الجيش المصري يزرع بذور التشدد في سيناء لعقود قادمة

الجمعة 12 أكتوبر 2018 07:10 ص

تشن مصر حربا خفية في منطقة شبه جزيرة سيناء، وتهجر الآلاف من الناس، في الوقت الذي يحاول فيه أكبر الجيوش البرية في العالم العربي توجيه ضربة حاسمة ضد المجموعة التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في شبه الجزيرة.

ودمرت القوات الحكومية آلاف المنازل، وأحرقت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وطوقت مئات الآلاف من السكان في حصار استمر لسبعة أشهر، أدى إلى نقص في الغذاء والسلع الأخرى، إلى أن رفعت بعض القيود في سبتمبر/أيلول الماضي.

وقال مسؤول مصري يراقب الصراع إن ما يصل إلى 20 ألف أسرة في محافظة شمال سيناء -حيث يتركز الهجوم- تم إجبارها على الفرار بسبب القتال.

وأطلق الجيش الحملة في فبراير/شباط الماضي، بأوامر من الرئيس "عبد الفتاح السيسي" لاستخدام "القوة الغاشمة" لسحق الإرهابيين، وذلك في أعقاب هجوم على مسجد في شمال سيناء في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.

ويمكن للسلطات المصرية ادعاء بعض النجاحات أخيرا. وقد تراجعت هجمات المسلحين في "البر الرئيسى" لمصر منذ نهاية العام الماضي. ويقول الجيش إنه قتل أكثر من 300 مسلحا منذ بدء الحملة.

لكن الدمار الذي سببه الانتقام العسكري أدى إلى نفور سكان شمال سيناء من الحكومة. ويحتاج الجيش إلى مساعدة السكان المحليين للوصول إلى أوكار المقاتلين، الذين ينتمون إلى حركة تمرد محلية بايعت "الدولة الإسلامية" قبل 4 أعوام.

حرب على الشعب

وقال مواطن من سيناء يعمل معلما، كان من الداعمين لهجوم الجيش، إن ولاءه تم اختباره بشكل مباشر في يونيو/حزيران الماضي، عندما دمر الجيش منزله.

وحدث ذلك بعد أن غادر هو وعائلته إلى بلدة مجاورة بحثا عن مأوى من القتال، في حين تم تدمير معظم منازل قريته التي يبلغ عدد سكانها نحو 4 آلاف شخص، على يد الجيش؛ لمنع المقاتلين من استخدامها.

وقال المعلم: "نحن ندعم الجيش، لكننا نشعر بأن هذه حرب علينا وليس على الإرهابيين".

وبعد أن تسببت الهجمات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في توقف خدمات شبكة الكهرباء لدى آلاف الأشخاص لمدة 5 أيام، ألقى السكان باللوم على الحكومة لعدم استعادة الكهرباء على الفور.

ويعزز هذا الاستياء التمرد، وساعده على النجاة من الهجوم الحالي، حسب السكان وجماعات حقوق الإنسان والخبراء الذين يتابعون النزاع.

وقال مسؤول حكومي غربي يقيم في القاهرة: "كل هؤلاء الناس الذين يقتلونهم هناك، ويأخذون أرضهم، يخلفون وراءهم أطفالا بلا مأوى، والذين يصبحون يائسين وعرضة للتشدد. لم تحل سياسات الأرض المحروقة أو تنه صراعات أبدا، بل تخلق المزيد من الكراهية".

وهدم الجيش ما لا يقل عن 3600 منزل، في الفترة بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان الماضيين، حسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية وشهادات من سكان شمال سيناء. واعترض الجيش المصري على التقرير، وقال متحدث عسكري لصحيفة مصرية إنه يستند إلى مصادر غير موثوقة.

وقالت الحكومة إنها تعوض السكان الذين دمرت منازلهم؛ وقال المتحدث العسكري "تامر الرفاعي" للصحيفة إن الحكومة أنفقت 900 مليون جنيه مصري (50 مليون دولار) كتعويضات.

