المقال الأخير الذي لم يكتبه خاشقجي

السبت 13 أكتوبر 2018 09:10 ص

تملكته مشاعر الغربة وحنين الوطن، وتصور آلام اللحظات الأخيرة وعدم تصديقه أن تكون النهاية على يد بني وطنه، فأمسك قلمه وكتب المقال الأخير الذي لم يكتبه صديقه الراحل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".

وفي مقال متخيل، نشر الصحفي المصري المغترب، "أسامة صفار، على صفحته بـ"فيسبوك"، مقالا على لسان "خاشقجي" يسرد فيه تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته، ومشاعره تجاه وطنه الذي يفتقده وأحاسيسه تجاه بني جلدته الذين لم يصدق أن يكونوا قاتليه.

وننشر فيما يلي نص المقال المتخيل:

"أشعر بحنين جارف كلما رأيت علم المملكة، ليس فقط للأماكن التي حرمت منها لاضطراري للعيش في أمريكا ولكن لحالة المملكة التي كانت قبل ذلك الكابوس الذي يطبق على أنفاس الجميع هناك.

يرفرف العلم الذي يحمل أول أركان الإسلام على مدخل القنصلية وقد جئت في موعدي تماما و معي خديجة التي قدر الله لي أن أجدها في سنوات عمري الأخيرة لتكون أنيسة لي في غربة أتمني ألا تطول، كانت الفتاة الطيبة المؤمنة بي تماما تعبر عن قلق لا أجده ذا موضوع فحيثما يرفرف علم بلادي يكون الأمان حتى ولو قيل غير ذلك، والحقيقة أنا لا أمثل عدوا لهم رغم الخلاف وهم يعلمون ذلك وكبار قادة الأسرة المالكة أصدقاء لي وأظن أنه لو أراد أحدهم إلحاق الأذى بي لمنعه الكبار لذا لا تقلقي يا خديجة يا حبيبتي فكما يقول المصريون "الدار أمان".

ينعشني هواء المكيف في مدخل القنصلية لكنها تبدو كحي هادئ وسط صخب إسطنبول ورغم أني جئت هنا من قبل إلا أن أحدا لم يكن يقف على باب القنصلية مراقبا لي دون أن ينطق هكذا، لكني لم أهتم ولما التفتت بشكل مفاجئ للخلف عامدا فوجدته يتحدث في جواله.. لا مشكلة.

ترحاب غير عادي أجده من موظف استقبال وحيد ويقودني الرجل إلى مكتب القنصل محمد العتيبي وهو واحد من أبناء الجيل الجديد من الدبلوماسيين السعوديين صادفته أكثر من مرة حين كان طالبا أثناء محاضراتي كزائر بالجامعة وحاول كثيرا أن ينشئ علاقة مستمرة معي وتحدثنا كثيرا وكنت ألحظ دائما طموحه الذي تشي به تصرفاته.

ينتفض العتيبي من على مكتبه مرحبا ويطلب قهوة الهيل، مشيرا إلى أنني بالتأكيد أفتقدها نظرا لإقامتي في الولايات المتحدة ويعتذر الرجل عن البطء في إنهاء معاملتي الخاصة بتوثيق الطلاق لأتمكن الزواج من خديجة فأفاجئه بطلب تبرير للتصميم على توثيقها هنا واضطراري للسفر إلى تركيا فيرد بأنها كانت فرصة لاستضافتي في برامج عربية، ودون أن يقدم التبرير يسارع بالاتجاه إلى الباب مؤكدا أنه سينهي المعاملة ويأتيني بها بنفسه. 

لم يمر أكثر من خمسة دقائق ودخل اثنان ممن تصورت أنهم موظفين لإنهاء المعاملة ولكن فاجأني أحدهما بسؤال خشن خال من اللياقة والأدب حول خروجي على ولي الأمر فحاولت امتصاص الصدمة وأشرت إليه أنه يتحدث إلى جمال خاشقجي وعليه أن يتأدب. 

كانت قهوة الهيل قد أدخلت إلي عبر أحدهما وارتشفتها دفعة واحدة، والآن أنظر إلى الفنحان الصغير وهو يتراقص وأشعر بألم شديد في الجزء الخلفي من رأسي مع صوت كسر.

رأيت وجهه وتذكرته بينما يخبو الوعي من شدة الضربة وفرط الذهول، إنه أحد أقرب حراسه إليه. 
ازدحم مكتب القنصل وأنا ممدد فوق أريكة تواجه الجالس على مقعد القنصل وعرفته أيضا.. هذا ولد منهم.. من أذناب الولد يا لهول الخيانة تمنيت أن أقدر على الكلام لأقول لهم أن إغمائي ليس بأثر الضربة ولكن ذهولا مما وصل إليه الحال من غدر وغباء و تخطيط أرعن.

كان الجالس على مكتب القنصل ينقل أوامر واضحة بالتخلص من جثة "هذا الكلب"، وكم كانت دهشتي أن يجرؤ شخص اشتهر بالغباء في أوساطنا الصحفية بالمملكة أن يسبني بهذا الشكل وانفعلت بشدة وحاولت أن أرفع جفني المثبتين على عيني وأن أتحرك فصرخ أحدهم أن "هذا الكلب لا زال حيا".

تلمظ الجالس على مقعد القنصل كما لو كان ذئبا يعد نفسه لوجبة شهية وترك المقعد واقترب من جثتي ليذكرني بكراهيته لي ولتفوقي عليه وحقده علي ووقاري المفتعل وعلاقاتي النافذة داخل العائلة المالكة ثم أردف أنه بعلاقة واحدة اصطاد أمثالي كالفئران.

لم أفهم وإن تألمت إذا رافق جملته الأخيرة ركلة بقدمه في وجهي ساهمت في إفاقتي وإن لم أستطع التحرك فانطلق المرافقون له كحيوانات جائعة صفعا وركلا وأخرجوا كرابيج ومقصات عجيبة لكن مالفت نظري هو إخراج أحدهم لمنشار ضخم فقد فهمت حينها كل شيء. 

لقد اكتملت دائرة الغدر والغباء معا ولأن جسدي لم يعد يؤلمني فقد راق تفكيري وبدأت أتصور النتائج التي سوف تترتب على سجني وتخيلت أنه بعد هذه "العلقة" سوف يتم التواصل معي عبر واحد من كبار الأسرة وحينها سوف أرفض أي نوع من الترضية لأن ما يحدث الآن لا يمكن أن يكون سلوكا إنسانيا راقيا فضلا عن كونه لا يليق برجل عاش حياته من أجل المملكة.

اقترب حامل المنشار فشعرت برهبة تسري في روحي وتساءلت ماذا يريد هذا المجنون؟! وفي اللحظة نفسها كان أحدهم يغرس شيئا في عنقي.. وبينما ينزل ستار أسود كان حامل المنشار يبدأ العمل.
 

 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل خاشقجي جمال خاشقجي اختفاء خاشقجي السعودية صحفي مصري