانات نظام تتبع رحلات الطيران عبر الإنترنت أظهرت أن الطائرة الخاصة مملوكة لشركة تدعى "سكاي برايم"، التي تملكها شركة أخرى مسجلة بالسعودية، وتابعة لحكومة المملكة رغم تسجيلها كشركة خاصة.

حاولت "رويترز" الحصول على تعليق حول هذه المعلومات، لكن لم يستجب أي مسؤول بالحكومة السعودية لذلك.

سيارة مجهولة

أما الخيط الثالث الذي يحاول المحققون تتبعه؛ فهو سيارة تابعة للقنصلية السعودية، غادرت مقرها تزامنا مع سيارتين أخريين حملتا الـ15 المتهمين بتنفيذ اغتيال "خاشقجي".

تركت السيارة القنصلية في نفس وقت مغادرة سيارتي المتهمين الـ15 إلى المطار، لكنها لم تتجه معهما إلى هناك، بل انطلقت في الاتجاه المعاكس.

ويحاول المحققون الأتراك حاليا تتبع مسار هذه السيارة من خلال تحليل كاميرات المراقبة، حسب مصادر تركية.

وبسؤالها حول السيارات والمتهمين أحالت قنصلية المملكة بإسطنبول "رويترز" إلى السلطات السعودية، التي لم يستجب أيا من ممثليها لطلب التعليق.

ومن المتوقع أن تكشف الخيوط الثلاثة عن مزيد من المعلومات حول جريمة الاغتيال، التي بدأت السلطات التركية في تسريب تفاصيلها إلى الصحف المحلية تدريجيا.

رواية الجريمة

أما تفاصيل ما قاد "خاشقجي" إلى قدره، فكشفت "رويترز" عن بعض خفايا تفاصيله، التي كشفت عن سبب لجوء الكاتب السعودي إلى استخراج وثيقة تثبت طلاقه من القنصلية السعودية بإسطنبول تحديدا.

نقلت الوكالة، في هذا الصدد، عن "خديجة"، أنها التقت خطيبها في مايو/أيار الماضي في مؤتمر بإسطنبول، وتطورت علاقتهما بسرعة ليتحدث "خاشقجي" معها عن رغبته في الزواج بها وبدء حياة جديدة معها.

وأضافت أن "خاشقجي" اشترى شقة في إسطنبول، وخطط معها للزواج في ذات الأسبوع الذي شهد الجريمة، قبل أن يعود أدراجه إلى واشنطن.

لكن قرار الزواج في إسطنبول اضطر "خاشقجي" إلى اللجوء للقنصلية السعودية، باعتبار أن القانون التركي يلزم طالب الزواج بتقديم ما يثبت أنه غير متزوج.

كان على "خاشقجي" أن يقدم ما يثبت طلاقه من زوجته السعودية كدليل على أنه ليس لديه زوجة حاليا، ليسأل عن ما إذا كان بإمكانه الحصول على وثيقة تفيد بذلك من السفارة السعودية في واشنطن.

وهنا نقلت "رويترز" عن أحد أصدقاء "خاشقجي" أن السفارة السعودية بواشنطن أبلغته بان قنصلية المملكة في تركيا هي المكان الأفضل لحصوله على ما يريد.

وعلقت "خديجة" على ذلك بالتأكيد على أن "خاشقجي" لم يكن ليقدم طلبه إلى قنصلية السعودية بإسطنبول إذا كان بإمكانه تجنب ذلك.

وفي المقابل، نقلت "رويترز" عن مسؤول سعودي ادعاءه بأن الحديث عن طلب السفارة السعودية في واشنطن من "خاشقجي" التوجه إلى إسطنبول "ليس دقيقا" دون أن يقدم أدلة على ذلك.

المسؤول سلطان

وروى صديق "خاشقجي" أنه حذره من الذهاب إلى القنصلية السعودية بإسطنبول خشية اعتقاله، لكن الكاتب السعودي طمأنه بأن "علاقاته الجيدة في تركيا تعني أنه لا أحد يستطيع أن يفعل أي شيء لإلحاق الضرر به".

كان "خاشقجي" يشير إلى صداقاته برجال ذوي نفوذ في تركيا، بينهم "ياسين أقطاي"، مستشار الرئيس "رجب طيب أردوغان".