وأفادت "هيومن رايتس ووتش" بأن الحكومة لم تعلن عن إجراء واضح لتعويض السكان، وأن الدولة لم تقدم تعويضات عن الأراضي الزراعية المدمرة.

حصار خانق

وتمنع الحكومة الغرباء من زيارة شمال سيناء، متعللة بالمخاوف الأمنية، وتقطع روابط الاتصال بالمنطقة بشكل روتيني. 

واستمر التمرد المحلي لعدة أعوام في شمال شبه جزيرة سيناء؛ حيث يعاني السكان عقودا من الإهمال الاقتصادي والتمييز الرسمي من جانب الحكومة في القاهرة. ويُحظر على البدو في سيناء العمل في الشرطة والجيش، وهي سياسة تحرمهم من الوصول إلى العديد من الخدمات الحكومية، ولا تمنحهم الفرصة لإظهار الولاء للدولة المصرية.

وبعد فترة وجيزة من قيام جماعة متشددة من سيناء بإعلان الولاء والبيعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" عام 2014، تبنت تلك الجماعة التكتيكات الوحشية للمتطرفين، وشنت هجمات بالقنابل والرصاص على الأقلية المسيحية القبطية والسائحين الأجانب. وفي عام 2015، زعمت الجماعة أنها أسقطت طائرة روسية في سيناء؛ مما أسفر عن مقتل 224 شخصا.

وفي شمال سيناء، يواصل المتمردون هجمات الكر والفر على قوات الأمن والمدنيين. ويتم إلقاء اللوم على المسلحين في سلسلة من عمليات قتل الشرطة والمسؤولين المحليين في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك مرشح برلماني سابق، ومهندس حكومي، وموظف في محطة إذاعية محلية.

وزاد العنف من إحباط السكان تجاه الحكومة، بسبب فشلها في استعادة الأمن وحماية أولئك الذين يدعمون الحكومة، حتى بعد 9 أشهر من العمليات العسكرية.

وقال سكان ومسؤولون إن اقتصاد شمال سيناء تباطأ مع حظر التواصل مع بقية مصر. ووصف السكان مشاهد مثل الطوابير الطويلة على محطات البنزين، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.

ووصف عضو البرلمان في شمال سيناء، "رحمي بكير"، أحد مؤيدي "السيسي"، "تدهور ظروف المعيشة والتجارة، وغياب فرص العمل للشباب في سيناء، في خطاب إلى وزارة المالية صدر في يونيو/حزيران.

لقد أصبح نهج مصر تجاه الصراع مسببا للخلاف بين المسؤولين الأمنيين المصريين والأمريكيين.

وتعد مصر ثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية بعد (إسرائيل)؛ حيث حصلت على أكثر من 78 مليار دولار من المساعدات منذ عام 1946.

لكن المسؤولين المصريين كثيرا ما تجاهلوا النصائح الأمريكية لمكافحة التمرد، من خلال تدمير أقل واستثمار أكبر في التنمية الاقتصادية لمدن شمال سيناء، وفقا لمسؤول أمريكي سابق، ومسؤول غربي على معرفة بالمناقشات.

وبدلا من ذلك، ركزت الطلبات المصرية على الحصول على معدات عسكرية جديدة.

وأعلنت مصر عن سلسلة من المشاريع التنموية في شمال سيناء هذا العام، بما في ذلك خطط لإنشاء مدينة جديدة، واستكشاف النفط والغاز. لكن معظم الخطط كانت بالقرب من قناة السويس، بعيدا عن منطقة الصراع حيث يعيش معظم سكان سيناء.

وقال أحد سكان العريش: "لا يزال الحديث عن تطوير سيناء مجرد كلام. ولا يوجد شيء يمكن للسكان لمسه من حيث الخدمات التي يحتاجون إليها".

 

  كلمات مفتاحية

شمال سيناء تنظيم الدولة الإسلامية الجيش المصري عبد الفتاح السيسي