 زار "خاشقجي" القنصلية، دون تحديد موعد مسبق، يوم 28 سبتمبر/أيلول الماضي، وانتظرته "خديجة" بالخارج حتى عاد مخبرا العديد من أصدقائه بأن المسؤولين في القنصلية السعودية عاملوه بأدب، وأوضحوا له أن حصوله على الوثيقة التي تثبت طلاقه "سيستغرق بعض الوقت".

وخلال زيارته الأولى للقنصلية تبادل "خاشقجي" أرقام الهاتف مع مسؤول قنصلي يدعى "سلطان" حتى يتمكن من التحقق من التقدم في إجراءات استخراج الوثيقة، حسب رواية 3 أصدقاء آخرين للكاتب السعودي، نقلت عنهم "رويترز".

 قال المدعو "سلطان" لـ"خاشقجي" إن الوثيقة ستكون جاهزة في وقت مبكر من الأسبوع التالي، لتكون زيارة الكاتب السعودي للقنصلية محددة الموعد هذه المرة.

لم تتمكن "رويترز" من تحديد موقع "سلطان" الوظيفي في القنصلية السعودية بإسطنبول، بينما رفض القنصل "محمد العتيبي" التعليق حول هوية الشخص الذي تحدث معه "خاشقجي" في زيارته الأولى.

مؤتمر لندن

ولأنه كان واثقا من حصوله القريب على الوثيقة المطلوبة، سافر "خاشقجي" إلى لندن في وقت لاحق من يوم زيارته الأولى للقنصلية لحضور مؤتمر لمنظمة "ميدل إيست مونيتور".

 سأله بعض زملائه الصحفيين بالمؤتمر عن التهديد الذي يواجهه من السلطات السعودية بسبب عمله، وعن احتمال سحب الجنسية منه، فكان رده باستبعاد ذلك؛ "إذ لم يعتقد أن سلطات بلاده يمكن أن تذهب إلى هذا الحد"، وفقا لما رواه مدير المنظمة "داوود عبد الله".

بينما ذكر أحد المعارضين السعوديين المنفيين بلندن أن "خاشقجي" أخبره، في الأيام التي سبقت اختفائه، عن شعوره بالقلق فقط من تعرضه للاستجواب من قبل السعوديين بالقنصلية.

زيارة الاختفاء

عاد "خاشقجي" إلى إسطنبول ثانية في 2 أكتوبر/تشرين الأول، مصطحبا خطيبته، لكنه لم يظهر بسرعة هذه المرة.

ظنت "خديجة" في البداية أن الأمر يتعلق بإجراءات الحصول على الوثيقة المطلوبة، لكن مع مرور الوقت ومغادرة موظفي القنصلية شعرت بالذعر، وقررت تنفيذ التعليمات التي سبق أن تركها لها خطيبها.

اتصلت خطيبة "خاشقجي" بمستشار الرئيس التركي في الساعة 4.30 مساء، وأخبرته أن خطيبها بات مفقودا.

ونقلت "رويترز" عن "أقطاي" أنه اتصل بالسلطات التركية ومسؤولي المخابرات فور تلقيه الاتصال من "خديجة"، مضيفا: "اتصلت أيضا بمكتب الرئيس الذي كان في اجتماع رفيع المستوى باللجنة الحزبية في ذلك الوقت".

وفي اليوم التالي (الأربعاء 3 أكتوبر/تشرين الأول) أذاعت وسائل الإعلام التركية والدولية خبرا مفاده أنه لا يوجد أي دليل على أن "خاشقجي" غادر مبنى القنصلية السعودية، وأن المسؤولين الأتراك يعتقدون أنه لا يزال بداخلها.

وبالمقابل، ردت السلطات السعودية بأن "خاشقجي" غادر القنصلية، وهو ما نفاه مصدران أمنيان تركيان لـ"رويترز" في حينه، وأكدا أن تسجيلات كاميرات المراقبة تظهر أن الكاتب السعودي البارز لم يغادر قنصلية بلاده بأي حال.

استمر النفي السعودي، واستمر التأكيد التركي، ولما كانت البينة على من ادعى، خرج مسؤولي القنصلية برواية الكاميرات التي لم تسجل شيئا في يوم اختفاء "خاشقجي"، لكن ذلك لم يكن طريقا لجريمة كاملة كما ظنوا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا السعودية خاشقجي